اليرموك | حركة سير مكتظة، في يوم شامي مشمس، بسبب الحواجز الأمنية على طول طريق المتحلق الجنوبي في اتجاه تقاطع التضامن الموصل الى ساحة البطيخة. الحياة طبيعية جداً الى أن تدخل مخيم اليرموك. تمرّ عبر حاجزين لحركة «فتح الانتفاضة». بضعة أمتار وتصل الى الحي الذي تقع فيه مدرسة قبالة «روضة زهرة الجولان». لم تعد المدرسة تخرّج تلاميذ. استعاضت عنهم بمقاتلين وذخائر وعتاد عسكري.
تظهر على البوابة الرئيسية الكبيرة، بوضوح، آثار انفجار قذيفة. في الملعب نُصِب مدفع هاون توقف منذ فترة قصيرة عن «العمل»، بسبب مفاوضات التسوية في المخيم. يستقبلك العقيد «أبو إياد»، من «فتح الانتفاضة»، ومعه مجموعة من العناصر بلباسهم العسكري المموّه، بعضهم بلباس عسكري أسود تميّزه شارة «مكافحة الإرهاب».
علم فلسطين الى جانب العلم السوري وصور الرئيس بشار الاسد تملأ الجدران. «أبو إياد»، بقامته الضخمة، يشرح تفاصيل الاتفاق الذي توصّلت اليه الفصائل الفلسطينية، التي يبلغ عددها 14 في كل مخيم اليرموك. بات معلوماً أن المطلوب انسحاب مسلحي «جبهة النصرة» و«ابن تيمية» الذين انسحبوا بالفعل أمس في اتجاه يلدا. «قرارنا هو العمل على استعادة المخيم من المسلحين. تقدّمنا ميدانياً، ما تسبّب بإحداث إرباك في صفوفهم وانقسامات بينهم». لا شكّ في أن المعارك هنا كانت شرسة، وجهاً لوجه طيلة الأشهر الماضية. الخراب يدل على ذلك، وتزداد دلالته كلما تجوّلتَ أكثر في العمق.
أخيراً نجح الاتفاق. وخلال 4 أيام، ستفتح الطرق وتلتقي كافة الفصائل الفلسطينية في ساحة الريجي، وهي النقطة الاهم في وسط المخيم. أما الخطة اللاحقة، «إذا نجحت المبادرة وتأكّدنا من أن المسلحين الغرباء خرجوا من المخيم، فسيكون على باقي المسلحين التقدم الى الحجر الاسود ونحن نتقدم خلفهم»، يقول «أبو إياد» الذي يبدي تفاؤله، إذ يتوقّع أنه «في غضون شهر ستكون الحياة طبيعية هنا، ما يسمح بعودة المهجّرين الى منازلهم». الواضح أن الدمار كبير والمعارك قضت على جزء كبير من المباني ومن البنى التحتية. لكن الرجل يؤكّد أن «الدمار هو بنسبة 20 في المئة، وباقي المخيم سليم، كما أن بلدية اليرموك ستتعاون مع الدولة لإعادة إعمار المخيم».
لا يقتصر الامر على بنى تحتية أو أبنية مهدّمة. بل الحالة الانسانية هنا صعبة جداً والأهالي مرّوا بظروف عصيبة. «كان المسلحون يتحكمون في أرزاق الناس». يشدّد «أبو إياد» على أن ما نشر عن عدد الشهداء الذين قضوا بسبب الجوع «مبالغ فيه بشكل كبير». ويقول: «نحن أبناء هذا الشعب والباقون يتباكون على دمائنا»، مضيفاً «هم خذلوا القضية الفلسطينية قبل أن يخذلوا سوريا».
وماذا عن دور حركة «حماس» في كل ما يجري والحديث عن ارتباطها بجماعات مسلحة ساهمت في القتال؟ يردّ «أبو إياد» بأن «حماس» كان لها «دور إيجابي مع الفصائل التي عملت على إيجاد حل»، مؤكّداً «عدم انخراط عناصر الحركة مع كتائب ابن تيمية». لكنه يلفت الى أن الحركة تمون على جماعة «أكناف بيت المقدس»، من دون أن يعلّق على مشاركتها في ما جرى في المخيم. لكن أحد المقاتلين المؤيدين للنظام السوري يصرّح من دون مواربة: «حتى لو لم تشارك حماس رسمياً، الكل يعلم أنهم يقاتلون هنا».
