الناصرة /مرّ خمسون يوما على العدوان الاسرائيلي «الجرف الصامد» على قطاع غزة ولم ترفع حركة المقاومة الفلسطينية، الراية البيضاء، بل حرمت إسرائيل من «صورة انتصار» رغم اختلال موازين القوى لصالحها.. الصمت الدولي وتواطؤ بعض الدول العربية. ووعدت إسرائيل نفسها والعالم بأن تكون «عملية عسكرية» قصيرة لكنها طالت وهناك، من يقول إنها ذاهبة للتورط بما هو أشد عليها في إشارة لحرب استنزاف. فشلت إسرائيل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب التي بدأت على الضفة الغربية بالمرحلة الأولى.
طيلة أسبوعين حملت على قيادات وقواعد حماس المدنية بعد خطف وقتل المستوطنين الثلاثة وهي عملية نجمت عن خرق إسرائيلي فاضح لاتفاق رعته واشنطن بامتناعها عن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى. فشلت إسرائيل في إسكات صواريخ المقاومة وحتى الآن أخفقت في تفكيك حكومة الوحدة الفلسطينية وهو هدف غير معلن للحرب كما يقول مراقبون إسرائيليون أيضا.
لم تبلغ إسرائيل مآربها رغم أنها قتلت وأصابت آلاف الفلسطينيين جلهم مدنيون، ودمرت آلاف المنازل في غزة التي حولتها القنابل الإسرائيلية العمياء(40 ألف طن متفجرات) التي تبلغ وزنها أحيانا الطن من المتفجرات التي محت من السجل السكاني عشرات العائلات الفلسطينية.
في يومها الخميسين كلفت الحرب إسرائيل مليارات الدولارات ونزعت لبوس الحمل والضحية عن وجهها في العالم الذي يواصل التظاهر على جرائمها ويشهد دعوات حقيقية لمقاطعتها. في اليوم الخمسين تضع إسرائيل ذاتها أمام المرآة فلا تستحسن هي الأخرى ما ترى بعدما خرجت لحماية المنطقة الحدودية المعروفة بغلاف غزة تجد نفسها تعمل على ترحيل الآلاف من سكانها وسط حالة من الحرج والارتباك والانتقادات القاسية التي توجه للحكومة والجيش من ناحية إدارتها للحرب. تنظر وتكاد لا تصدق أن صواريخ المقاومة ما زالت رغم الحصار السياسي والجغرافي والتوبوغرافي تطال معظم مدنها، تشوّش الحياة الاعتيادية فيها. وتتهم أوساط إسرائيلية واسعة الحكومة بعدم تحضير دروسها في ظل البلبلة والجدل الساخن حول السؤال هل تفتتح السنة الدراسية في الفاتح من أيلول الوشيك؟
بل أن صواريخ القسام البدائية التي وصفتها أوساط عربية وفلسطينية بـ « خراطيش حماس» باتت في اليوم الخمسين للحرب السلاح الأكثر فعالية وقدرة على استهداف المستوطنات وإرباك إسرائيل لدرجة امتناع وزير الحرب موشيه يعلون من المشاركة في تشييع طفل قتل في كيبوتس «ناحل عوز» يوم الجمعة الماضي ما أثار حملة انتقادات وتهكم به في أوساط الرأي العام. لا سيما أن الإسرائيليين يذكرون ليعلون «زلة لسانه» يوم أجاب على سؤال صحافي بأن معالجة الأنفاق ستستغرق يومين ثلاثة ليكتشفوا أن الأنفاق خطر إستراتيجي فاجأت فيه المقاومة الفلسطينية ضمن سلة تكتيكات خلاقة مقابل حرب «تقليدية غير مبدعة» كما وصفها محللون إسرائيليون كثر. كما يسخر الإسرائيليون من قائد الجيش بيني غانتس الذي استعجل دعوة سكان الجنوب للعودة لمنازلهم بعد الهدنة الأولى وكاد يقرض شعرا وهو يتحدث عن عودة الحياة لطبيعتها وانتشار اللون الأحمر لشقائق النعمان. وصدم سكان الجنوب بأنهم يتعرضوا غداة عودتهم للصواريخ مجددا فاضطروا للنزوح وهذا ما اعتبره إسرائيليون كثر «صورة انتصار « أو هدية لحماس.
