غزة – «القدس العربي» : تسوء يوما بعد يوم الأوضاع المعيشية لأكثر من 1.8 مليون نسمة يقطنون في قطاع غزة الساحلي مع تشديد السلطات الأمنية المصرية قبضتها على طول الحدود الجغرافية التي تمتد فقط لبضعة كيلو مترات، والفاصلة بين جنوب القطاع والأراضي المصرية، بعد إغلاق معبر رفح البري وتدمير ما تبقى من أنفاق تهريب كانت من خلاله تمر بضائع وسلع للسكان المحاصرين.
فمنذ أكثر من 15 يوما أغلقت السلطات المصرية معبر رفح «الرئة التي يتنفس منها سكان قطاع غزة في أعقاب هجوم مسلح نفذته إحدى الجماعات الدينية المتشددة على ثكنة عسكرية في منطقة العريش ما أدى إلى مقتل 30 جنديا مصريا وإصابة عدد مماثل.
فواقع الحال في قطاع غزة لا يمكن فصله عما يجري في مصر، فالقطاع تأثر مع انتهاء حقبة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتأثر بشكل إيجابي مع وصول المجلس العسكري لسدة الحكم في الفترة الإنتقالية بعد سقوط مبارك، ووصول الإخوان المسلمين، ممثلين في الرئاسة بمحمد مرسي الذي شهد القطاع في فترة حكمه القصيرة انتعاشة اقتصادية قبل أن تنتكس مجددا بخروج الإخوان من المشهد، وعودة الحكم مجددا للفريق العسكري ممثلا بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي نفذ عملية هدم أنفاق تهريب البضائع مع تشديد الرقابة على طول الحدود، وهو أمر أدى إلى منع وصول مواد البناء والسلع الخام والمواد البترولية المهربة إلى القطاع ما أرجعه إلى سنوات الحصار الأولى.
والسكان هنا تأثروا بالتغيرات المصرية فنمت البطالة ونسب الفقر مع تدمير الأنفاق إلى مستويات غير مشهودة من قبل، فعدم توفرمواد البناء تسبب في ايقاف العمل في ورش البناء، وهناك مصانع قلصت عملها بسبب شح ما تحتاجه من مواد خام كانت تمر من الأنفاق الأرضية التي شقت أسفل الحدود الفاصلة على شكل ممرات أرضية.
وليس آخر التطورات التي أثرت على العلاقة بين مصر وتحديدا مناطق سيناء الحدودية وقطاع غزة حادثة مقتل الجنود المصريين الـ 30 خاصة مع خروج وسائل إعلام مصرية باتهامات لحركة حماس المتواجدة بقوة في قطاع غزة بانه كان لها دور في هذا الهجوم.
فمثلا إحدى الصحف المصرية نشرت قائمة لنشطاء من غزة بينهم من ينتمي لحركة حماس واتهمتهم بالمشاركة في الهجوم على الجنود المصريين، وهو أمر كثيرا ما حذر المراقبون منه خاصة وأن له تداعيات خطيرة تؤسس لمرحلة الكره في ظل الحملة الدعائية التي يشنها الإعلام المصري ضد الفلسطينيين.
ولم تستند القائمة على أي معلومات منطقية، فحسب تحليل وزارة الداخلية في غزة التي أصدرت بيانا على لسان الناطق باسمها إياد البزم، فإن من بين من وردت أسماؤهم شهداء ارتقوا في الحرب الأخيرة، وآخرون قضوا قبل 14 عاما وطفل من الضفة الغربية.
البزم أكد أنه يعد البحث والتحري عن الأسماء من قبل الجهات المختصة في وزارة الداخلية كانت النتيجة على النحو التالي: أن هناك أسماء وألقابا ليس لها أصل في السجل المدني الفلسطيني، وهم، سعيد نايف القريناوي، أبو منصور الغزي، وأبو ياسر المقدسي، وإبراهيم الزياني، وباهي الزياني، وأحمد نصير القرم.
