شكّلت السلطة الفلسطينية ومنذ مجيئها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة منذ العام 1994 حتى اليوم، سبعة عشر حكومة، إضافةً إلى الحكومات التي شكّلتها حركة حماس في غزة بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، ولا ينتهي انفاق الدولة على وزراء الحكومات لحظة تقاعدهم أو تغييرهم، إذ يحصلون على جزء من رواتبهم من الخزينة التي تعتمد بالأساس على المساعدات الخارجية.
وتصل إحصائية وزراء تلك الحكومات على مدار العشرين عاما الماضية إلى 165 وزيراً ما بين متقاعد وعامل حتى الآن في الحكومة السابعة عشر، والتي وصل إليها مراسل “المونيتور” من الموقع الالكتروني الخاص بمجلس الوزراء الفلسطيني، ناهيك عن عدد لا يقل عن عشرة وزراء من حكومة حماس السابقة في قطاع غزة.
رئيس مجلس إدارة هيئة التقاعد الفلسطينية ووزير العمل السابق في الحكومة السادسة عشر د.أحمد مجدلاني، قال إن قانون التقاعد العام رقم (7) الصادر من المجلس التشريعي عام 2005 لا ينطبق على الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي والمحافظين، فلديهم قانوناً خاصا بهم!!
وأضاف لـ”المونيتور” :”ينص قانونهم على أن من مارَسَ عمله من الوزراء من يوم واحد إلى عام يتلقّى ما يساوي 50% من مكافأته الأصلية كراتبٍ تقاعدي البالغة ثلاثة آلاف دولار، ومن عام إلى عامين يتلقّى 70% منها، ومن ثلاثة أعوام فما فوق يتلقّى 80%”
القانون الخاص برواتب أعضاء المجلس التشريعي والحكومة والمحافظين رقم (11) لسنة 2004 يُفصّل بدقة أكثر، إذ تنص الفقرة (8) منه على “يستحق الوزير أو ورثته من بعده مبلغاً يساوي 20% من الراتب الشهري عن كل سنة قضاها في الحكومة بحد أقصى لا يزيد عن 80% من المبلغ الاجمالي المحدد للراتب الشهري مربوطاً بجدول غلاء المعيشة، يُصرف شهرياً فور شغور منصبه، ولهذه الغاية تُحسب الكسور سنة كاملة”.
أن الفقرة (11) من القانون ذاته والتي تزيد من العبء على الخزينة باحتساب تقاعد الوزير بعد أي مدة قضاها في عمله بما لا يقل عن 50% من مكافأته، وهو ما يتوافق مع حديث المجدلاني من ناحية الحد الأدنى، وتنص :”استثناء من أحكام المواد (4، 6، 8، 10) من هذا القانون، يجب أن لا يقل الراتب التقاعدي لكل من رئيس المجلس أو عضو المجلس أو رئيس الوزراء أو الوزير أو المحافظ عن (50%) من الراتب الشهري أي كانت المدة التي قضاها أي منهم في ذلك المنصب”.
وأوضح المجدلاني أن الوزراء يتقاضون رواتبهم التقاعدية من قِبل وزارة المالية الفلسطينية مباشرة، مشيراً إلى أنه لا يتقاضى راتباً تقاعدياً لأنه عضواً باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الذي يتقاضى على منصبه فيها ثلاثة آلاف دولار.
المحلل الاقتصادي د.ماهر الطبّاع قال إنه وبعد احتساب متوسط الراتب التقاعدي للوزراء الـ175 البالغ 70% من الراتب الأصلي، فإن المبلغ الكلي الذي يُدفع لهم مجتمعين شهرياً كرواتب تقاعدية يصل إلى أربعمائة ألف دولار.
وأوضح الطبّاع لـ “المونيتور” :” تبلغ قيمة ما يُدفع لهم سنويا حوالي خمسة ملايين دولار، وهذا يشكّل عبء على موازنة السلطة وخزينتها، وأي مبالغ وإن كانت بسيطة تصبح مؤثرة حينما تُحسب مع المجموع، لكنها أصبحت حق للوزراء، وحلها يتم ضمن منظومة كاملة وإطار تشريعي وقانوني”.
وأشار إلى أنه وفي ظل قلة الموارد المالية للسلطة الفلسطينية والعجز الحاصل بالموازنة والذي يزيد عن مليار ونصف المليار دولار ووجود ديون عليها تزيد عن الأربعة مليارات دولار، فهي متخمة بالتوظيف والعديد من الفئات العليا منها الوزراء التي تتقاضى مبالغ مالية لا تتناسب مع الموارد المالية الخاصة بالسلطة، وهذا كله يعتبر خللاً.
من المفترض أن تتشكّل الحكومات بعد الانتخابات البرلمانيّة، أي كلّ أربعة أعوام، لذا كان يجب أن يكون للفلسطينيّين خمس حكومات فقط في العقدين السابقين. ولكن، في ظلّ الظروف، أنتج العدد الكبير للحكومات 175 وزيراً يتقاضى جميعهم مزايا ورواتب تقاعديّة، ما يثقل الموازنة السنويّة التي تعاني من خلل أصلاً.
الدكتور عزمي الشعيبي أحد وزراء الحكومة الفلسطينية الأولى، والذى قضى عامين ونصف فيها، يتقاضى راتباً تقاعدياً شهرياً يبلغ 80% من راتبه الاصلي (ثلاثة آلاف دولار)، وتساوي تلك النسبة (2400 دولار).
