منذ قرابة 193 يوم يعاني اليرموك من حصار خانق من قبل النظام السوري وقوات الجبهة الشعبية القيادة العامة، بداعي وجود مجموعات فصائل غير فلسطينية يمينية مسلحة، وهو ما أدى إلى استشهاد قرابة 57 فلسطينياً جوعاً.
ورغم الصور التي تخرج من خلال المخيم، والتي في غالبها يهز الحجر، إلا أن أحداً من الشعب الفلسطيني لم يحرك ساكناً، إلا من بعض المبادرات التي اعتمدت على جمع التبرعات، فيما بقي الشباب الفلسطيني يمارس هوايته في الثورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أما على الأرض فإن جميع التظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية لم يصل عدد المشاركين فيها على الأكثر (50) شخصاً كحد أقصى، وافتقدت للتنظيم وأرهقت الصحفيين.
ولعل أبرز ما ميز هذه المظاهرات فضلاً عن فوضويتها وعدم تنظيمها بأنها تلقي باللائمة فيما يجري في عاصمة الشتات الفلسطيني، اليرموك، على منظمة التحرير الفلسطينية، كونها قصرت في ملف نوت المخيم وقاطنيه جوعاً، ولكن هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم عناء اتهام أنفسهم وشعبهم بالتقصير في التضامن على الأقل مع أبناء شعبهم.
فعاليات عديدة ومتواصلة للتضامن مع اليرموك، أقيمت في رام الله، كانت في غالبيتها فاشلة، ولم توصل الرسالة المطلوب منها، وهو ما أرسل رسالة أخرى إلى الفلسطينيين في اليرموك، بأن هذا هو شعبكم يترككم أنتم وربكم لتقاتلوا الجوع وحيدين.
وربما البارقة الوحيدة الجيدة، هو أن بعض الإعلاميين الفلسطينيين الشباب هم الذين حملوا لواء المبادرة وأطلقوا حملة إعلامية لنصرة اليرموك، وتوعية الشارع الفلسطيني بما يجري هناك، فكانت الموجات المفتوحة قد أصابت هدفها، وعلى الأقل أعطت الجمهور الصامت صورة بسيطة عن حجم كارثة اليرموك.
ولكن التطور الأكبر كان في جامعة بيرزيت، جين استقبل مجموعة من الطلبة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، د. أحمد مجدلاني، بطريقة غريبة، فهاجموه وهم مقصرين ففي الجامعة أيضاً لم ينظم هؤلاء الذين يعشقون الثورة ثلاثية الأبعاد أي اعتصام لنصرة اليرموك، واتهموه بالتقصير، رغم أن د. المجدلاني نفسه هو الذي سافر إلى سورية مراراً، وعلى الأقل حاول التوصل إلى سواء نجح أو فشل، ولو أنه كان فتحاوياً، ربما أقيمت له مراسيم استقبال الأبطال والفاتحين، ولكنه أمين عام فصيل صغير، ويعاديه أحد أعضاء اللجنة المركزية، وإحدى النقابات، وينتظرون فشله ليشفوا غليلهم.
لكن ليس هذا بيت القصيد، بل الطريقة الثورية لشباب جامعة بيرزيت، التي كانت سابقاً معروفة بأنها بيت الديمقراطية الفلسطينية، ولكنها على ما يبدو خلعت هذا الرداء، فكان الطلبة الفتحاويين والحمساويين يتوحدون ضد وزير من فصيل آخر، فكانوا يوجهون الأسئلة والشتائم وينسحبون، وكأنهم يريدون تسجيل موقف بطولي لهم، في عالمهم الافتراضي البعد تماماً عن الواقع، وعدم فهم حقيقي لما يجري هناك في اليرموك، الذي أكاد أجزم أنهم يسمعون به لأول مرة في حياتهم.
ورغم الطريقة السيئة للتعامل مع الدكتور المجدلاني، إلا أنه بقي يجيب على الأسئلة وعلى تسجيل المواقف البطولية للطلبة الثوريين في عالمهم الافتراضي خلف شاشات الحاسوب عبر الفيس بوك أو التوتر، فبقي صامداً محافظاً على لباقته رغم وقاحة التعليقات، والانسحابات والتصفيقات، وللمعلومة فهي ليست المرة الأولى التي يقابل فيها طلبة بيرزيت مسؤولين ومثقفين فلسطينيين بطريقة غير لائقة.
الخلاصة إن هذا الشعب، وتحديداً الحركة الطلابية، بات يحاول التعبير عن تقصيره تجاه الغالبية الكبرى من قضايا الشعب الفلسطيني، بإلقاء اللوم والتقصير على المسؤولين، والعكس صحيح، ويبدو أننا بحاجة إلى طرف ثالث لنلقي اللوم عليه، ويسعى معظم هؤلاء إلى جعل منظمة التحرير تدين النظام السوري في حصار المخيم، وتحمله مسؤولية استشهاد اللاجئين، لتخرج عن سياق الحياد، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كلنا مقصرون … لا أستثني أحداً .. حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة.
معا