الدوحة / يتمثل الخطر الذي تواجهه بلدان الخليج بأن تعداد سكانها الوافدين يتجاوز عدد سكانها الأصليين ما ترتبت عليه تحديات اجتماعية وثقافية كبيرة. وظهرت في أوساط المثقفين وكذلك بين المسؤولين الرسميين مخاوف متزايدة من تداعيات الإختلال السكاني على الهوية الوطنية. وهناك معطيات موضوعية تبرر تلك المخاوف فبحسب جاين كينينمونت كاتبة التقرير الذي وضعته وحدة الاستقصاء في “ذي إيكونوميست”، والذي يحمل عنوان “منطقة الخليج وشعبها”، ستبقى الهجرة الصافية إيجابية جدا بالنسبة لدول الخليج، أي أن كفة العمال الوافدين ستظل أعلى من المغادرين، رغم الجهود المبذولة للإعتماد أكثر فأكثر على العمالة الوطنية، وهي العملية التي يُطلق عليها في السعودية “السعودة” وفي قطر “التقطير” وفي الكويت “التكويت” وهلم جرا.
وتكريسا لهذا الخيار أحدث القطريون على سبيل المثال حوافز أطلقوا عليها عنوان “جوائز التميز في التقطير”، وهي جوائز تمنحها المؤسسات سنويا ليس فقط للموظفين القطريين الذين اثبتوا كفاءة والتزاما بالتطور المهني، وإنما أيضا للمسؤولين الذين يدعمون الكوادر المحلية. وبهذه الطريقة تنامى عدد القطريين في المؤسسات الاقتصادية والإدارية والخدمية بعدما كان ضئيلا. وفي هذا المضمار ضرب وائل صوان المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة مجموعة “شل” في قطر مثلا على جدوى هذه السياسة فأشار إلى أن “شل” لم تكن تضم قبل أقل من عشر سنوات سوى عدد ضئيل من القطريين، أما اليوم فيعمل في الشركة 260 قطريا من جميع المستويات. وأفاد صوان بأن الشركة ترسل الكوادر القطرية إلى مشاريعها عبر العالم كي يكتسبوا خبرة ويسدوا الثغرات في تكوينهم المهني. ومنحت الحكومة القطرية خلال 2011 زيادة استثنائية في رواتب المواطنين وصلت إلى 60 في المئة، لكنها لم تشمل الوافدين، مما استدعى بعض التصحيحات.
مسار مختلف؟
وعرفت السعودية مسارا مختلفا إذ قررت وزارة العمل اخيرا زيادة بـ30 في المئة في رواتب العمال الأجانب ومنحتهم الامتيازات والحوافز نفسها التي أعطتها للعامل السعودي، بعدما وقعت مع منظمة العمل الدولية على “اتفاق المساواة وعدم التمييز”. إلا أن اللافت هو أن الغرفة التجارية في العاصمة الرياض اعترضت على هذه الخطوة انطلاقا من اعتقاد رجال الأعمال أن مثل تلك الزيادات في رواتب الأجانب “ستشكل مناخا جاذبا للعمالة الوافدة وترسخ مبدأ الاستيطان الوظيفي في السعودية، وهو ما يتعارض مع سياسة السعودة، إضافة لإثقال كاهل أصحاب المشاريع”.
ويتناقض الاعتماد على العمالة الوافدة مع تزايد عدد الشباب والنساء المقبلين على سوق العمل، ففي عام 2020 يُنتظر أن يشكل الفتيان الذين تقل سنهم عن 15 سنة في دول مجلس التعاون الخليجي (الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وعُمان) 24 في المئة من السكان أي رُبع السكان. كما أن عدد السيدات الراغبات في العمل يتزايد بشكل ملحوظ بعد الاستثمار في تعليم المرأة وتغير العادات الاجتماعية، إلى درجة أن عدد الطالبات بات يفوق عدد الطلاب في عديد الجامعات الخليجية. ويقول التقرير الذي أعدته وحدة الاستقصاء في “ذي إيكونوميست” إن التغيرات السكانية والاجتماعية الهائلة في منطقة الخليج “أدت إلى تحول كبير في الدول الست، وهي مرشحة للاستمرار خلال العقد المقبل، مما سيثير السؤال العام المتعلق بسياسات العمالة والهجرة ودور المرأة وكفاية البنية التحتية والخدمات العامة”.
إدارة الهجرة
وفي الوقت ذاته تواجه هذه الدول بحسب التقرير أسئلة حول كيفية إدارة الهجرة بالشكل الأمثل، فيما تواجه ضغوطا تنافسية من مجموعات ترغب في حماية الوظائف لصالح المواطنين وغيرهم ممن يريدون المزيد من الحقوق للوافدين. وستصبح معاملة العاملين الأجانب جانباً ذا أهمية متزايدة من العلاقات الخارجية مع دول المصدر”. ويُحمل الدكتور الغفلي الخبير السكاني والأستاذ في كلية العلوم الاجتماعية والانسانية بالإمارات قسما مهما من مسؤولية الخلل السكاني والاجتماعي إلى مبالغة العائلات الخليجية في البحث عن الرفاهة وأسباب الراحة من خلال الاعتماد المفرط على خادمات أجنبيات في تدبير شؤون المنزل والاتكال على الوافدين في المواقع الفنية، وسريان هذه “العدوى” إلى غير المواطنين، أي الأجانب المقيمين في الخليج.
ويضيف الغفلي أن الأدهى من ذلك أن مجموع المواطنين الإماراتيين مُضافا لهم الوافدين العرب لا يكفي لموازنة الغالبية الآسيوية في هذا البلد. ورأى أن معالجة الخلل السكاني تقتضي العمل على تحويل المواطنين إلى أكبر كتلة سكانية في المدى المتوسط بما يساعد على تأسيس عقيدة وطنية “مفادها عدم التسامح مع احتمال وجود أية جنسية أجنبية يفوق حجمها عدد مواطني الدولة أيا كانت المبررات التنموية”.
القدس دوت كوم – رشيد خشانة.