شيكاغو- مع توجه وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، إلى مصر هذه الأيام، فإنه ينبغي عليه التوجس من احتمالية تثير القلق: تحت حكم محمد مرسي والإخوان المسلمين، تظل مصر تحت خطر أن تصبح النسخة السنية من جمهورية إيران الإسلامية. ويجب أن يكون رفض قادة المعارضة الالتقاء بالسيد كيري، بسبب ما يحسون بأنه دعم أميركي بلا مبدأ للسيد مرسي، بمثابة التنبيه، ودعوة للاستيقاظ وتحذيراً لواشنطن.
كانت خطوة مرسي الأولى بعد كسبه الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) من العام 2012 هي إقامة تحالف مع المجموعات الإسلامية الأخرى، وتهميش العلمانيين والليبراليين الذين يستطيعون إخراج قطار تأسيس الدولة الدينية عن مساره. وتمثلت الخطوة التالية بمنحه نفسه الحصانة من الملاحقة القانونية، وقد استطاع حشد المزيد من السلطة أكثر مما حلم به الدكتاتور المخلوع حسني مبارك أبداً. وبعد عدد من المناورات، حثّ مرسي الخطى أماماً عندما طرح دستوراً صاغه في معظمه أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤهم، متجاهلاً احتجاجات المعارضين العلمانيين والمسيحيين والنساء والليبراليين على اللغة التمييزية والمواد الرئيسية التي وضعت في الدستور الجديد.
ويرسي الدستور الجديد الأرضية القانونية لخلق ما يمكن أن يصبح دولة إسلامية. فهو يحد من دور الفروع القضائية والتشريعية، وينص على أن تكون القوانين وتأويلاتها خاضعة للاختصاص القضائي. وهو يعطي زيادة على ذلك صلاحية الإشراف القانوني على “مسائل تتعلق بالشريعة الإسلامية” لجامعة الأزهر، المؤسسة الدينية السنية الأقدم والأعلى في مصر.
يجب أن يثير الدستور الجديد وتبعاته العريضة فيما يخص الحرية الشخصية والعدالة الاجتماعية اهتمام المجموعة الدولية. وهو يعترف صراحة وفقط بالديانات السماوية الثلاث (الإسلامية والمسيحية واليهودية)، ويترك الأقليات الأخرى، مثل تلك التي تنتمي إلى العقيدة البهائية، من دون حماية دستورية ذات معنى. ويمنع التمسك الصارم بمفهوم الارتداد عن الدين المسلمين من تغيير دينهم، وهو ما يعد جريمة يعاقب عليها بالإعدام. وتحد قوانين التجديف من حرية الرأي، خاصة في المسائل الدينية، مع عقوبات مشددة قد تصل إلى درجة الإعدام بحق أصحاب التعليقات ذات الصلة بالرسول محمد أو القرآن.
ووفق الاختصاص القضائي السني، تكون النساء تحت رعاية الذكور، وهو ما يحد من حرياتهن الشخصية وحياتهن الاجتماعية وخياراتهن المهنية بشكل كبير. وليس هذا التحديد محظوراً بموجب الدستور الجديد لمصر. ولأن الدستور الجديد يفشل في تحديد الحد الأدنى لعمر الزواج، ولا يجرم الاتجار الجنسي بالقُصّر، فإن الأولاد -وخاصة الفتيات- قد يجدون أنفسهم مجبرين على الزواج في عمر 9 سنوات بموافقة القيمين عليهم من الذكور.
كانت إيران قد تحولت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تحت راية رجال الدين المسلمين الشيعة، إلى دولة دينية تمارس انتهاكات غير منتهية لحقوق الإنسان. وفي معظم الحالات، كان العالم يقف مشاهداً وحسب. وفي الأثناء، تتعلم مصر من التجربة الإيرانية. وإذا ما ظلت الظروف السياسية في مصر على ما هي عليه، فإنه يمكن أن تسير مصر قريباً على خطى إيران.
وبالرغم من الانقسام السني والشيعي العميق والمسيس بوتيرة عالية، فإن مبدأ الإخوان المسلمين المستند إلى المذهب السني يعترف بالإسلام الشيعي كطائفة شرعية. ويرى العديد من إسلاميي مصر بلدهم نظيراً سنياً مكافئاً لإيران الشيعية، وربما ينظرون إلى التعاون بين الدولتين بوصفه خطوة أخرى نحو تمدد وتوسع العالم الإسلامي.
