انطلق قبل أيام “أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلي” في دورته التاسعة، الذي نُظّم العام الماضي في أكثر من مائة دولة، بتزامن إلى حد ما، وبدرجة من التنسيق والمركزية. وجاء في مقال في “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، تعليقا على ذلك، أنّ “قادة المستقبل في الولايات المتحدة وبريطانيا من طلبة الجامعات العريقة يحضرون أنشطة مناهضة لإسرائيل”.
ويتناول المقال ازدياد الأنشطة المناهضة لإسرائيل في صفوف الشباب الغربي. وإذ يصف كاتب المقال الأنشطة بالنفاق، فإنّه يستشيط غضبا لأنّ طلبة واحدة من أهم جامعات العالم، عبر التاريخ، وهي “أوكسفورد”، أعلنوا تأييدهم مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها. وهو أمر منتشر في جامعات أوروبية. ويشير الكاتب إلى أنّ الموجة تصل إلى الولايات المتحدة تدريجيا؛ ففي العام 2010، صوت طلبة “كاليفورنيا-بيركلي” الأميركية يؤيدون مقاطعة إسرائيل، إلا أنّ رئيس الجامعة منع ذلك.
القلق الصهيوني لا يتعلق فقط بتزايد التضامن مع الفلسطينيين، بل وأيضا من تراجع ارتباط اليهود مع إسرائيل.
لقد أدى القلق من تغيرات مواقف الرأي العام اليهودي في الولايات المتحدة إزاء إسرائيل إلى قيام متبرعين أميركيين يهود، العام 2010، بالتعاقد مع شركة استطلاعات رأي للإجابة عن سؤال “لماذا لم يعد الطلبة اليهود الأميركيون في الجامعات متحمسين لدحض الانتقادات الموجهة لإسرائيل في حرم جامعاتهم؟”. وتم اختيار ست مجموعات من الطلبة، دعي كل منهم إلى إجراء نقاش حول “يهوديته” وحول “علاقته مع إسرائيل”. واتضح أنّه في المرات الست لم يتحدث الطلبة عن إسرائيل أو يتطرقوا إليها، حتى أثير الموضوع صراحة من قبل من يدير النقاش.
وبحسب ما ورد في مقال لأستاذ الصحافة والعلوم السياسية الأميركي، بيتر باينارت، فإنّ نتائج الدراسة ليست مفاجئة. إذ أثبتت دراسات أخرى في السنوات القليلة الماضية أنّ الطلبة الأصغر سنا من اليهود غير الأصوليين “تكاد تغيب عنهم تماما المشاعر الإيجابية” إزاء إسرائيل. ومن الشواهد أنّ مجلس طلبة جامعة برانديز المدعومة من الجالية اليهودية، رفض العام 2008 قرارا يدعو إلى الاحتفال بالذكرى الستين لقيام إسرائيل. وبحسب استطلاع الرأي السابق، العام 2010، فإنّ الطلبة رفضوا مسألة التأييد الكامل بدون مساءلة إسرائيل، ورفضوا فكرة “التفكير الجماعي”؛ أي الالتزام بموقف الجماعة من إسرائيل، وأظهروا تأييدهم الشديد للسلام، واعتقادهم أنّه من المبرر التساؤل عن جدية إسرائيل بشأن ذلك. كما تبين أنّهم يعتبرون بعض الإعلانات والمواد الإعلامية التي عرضت عليهم لتصوير العنف الفلسطيني، إنما تتضمن صورا نمطية مسبقة.
هل تعني هذه المؤشرات أنّ تضامنا أكبر سيحدث مستقبلا مع فلسطين من قادة الغد؟
في الواقع، هناك فرصة لهذا، ولكنه ليس أكيداً. ولعدم اليقين هذا أسباب، منها أنّ جماعات التضامن العالمية مع الفلسطينيين ما تزال تفضل العمل خارج الحياة السياسية في بلدانها، أي لا تحاول التأثير في الانتخابات وعملية صناعة القرار فيها من داخل المؤسسة، بالترشح للانتخابات والتأثير في النواب. ويحتاج مثل هذا الأمر إلى دراسة لمعرفة الأسباب، وكيف يمكن أن يتغير.
أمر ثان لا بد من التنويه له، وهو أنّه في حالة الولايات المتحدة، يدور الحديث عن قطاع اليهود غير المتدينين، وهم شريحة واسعة من اليهود الأميركيين. ولكن الثابت أيضا أنّ نسبة التدين تزيد في أوساط الشباب اليهود، وهؤلاء أكثر تشددا في تأييد مواقف إسرائيل، مهما كانت هذه المواقف. وهذا التشدد قد يعد أيضا من معالم فشل المؤسسة اليهودية الأميركية التقليدية؛ إذ إنّ هؤلاء رغم دعمهم لإسرائيل، فإنهم لا يتبنون وجهات نظر ووسائل عمل الجماعات والمنظمات اليهودية التقليدية العلمانية، ولكنهم قد يصبحون أكثر تطرفا في دعم إسرائيل. فمثلا، بينما تقدر نسبة الأصوليين المتدينين وسط يهود الولايات المتحدة ممن يتجاوزون سن الستين، بنحو 12 %، فإنّ نسبتهم في الفئة العمرية 18–24 تصل إلى
34 %، ومن بين هؤلاء فإنّ 79 % يعتبرون علاقتهم مع إسرائيل لصيقة جدا. أي أنّ ما يحدث هو استقطاب بين يهود الولايات المتحدة، أكثر منه تراجعا شاملا.
الثابت أنّ المؤيدين للشعب الفلسطيني في زيادة مطردة، فيما يتراجع مؤيدو إسرائيل. ولكن عملية ترجمة هذا التأييد إلى مكاسب أمر يحتاج دبلوماسية فاعلة؛ عربية وفلسطينية.
الغد الاردنية.