وقال الشعيبي لـ”المونيتور” إن تشكيل الكثير من الحكومات في ظِل عدم انتخاب سوى مجلسين تشريعيين خلال السنوات العشرين الماضية فيه نوع من “المبالغة” ويعكس حالة من عدم الاستقرار، مضيفاً :”وهذا يعكس الرغبة عند كبار المسئولين لاسترضاء أشخاص من خلال إدخالهم للوزارات كي يكونوا جزءاً من النظام، وهناك عدد من الوزارات التي كانت فيها استرضاءات في حكومة العامين 1999 و 2000، وصل عدد وزرائها إلى 31 وزير، وهو ما يبرّر العدد الكبير في مجموع الوزراء”.
وبيّن الشعيبي أن “الاسترضاءات” امتدت لتشمل من هم بدرجة وزير ويحملون مسميات أخرى ويعدون بالمئات، وأوضح :”مثلا مناصب رئيس هيئة الاذاعة والتلفزيون وسلطة المياه وسلطة الطاقة وديوان الموظفين وبعض مستشاري الرئيس، وهم جميعهم وغيرهم بدرجة وزير، وهي عبارة عن استرضاءات لبعض الأشخاص ليحصلوا على درجة الوزير، إضافة إلى حوالي 500 شخص متقاعد من الأمن الفلسطيني الذين يتقاضون رواتب بنفس درجة الوزير”.
البعض يذهب أبعد من ذلك، إذ قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني د.حسن خريشة لـ “المونيتور” إن قسم من الوزراء أعضاء لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير ولجنة مركزية، ويتقاضون رواتب أخرى خلافاً لرواتبهم التقاعدية. فيما يستبقون على سياراتهم الحكومية ومرافقيهم وجوازات سفرهم الدبلوماسية بعد خروجهم من الحكومة.
وأضاف :”حينما يكون لدينا جيشاً من الوزراء، أكثر من مائتين، بالإضافة إلى ما لا يقل عن أربعين شخصاً برتبة وزير، ويتبعهم بدل سكن وسيارة وعدد من المرافقين ومحروقات وتليفون مفتوح، وحتى فواتير الكهرباء في بيوتهم، ونثرياتهم في السفريات والعمل، وبالتالي رواتبهم تتضاعف مع كل تلك الأمور، فهذا يشكّل عبئاً كبيراً على حكومة مواردها قليلة، إضافة إلى استبقاء الاستحقاقات الوزارية معهم بعد التقاعد”.
وأشار خريشة إلى أنه ما بين 2000 الى 4000 من ذوي الرتب العليا في السلطة الفلسطينية يتقاضون على الاقل ما نسبته 50% من إجمالي الرواتب، وبقية الموظفين يحصلون على الحصة الثانية، وهذا يعد كبيراً جداً في بلد موارده محدودة ويعتمد على المساعدات الخارجية كفلسطين.
أما الخبير المالي د. رامي عبده، فقال إن الأمر يعكس عدم اتزان واستقرار في النظام السياسي الفلسطيني، ولا يقتصر على الوزراء بل ينسحب على أعضاء المجلس التشريعي أو من يعمل في المناصب العامة، وفق قوله.
وبيّن عبده لـ”المونيتور” أن الخطأ يكمن في سياسة تشكيل الحكومات وإعطاء لكل ملف حقيبة وزارية، موضحاً :”الجميع يدرك أن عدد الوزراء في الكثير من الأحيان كبير ولا يتناسب مع الاحتياج الحقيقي من الوزراء، فهناك مغالاة في تولّي الملفات خصوصاً وأن الكثير من الوزارات من الممكن أن تقوم بمهامها هيئات أو أقسام داخل الوزارات”.
وأشار عبده إلى أن من القضايا التي زادت من عدد الوزراء والعبء المالي على الخزينة هي قضية الاستوزار (طلب الوزارة) والسعي من قِبل البعض للحصول على هذا المنصب بهدف تحقيق مكاسب شخصية ومالية، موضحاً :”الكثير من الأشخاص يبحثون أن يكونوا وزراء ولو لفترة قصيرة من أجل الحصول على هذا المسمى والمكتسبات المالية المتحققة من هذا العمل، فمنذ مجيئ السلطة في العام 1994 حتى العام 2006 شُكّلت ثماني حكومات، وخلال السنوات الثمانية الأخيرة تم تشكيل تسع حكومات، لذلك يجب وضع ضوابط للراتب التقاعدي للوزراء”.
وأشار عبده إلى أنه حينما يتقاعد الوزير فإن احتساب راتبه التقاعدي مقابل سنوات الخدمة يكون مرتفعاً نظراً لارتفاع راتبه الأصلي. مبيناً أن الاشكالية الأهم أن بعض الوزراء يتحصّلون على بعض المناصب ويبقونها معهم بعد التقاعد مثل المرافقين وامتيازات السيارات والتسهيلات في امتلاك الأملاك وهي جميعها مزايا زائدة لحكومة تعتمد أصلاً على المساعدات الخارجيّة بشكل كبير وليس لديها دولة فعليّة لتديرها.
نقلا عن “المونيتور” كتب محمد عثمان