ننتظر زيارة الرئيس دونالد ترامب إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة حتى يشاهد بأم عينيه ما يعنيه الاستيطان المستشري في الضفة الغربية، بما فيها القدس، فربما رأى ما يراه الفلسطيني من أن الاستيطان عقبة كأداء أمام عملية السلام التي يُتوقع أن يُعلِن استئنافها خلال الزيارة، وربما أدرك ما يعنيه الاستيطان حين يتحوّل أيضاً إلى صناعة.
صحيح أن ترامب لن يرى، خلال زيارته القصيرة، هول المستوطنات التي تُزرع على تلال الضفة، وعددها 145، بما فيها 116 بؤرة استيطانية. وصحيح أنه لن يدرك الوقع الكامل للاستيطان على حياة الفلسطينيين، وكيف تُسرق أراضيهم ومياههم ويحاصر اقتصادهم، وكيف تُستلحق حياتهم بمتطلبات رفاهية المستوطنين. إلا أن ما سيشاهده لدى زيارته المقررة لبيت لحم في 23 الجاري يكفي كعينة عن الحقيقة البشعة.
لعله يرى كيف تحيط المستوطنات بمحافظة بيت لحم وتعزلها عن محيطها، فيما تنتشر فيها وحولها 22 مستوطنة و19 بؤرة استيطانية يسكنها 86 ألف مستوطن. يكفي أن فيها “غوش عتصيون”، إحدى أولى المستوطنات التي أقيمت في الأرض الفلسطينية بعد حرب عام 1967.
ولعل موكب ترامب يمر بجدار الفصل العنصري البغيض، وبالطرق الالتفافية المرتبطة بهذه المستوطنات المقامة على أراض فلسطينية، إما مصادرة وإما بملكية خاصة. ربما يُشرح له أيضاً كيف تم اجتراح حدود إدارية جديدة للمحافظة خدمة لمشروع ما يسمى “القدس الكبرى”.
بعين رجل الأعمال والتاجر المتمرس، ربما يرى ترامب ما وراء الاستيطان… كيف أصبح صناعة مربحة وغير قائمة على حسابات الجدوى الاقتصادية، فلكأن المستوطنات اقتصاد قائم بذاته يتكفل به رأس المال اليهودي حول العالم الذي يغدق عليه الملايين، إضافة إلى الإغداق الحكومي بالمال والتشريعات والتحايل والابتزازات السياسية. هذا الاستيطان تديره قوى اجتماعية اقتصادية منتفعة، هي مجالس المستوطنين وقياداتهم وممثلوهم في الحكومات المتعاقبة، ثم شركات البناء والعقارات وأخرى لإقامة البنى التحتية من طرق وكهرباء وغاز ومياه واتصالات ومدارس، ثم المصارف التي تستثمر في بناء المستوطنات بقروض عقارية وسكنية وصناعية، إضافة إلى المزارع والشركات الزراعية والتجارية التي تنتج وتسوّق. بمعنى آخر، أصبح الاستيطان “لوبي” قوياً له قواعد اجتماعية واقتصادية وسياسية.
أما الاستيطان باعتباره ضرورة لاستيعاب النمو السكاني والمهاجرين اليهود الجدد، كما تدعي الحكومات الإسرائيلية، فهو أمر مردود عليه: لماذا لا يتم إسكان هؤلاء في الأراضي الخالية من السكان داخل إسرائيل بدلاً من أراضي الضفة الغربية، وهو ما سبق أن اقترحه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن؟
حتى المعلومات الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي تؤكد أن معدل النمو في المستوطنات يتراجع (باستثناء المستوطنات التي يسكنها يهود أصوليون حيث نسبة الإنجاب مرتفعة)، وأن عدد المستوطنين الذين يهجرون المستوطنات يتزايد، خصوصاً من الشباب. فالأرقام تفيد بأن معدل الزيادة في المستوطنات انخفض من 20 مستوطناً جديداً لكل ألف مستوطن قبل عشر سنوات، إلى 6 لكل ألف مستوطن عام 2015.
ولا ننسى أن بعض الإسرائيليين يسكن المستوطنات بدافع المنفعة، بسبب الأسعار المغرية أو الخدمات أو التسهيلات المصرفية، أو كاستثمار مستقبلي، بمعنى الطمع بتعويض سمين في حال الإخلاء في إطار عملية سلام، على غرار التعويضات الضخمة التي حصل عليها المستوطنون عند إخلاء مستوطنات قطاع غزة في إطار عملية الانسحاب الأحادي في عهد آرييل شارون.
ننتظر أن يرى ترامب الاستيطان على حقيقته… أحد أخطر أشكال الإرهاب، لعله يدرك أن لا دولة فلسطينية، وبالتالي لا سلام إلا بتجفيف منابع الاستيطان.
عن الحياة اللندنية
تجفيف منابع الاستيطان ..بقلم :فاتنة الدجاني

Leave a comment