أصل كلمة «بويكوت» boycott التي باتت عالمياً تعني «المقاطعة»، هو إيرلنديّ. إذ إنه اسم عائلة الكابتن تشارلز بويكوت، الذي عمل كوكيلٍ لأحد ملّاكي الأراضي البريطانيين في إيرلندا. طرد بويكوت المستأجرين الإيرلنديين الذين تأخروا في دفع إيجارات منازلهم بسبب أوضاعهم الاقتصادية السيئة. فردّ الإيرلنديون بسلاحٍ جديد: قاطعوه! لم يعد أحد يتحدّث إليه، أو يعمل معه، أو يشتري منه. أخذت هذه الطريقة في المقاومة شهرة كبرى، ودخل اسم بويكوت إلى اللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات في العام 1880، ليصبح ملازماً ودالّاً على هذا النشاط غير العنفي.
إلا أن وسيلة المقاومة تلك، كانت قد وجدت قبل بويكوت نفسه. ففي العام 1830، أعلن الخاضعون للعبودية في أميركا مقاطعتهم للمنتجات التي يُجبر «العبيد» على صناعتها. وخلال الثورة الأميركية، أعلن المتمردون مقاطعة البضائع البريطانية، وكذلك فعل المهاتما غاندي في الهند. حتى أن يهود أميركا قاطعوا سيارات هنري فورد الذي كان معروفاً بمعاداته للسامية. كما شاركوا في دول عدّة في مقاطعة البضائع الألمانية، مباشرة بعد وصول النازيين إلى الحكم في العام 1933.
وفي عودة إلى إيرلندا العام 1984، أعلنت مجموعة من العاملات في مركز «ديونز» التجاري (مقرّه إيرلندا) إضراباً يطالب الحكومة بالامتثال لقرارٍ نقابيّ نصّ، حينها، على مقاطعة الفاكهة المستوردة من جنوب أفريقيا. وفي أعقاب خروجه من السجن، شكر نيلسون مانديلا العاملات على دعمهنّ لكفاح التحرّر.
وتماشياً مع ذلك التقليد، تشكّلت مجموعة «أكاديميون من أجل فلسطين» مؤخراً في دبلن. تهدف المجموعة بشكل رئيسي إلى دعم حملة «المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرص العقوبات» BDS ضد إسرائيل.
ولكن بعض الجامعات الإيرلنــــــــــــدية دخلـــــت في شراكات بحـــــــثية مع إسرائيل، متخصصة حصراً في صناعة الأسلحة. ومـــــــــثال عـــــــلى ذلك، شاركت «كلية ترينيتي» (دبلن) بمشــــــروع تكنولــــــوجيا التـــــجسّس، مع شركة «إلبيت» المتخصصة في التقنـــــــيات الحربية، كالطــــــائرات من دون طيار الــــتي استخـــــدمــــت وتستـــــخدم لقتــــل المدنيـــــين في غزة.
كما تعاونت جامعة «كوليدج كورك» الإيرلندية مع مؤسسة «تكنيون» في حيفا، وهي مؤسسة مختصة بتصميم الجرافات التي تهدم منازل الفلسطينيين، بهدف التوسّع الاستيطاني. ويتم تمويل هذه المشاريع من قبل الاتحاد الأوروبي، وتمثّل إسرائيل جزءاً من نشاطات الأبحاث العلميّة في الاتحاد الأوروبي منذ العام 1997. ومنذ ذلك الحين، قامت الشركات الإسرائيلية والجامعات بتنسيق ما لا يقل عن 1070 بحثاً علمياً، عدا مشاركتها بـ3000 آخرين.
عندما يتعاون الأكاديميون مع إسرائيل، فإنهم يضفون قشرةً من الاحترام على سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية. لذلك، تصير مهمة المثقفين، الطعن في الشرعية التي تمنحها تلك الجامعات لإسرائيل. وبناء على ذلك، قدمت مجموعة «أكاديميون من أجل فلسطين» قائمة بأسماء أكثر من 140 أكاديمياً إيرلندياً يؤيّدون دعوات لمقاطعة إسرائيل.
وذلك يبني على مبادرة سابقة أثناء الهجوم الإسرائيلي على لبنان في تموز العام 2006 عندما وقع أكثر من 60 أكاديمياً إيرلندياً رسالة وجهوها إلى صحيفة «تايمز» الإيرلندية، في محاولة لثني الاتحاد الأوروبي عن تمويل الجامعات الإسرائيلية.
وصوت اتحاد المعلمين الإيرلنديين – ويشمل أساتذة الجامعات – العام الماضي، أيضا، لدعم مقاطعة إسرائيل أكاديمياً. وتعتبر المقاطعة الأكاديمية وسيلة قانونية وسلمية للأكاديميين حول العالم، لاتخاذ إجراءات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ويمكن القول إن الشعب الإيرلندي اتخذ عدداً من حملات المقاطعة كوسيلة سلمية لمحاربة الظلم في الماضي. ونظرا لتاريخ إيرلندا نفسه، فمن الطبيعي أن تقف متضامنة مع الفلسطــــينيين. فإيــــرلندا التي عاشت أولى فورات المقاطــــــعة ضد الاستبداد والاحتلال، تبدّلت فيـــــها الأحوال مع السنين. هناك مجموعات ما زالـــت تؤمن بالمقاطعة كوسيلة ضاغطة لا بدّ أن تحقــــــق بعـــــــــضاً من الأهـــــداف المرجوّة. لكن إيرلندا لم تعد مستعـــــــمرة منذ زمن بعيد.
(مُترجم عن موقع «الانتفاضة الإلكترونية»)
نقلا عن السفير اللبنانية – ملحق فلسطين .