نصر سياسي مؤزر يستحق التبجيل ذاك الذي تحقق للفلسطينيين وقضيتهم، بعد أن صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين دولة ذات سيادة غير عضو في المنظمة الدولية، كون العضوية تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن المسيطر عليه من قبل “فيتو” أميركي داعم لإسرائيل.
فلسطين بهذا المعنى تكون كدولة الفاتيكان، أو سويسرا قبل أن تنضم إلى الأمم المتحدة العام 2002. وهي بالتالي صاحبة حق في الانضمام إلى المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة، كما يحق لها أيضا استعمال المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل وجنودها. وقد تحولت الأراضي الفلسطينية الآن لتكون جزءا من أراضي دولة تحت الاحتلال، وليست إقليما متنازعا عليه كما يسوق لذلك الموقف الإسرائيلي.
صحيح أن هذا الاعتراف لن يغّير الكثير ميدانيا، ولكن رمزيته هائلة، ويضع أوراق ضغط بيد الفلسطينيين ستزيد من قوتهم السياسية بشكل كبير. والاعتراف، بالمحصلة، يضع مشروع إحقاق الدولة الفلسطينية على الطريق السريعة.
والخطوة تعطي زخما كبيرا للقيادة الفلسطينية التي تحملت الكثير من التشكيك والامتهان لأنها استمرت في تبني المنهج السياسي كخيار استراتيجي لإحقاق المشروع الوطني الفلسطيني. وهي بهذا النصر تستطيع أن تقف أمام كل من انتقدها، وبشكيمة قوية، لتؤكد أن منهجها مجد، وأن ما تحقق للتو في الأمم المتحدة ما كان ليتحقق جراء استخدام طرق المقاومة الأخرى التي باتت تغذي إسرائيل وتكسبها تعاطفا دوليا متزايد.
ما تحقق في الأمم المتحدة دليل حي على أننا أصحاب قضية عادلة ومقنعة إذا ما تعاملنا مع العالم بلغة يفهمها، وغادرنا مربع الحديث مع أنفسنا؛ فعندما اشتبك الفلسطينيون، ومن خلفهم العرب، مع العالم ضمن منطق الأمم المتداول وقواعد العمل السياسي الدولية، بدأوا بتحقيق مكتسبات سياسية، وأوقفوا سلسلة الخسائر المتوالية التي سبقت بدء العملية السياسية في مطلع التسعينيات.
القيمة السياسية الأهم للاعتراف بدولة فلسطين هو أن تسع دول فقط صوتت ضد ذلك، من بينها أيضا من تراها لا تستطيع إخفاء سعادتها بالاعتراف رغم أنها كانت سياسيا مضطرة للتصويت ضد القرار. وعلى أي إسرائيلي أو يهودي متعاطف مع إسرائيل أن يرتعب من هذا الرقم المذهل، والذي يشي بحجم العزلة الهائلة التي وصل إليها بلده، في مقابل كمّ القبول والتعاطف الذي يتمتع به الفلسطينيون على مستوى العالم.
الرقم ليس مؤرقا فقط لأنه بيان واضح بفشل السياسات الإسرائيلية الدولية التي ما يزال يتم تشكيلها وكأن إسرائيل تعيش في فترة الخمسينيات والستينيات، بل هو مرعب أيضا لأنه يقوض ضمنيا الكثير من المسلمات التي تفشت في المجتمع الإسرائيلي؛ من قبيل الأحقية بالأرض، وعدم ضرورة الانخراط في العملية السياسية مع الفلسطينيين، وأن إسرائيل تحكم عواصم العالم المهمة، وبالتالي فلا خشية عليها من أي شيء. هذا النوع من التفكير، وبهذه الدرجة من الصلف والغرور السياسي الذي يعد بنيامين نتنياهو أيقونته الأهم، أدى بإسرائيل إلى أن تنعزل وتصبح مدعومة من تسع دول فقط!.
أفق جديد من الأمل تفتح الآن. ولا بد أن تعلو الأصوات والضغوط كي تخرج إسرائيل من لعبة ملامة الفلسطينيين، وتدرك أنه لو لم يكن هناك شريك سياسي فلسطيني، لبات من مصلحة إسرائيل خلق ذلك الشريك، ومساعدته على بناء دولة لشعبه المشتت.
الغد الاردنية.