وأشار إلى أن من بين الأسماء شهداء خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة وهم الشهيدان محمد أبو شمالة، ورائد العطار، ورجل من سكان مدينة غزة مواليد 1939 وتوفي قبل أربع سنوات، وطفل صغير.
القيادي البارز في حركة حماس ونائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق قال إن اتهامات الصحيفة المصرية تأتي في إطار «حملة الكراهية والحقد».
وبرغم ذلك وما تلاه من تصريحات رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب الأخيرة حول عدم وجود ما يدعى اتهام حماس إلا أن الحملة الإعلامية من جانب بعض الكتاب والصحافيين بلغت ذروتها بمطالبة أحدهم أخذ إذن دولي لضرب غزة، والجناح المسلح لحماس بعد اتهامهم بالمشاركة في الهجوم على الجنود رغم استبعاد الأمر بشكل كبير، فمصر لا يمكن أن تقدم على مثل هذه الخطوات التي من شأنها أن تخلق جوا من الخصام المستديم مع غزة.
حماس كانت قد سارعت الى التنديد بالهجوم على الجيش ووصفته بأنه «عمل جبان»، وأغلقت من جهتها الحدود مع مصر لمنع أي عملية تسلل أو هروب من سيناء إلى غزة بعد الهجوم، متطلعة إلى ابتعاد مصر عن لـغــة اتهامها مجددا بالمسؤولية عن الهجوم.
ولكن في المقابل ورغم عدم وجود اتهام مصري رسمي لحركة حماس، وهو أمر عبر عنه قادة كثر في الحركة أبرزهم الدكتور موسى أبو مرزوق الذي يزور غزة قادما من محل إقامته في القاهرة، إلا أن سلطات القاهرة اتخذت قرارا بتشديد الخناق أكثر على الحدود، وهي خطوة من شأنها أن تتسبب في تردي أوضاع السكان أكثر مع استمرار إغلاق معبر رفح.
فهذا المعبر الذي بات «رئة غزة» التي يتنفس منها السكان يعد وجهة كل الراغبين في السفر إلى الخارج، فهناك جموع كبيرة من الطلبة والمرضى، يحتاجون المعبر يوميا في رحلات المغادرة إلى مصر، ومنها إلى دول العالم العربي والإسلامي والغربي.
وبإغلاقه تفاقمت الأمور الإنسانية بشكل كبير، فتجمع المرضى في غزة دون السفر يعرض حياتهم للخطر، والاستمرار في إغلاق المعبر يعني أن العام الدراسي أوشك على الإنتهاء في الجامعات العربية والغربية دون تمكن طلبة غزة من السفر.
وفي تفاصيل أكثر عن موضوع الحدود والمعبر، فالمعلومات المؤكدة تشير إلى أن مصر لم تضع حدا معينا لإعادة فتحه، رغم الراغبين في تأكيدات من مسؤولين في السلطة تحدثوا لـ «القدس العربي» عن قرب هذه العملية، بحيث يتم السماح بعودة العالقين في مصر إلى القطاع.
وفي حال فتح المعبر بالطريقة السابقة فإن الأمر لن ينهي حالة التكدس في أعداد الراغبين بالسفر للخارج فهناك أعداد كبيرة من المرضى يرغبون في السفر، وآلاف من أصحاب الإقامات والحالات الإنسانية، ففي الفترة الأخيرة كانت التوقعات تتجه لقرب إتخاذ مصر خطوات لتسهيل السفر وليس تقنينه.
السكان الغزيون ممن سمحت لهم الظروف في الفترة السابقة بالسفر وعادوا إلى غزة كانوا يروون قصصا مأساوية في رحلات المغادرة والعودة، فالعمليات العسكرية التي تشهدها مناطق سيناء والخشية من وجود مسلحين ينتمون للتنظيمات المتشددة كانت تدفع الجيش المصري وقوات الشرطة إلى إجراءات تفتيش دقيقة في المركبات، وهو أمر كان يطيل رحلة السفر بين غزة والقاهرة والمقدرة بنحو 500 كيلو متر.