خمسون يوما سعت فيها إسرائيل لتطبيق نظرية يعلون نفسه المعروفة بـ « كيّ وعي « الفلسطينيين بالحديد والنار حتى يخضعوا ويتنازلوا عن سلاحهم، وحقوقهم وأحلامهم. هذه النظرية الدموية التي أسهب يعلون في وصفها في كتابه «طويل طويلة طريق قصيرة» كان رئيس الحكومة الإسرائيلية االاسبق أرئيل شارون قد جربها طيلة عقود لكنه أكثر الإسرائيليين تيقنا ومعرفة بحدود القوة فكان يميل بنهاية أيامه لضبط النفس. حينما كانت توجه له الأسئلة عن عدم استخدام القوة المفرطة لإخضاع الفلسطينيين كان يقول «ما كان يرى من هناك لا يرى من هنا» مفاضلا بذلك بين ما يرى من الميدان وبين زاوية النظر من ديوان رئيس الحكومة». ولذا كان وزير الحرب الأسبق وزميله في حزب الليكود موشيه أرنس قد أكد عدم وجود إمكانية لردع المقاومة الفلسطينية. في مقال نشرته صحيفة « هآرتس» الإثنين حذّر أرنس من تورط إسرائيل بحرب استنزاف دامية ودعاها للتسوية مع حماس كخيار مفضل أو القيام بحملة برية تسقط حماس أو تخضعها.
ودعت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إسرائيل لمراجعة دفاتر الحرب بحثا عن أجوبة لأسئلة قاسية: ماهو ميزان المكاسب والإخفاقات حتى الآن؟ كيف تدهورت إسرائيل نحو حرب استنزاف مقابل عدو ينبغي أن يكون «مريحا وسهلا»؟… وكيف فقدنا مستوطنات الجنوب؟.. وكيف تحولوا للاجئين يجولون البلاد ويتظاهرون ضد الحكومة العاجزة عن حمايتهم؟ هي أسئلة إسرائيلية كثيرة ومؤرقة تتعلق بقوة ردع إسرائيل،هيبة جيشها وثقة مواطنيها بها وبمستقبلهم فيها تجد إجاباتها بمعظم الأحيان ليس بالخلل الإسرائيلي بإدارة العدوان بل بصمود غزة مقاومتها وصبر أهلها.
وعلى الصعيد الاستراتيجي الاستخباراتي يضيف يوسي يهوشع المعلق العسكري ناطقا بلسان الكثير من المراقبين أن الاستخبارات العسكرية نجحت في توفير معلومات مهمة عن قادة المقاومة لكنها أخفقت في قراءة حماس واعتبرتها «غير معنية بالحرب وغير جاهزة لها». كما تجلى فشل الاستخبارات في تقدير كمية وخطورة الأنفاق التي شكلت مفاجأة هامة يتوقع مراقبون أن تكون واحدة من أهم مواضيع لجنة تحقيق بالحرب عندما تقام لاحقا.
ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيخرج هو الآخر خاسرا سياسيا وانتخابيا من هذا العدوان بعدما عمقّت الحرب الخلافات المعلنة والمربكة بينه وبين وزرائه ممن يتهمون بالتردد والضعف. ويرجح مراقبون كثر أن تتكون الانتخابات العامة المبكرة واحدة من النتائج المؤكدة للحرب على غزة.
وعبّر وزير الشرطة عضو المجلس الحكومي المصغر يتسحاق أهرونوفيتش من حزب (يسرائيل بيتنا) عن غضب الوزراء على عدم استشارتهم بالقول في مؤتمر المحامين بمدينة اشدود أمس إنه يعرف عما يدور من الإعلام أما زميله وزير الشؤون الإستراتيجية يوفال شطاينتس(ليكود) فقال للإذاعة العامة إنه لا يعرف كيف ستنتهي هذه الحرب.
القدس العربي