بغض النظر عن الجدل الذي أحاط بزيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأخيرة إلى مصر للمشاركة في القمة الإسلامية، فقد رحب مرسي به بحرارة. وقد غادر نجاد المؤسسة الدينية السنية، الأزهر، بينما يلاحقه حذاء ألقاه عليه سوري بهدف إدانة جهود التوسع الشيعية في الأراضي العربية السنية ودعم إيران للنظام السوري. وفي الأثناء، تفاوض مرسي مع الرئيس الإيراني حول الطرق الكفيلة بتحسين التعاون السياسي والشراكة الاقتصادية. ومؤخراً، وقعت مصر وإيران على اتفاقية لتعزيز سبل السياحة بين البلدين.
من المهم بمكان أن تراقب المجموعة الدولية بحذر هذا التحالف الذي يعاد تشكيله، وأن تتخذ خطوات لمنع تكرار التجربة الإيرانية. وليست دعوة ضد الإسلام، وإنما ضد تأسيس دولة ثيوقراطية تمارس طائفة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان بغطاء من المناعة تحت عباءة الدين.
ولا يكفي أن يعمد قادة العالم، مثل وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى التوضيح في خطاباتهم العامة بأن هذه الممارسات لن تجد التسامح، بل ان عليهم تعزيز خطاباتهم في المباحثات الخاصة من خلال إبداء قدر مناسب من الجدية. ويجب أن تستمر الاستثمارات الدولية والأموال لدعم اقتصاد مصر بأن تكون مشروطة بتطبيق حكم القانون وحماية حقوق الإنسان.
يجب أن تسارع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المدنية إلى دعم المنظمات المشابهة في مصر في التوافر على “قطاع ثالث” قوي وناشط، والذي يكون الطريق الوحيد لضمان الإبلاغ عن الإساءات والتعذيب في سجون الدولة بشكل واسع، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم الضحايا وعائلاتهم وجلب مرتكبي الانتهاكات، بما فيهم الدولة، إلى المحاسبة.
ومن الحاسم أن تواصل النقابات العمالية الدولية دعمها لنقابات العمال المصرية. وترى الدولة الدينية الراهنة في هذه النقابات تهديداً موجهاً لهيمنتها، وتقوم بإقرار القوانين من أجل احتواء استقلال النقابات والسيطرة على نشاطها ومصادرة حقها في الاجتماع والاحتجاج.
تماماً مثلما قام رجال الدين الشيعة باختطاف الثورة في إيران في العام 1979، فإننا نشاهد الإخوان المسلمين وهم يصنعون الشيء نفسه في مصر راهناً. ويبدو أن مرسي وحكومته قد تعلموا جيداً من النظام الإيراني حول كيفية التعامل مع المعارضة.
ورداً على ذلك، عاد عشرات الآلاف من الناشطين خائبي الأمل والمدونين والعلمانيين والليبراليين واعضاء النقابات العمالية والمصريين الحانقين ثانية إلى الشوارع في “ثورة غضب وسخط”، داعين إلى استقالة مرسي، وهم يتعرضون لهجمات وحشية ويعذبون ويسجنون ويقتلون، كما فعلت إيران مع المحتجين من حركة الشباب الخضراء في العام 2009.
ثمة خط رفيع بين التدخل في الشؤون الداخلية وبين مسؤولية العالم عن حماية الحقوق الإنسانية والحريات الشخصية. ويجب على كيري وبقية أعضاء إدارة أوباما أن يتذكروا هذا الأمر جيداً. وانطلاقاً من إدراك أن المصريين وحسب هم الذين ينبغي أن يقرروا نوعية الحكومة التي يريدون، حماية حقوق الأقليات والأفراد تظل مسؤولية كونية نتشارك فيها كلنا، دولاً ومنظمات وشعوباً.
(كرستيان سينس مونيتور) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني- الغد الاردنية
*مدير الدراسات العربية واستاذ مساعد في جامعة ديبول في شيكاغو. تركز أبحاثها على الشريعة الإسلامية وحقوق النساء والأقليات.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
A warning to John Kerry on Middle East trip: Egypt could become the next Iran