استياء: أين مخيم فلسطين؟
تتغيّر المعالم هنا شيئاً فشيئاً. للوصول الى قسم شرطة مخيّم فلسطين مشياً على الأقدام، ينبغي سلوك طرق عبر «طلاقيات» أحدثها المقاتلون بين الابنية والمنازل التي كتبت عليها شعارات «ثورة الأسد» و«هنا أبطال مخيم اليرموك». الابتعاد عن الطريق العام واجب لأن خطر القنص لا يزال موجوداً. سيارة الاسعاف تسلك هي الأخرى طريقاً آخر، هناك حالات صعبة يجري نقلها الى المستشفيات.
لا حياة هنا. لا مدنيين. فقط مقاتلون وبعض الاعلاميين. الكل يقف عند النقطة الفاصلة بين مخيم اليرموك وشارع الثلاثين يميناً، ومخيم فلسطين شمالاً.
القائد «جدو» هو «القصة كلها»! ابن حيفا ذو الـ73 عاماً، و«الأب الروحي للمقاتلين» غير متفائل على الإطلاق. مرافقه وصديق دربه «أبو صلاح» كذلك. «ما حصل هو تهدئة وليس تسوية. مخيم فلسطين نفس اليرموك، إذاً الانسحاب من قطاع دون آخر لعبة!»، يقولها «جدّو» بحزم، ويؤيّده الآخرون. «نحن هدّينا الأمور لكن إحنا جاهزين بكل لحظة». لا يمكن وصفه بالرجل العجوز، لا تشي صحته بذلك، ولا حركاته، رغم إصابته أخيراً بيده التي يصرّ على أن يتّكئ بها على سلاحه، وفي يده الأخرى سيجارته التي لا تفارقه. والد الشهيد يلتزم بالمصالحة، لكن هناك غصّة في نفسه. «فالمبادرة تنصّ على إنهاء الوضع في شارع الثلاثين ومخيم اليرموك. لكن ماذا عن قطاع فلسطين؟ هيدا حكي علاك!».
أحد المقاتلين الذين يقفون على حاجز الخط الفاصل بين المخيمين يردّد: «صرلي سنة واقف هون، كل يوم انسحبوا المسلحين أو فاتوا المسلحين». هم يعرفون عدّوهم بشكل جيد. حتى لو انسحب عدد كبير منهم «لا يمكن تحييد هذا المخيم عمّا يجري… ما نضحك على بعض».
في المكان نفسه يوجد المسؤول الاعلامي في «القيادة العامة ــ الجبهة الشعبية» جمعة العبدالله. التنازع واضح تماماً بين «القيادة العامة» التي أبرمت الاتفاق في قطاع دون آخر (مخيم اليرموك وشارع الثلاثين) وبين عناصر بعض الفصائل الموجودة على الأرض. يتحدّث العبدالله عن المبادرة التي «تعطي ثمارها الإيجابية بعد إخلاء المسلحين النقاط التي تمّ الاتفاق عليها»، فيما «مسلحو ابن تيمية لم ينسحبوا ونحن ننتظر ذلك». يعزّز هذا القول اقتناع مقاتلي «القيادة العامة» و«فتح الانتفاضة»: «لن ينسحبوا…»، يقول أحدهم مضيفاً»: «الأيام ستثبت أن الأوضاع هنا لن تتغيّر كثيراً»، خصوصاً أن مهلة الـ48 ساعة التي أعطيت لهم تنتهي اليوم. فماذا سيحصل؟ «المعركة؟»، يردّ أحدهم.
في المقابل، يؤكد العبدالله أن «مسلحي المخيم، حين رأوا ما يحيط بهم من مصالحات، اقتنعوا بالتسليم للأمر الواقع»، لكن من جهة أخرى، يكمن «التحدي الأكبر للمخيم في المناطق المطلّة عليه والمحيطة به، وتحديداً في الحجر الأسود ويلدا»، حيث يستمر القتال بين الجيش السوري والمسلحين. الخلاصة: مخيم اليرموك في سوريا. لا حياد في المعركة!
الحياة اللندنية