ومن شأن خطوات مصر الأمنية الجديدة على طول الحدود مع غزة، وفي قلب سيناء أن تزيد من تردي أوضاع السكان المحاصرين، فمثلا المنطقة الأمنية العازلة التي تشيدها مصر على طول الحدود، بعمق 500 متر في أراضيها، ستنسف أي جهود خاصة بتهريب كميات البضائع القليلة التي لا تزال تهرب كالسجائر، التي يرتفع وينخفض ثمنها في قطاع غزة يوميا، مع وجود مضاربات وأنباء عن تسهيل حركة تهريبها عبر الحدود.
فمثلا ارتفع ثمن علبة السجائر من نحو دولار ونصف إلى أكثر من أربعة دولارات أمريكية، وسط توقع أن تحمل الأيام المقبلة أخبارا أخرى غير سارة لغزة.
ولأن رفح المصرية على خط واحد مع شقيقتها الفلسطينية تعيش الأخيرة حالة الحزن وتسمع على مدار الساعة ما يدور في شطرها المصري من تفجيرات.
فهنا على طول الحدود من الجهة المصرية يمكن مشاهدة التعزيزات العسكرية المصرية التي وصلت بعد مقتل الجنود، السكان القريبون من السياج الفاصل يؤكدون أنهم لم يروا تعزيزات بهذا الشكل تصل المنطقة منذ زمن بعيد، حتى خلال الحملة العسكرية السابقة التي تلت مقتل 16 جنديا قبل أكثر من عامين.
هذه القوات المصرية وصلت فور اتخاذ مجلس الدفاع الوطني سلسلة قرارات أهمها البدء في عملية عسكرية في سيناء لتطهير بؤر الإرهاب والجماعات المتشددة، فشرعت في هجمات ضد هؤلاء مستعينة بفرق خاصة من القوات المسلحة، واستخدمت القوة التفجيرية في إزالة المنازل على الحدود لإقامة المنطقة العازلة.
فعائلات غزية كثيرة تقطن رفح الفلسطينية، لها امتدادات في رفح المصرية وكانوا في وقت سابق يتحدثون إلى بعضهم البعض من خلال السياج الفاصل، ومع بناء جدران أسمنتية، أصبح الحديث بينهم يتم عبر هواتف محمولة تعمل بشرائح محلية، غير أن أحد الشبان القاطنين على مقربة من الحدود، وله أقارب في الناحية الأخرى، أكد أن هذه الوسيلة ستفقد تماما مع ترحيل السكان من منازلهم القريبة جدا من خط الحدود، إلى أماكن أكثر عمقا، بهدف إقامة المنطقة العازلة.
وفي رفح الفلسطينية لا تنقطع أصوات الإنفجارات التي ينفذها الجيش المصري في رفح المصرية، والسكان هناك يتذكرون بسبب ارتفاع أصوات التفجير أصوات الانفجارت التي كانت تحدث لحظة القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، وكذلك يسمع السكان على مدار الساعة أصوات تحليق الطيران الحربي المصري فوق الحدود.
إن أكثر الخاسرين من الهجمات التي تستهدف الجنود المصريين في سيناء، هم سكان قطاع غزة، فالسكان هناك مرتبطون عاطفيا بمصر، بحكم الجوار والحدود، إذ أن أغلب أبناء جيل الستينيات والسبعينيات في غزة تلقوا تعليمهم الجامعي في مصر، ولهذا البلد العربي مكانة خاصة عندهم هذا من جانب، ومن جانب آخر فعملية إغلاق معبر رفح المنفذ الوحيد لهؤلاء السكان على العالم، الذي يتم إغلاقه لأيام طويلة مع كل هجوم، تعكر حياة الغزيين، خاصة ممن يحتاجون للسفر من مرضى وطلاب.
تزايد البطالة وارتفاع نسبة الفقر إثر تدمير الأنفاق

Leave a comment