رام الله /أثارت التعديلات الجديدة على المحكمة الدستورية الفلسطينية جدلا واسعا بين السلطة القضائية والتنفيذية، بعد إصدار “قرار بقانون” المعدل لقانون المحكمة الدستورية من قبل الرئيس محمود عباس.
وبموجب هذا القرار فان السلطة التنفيذية “الحكومة والرئاسة” ستمنحُ صلاحيات أوسع على حساب السلطات القضائية، ما سيحد من استقلالية السلطة القضائية، كما يرى مختصون.
وكان من المقرر ان ينشر القانون في الصحيفة الرسمية ليصبح نافذا، إلا أن الرئيس عباس أرجأ نشره بعد احتجاجات وتحفظات من مجلس القضاء الأعلى ومؤسسات حقوقية، للتباحث بشأن هذه التحفظات.
وكان الرئيس أصدر “قرار بقانون” معدل لقانون المحكمة الدستورية في 30-10-2012، عدّل بموجبه قانون المحكمة الدستورية العليا رقم “3” لسنة 2006 الذي كان من المقرر إنشاء المحكمة الدستورية وفقه.
ويتيح التعديل المزمع إجراؤه للرئيس تشكيل المحكمة الدستورية، وتغير القضاة كل أربع سنوات، وكذلك يعطي التشريع الجديد الطعن الدستوري لـ” 7″ فئات محددة من ثلثي أعضاء المجلس التشريعي المنحل، وممثلو الأحزاب السياسية المسجلة، ولا يتيح لأي من المواطنين كما كان في القانون السابق الطعن، كما أن معظم الطعون السابقة لن ينظر فيها بكونها رفعت بصفة شخصية. ويستثنى منها بعض المؤسسات والنقابات كما تحدث الجلاد خلال الندوة القانونية سالفة الذكر.
وأجمعت هيئة الكتل والقوائم البرلمانية خلال جلسة عقدتها مؤخرا في مدينة رام الله، على رفض تعديل قانون المحكمة الدستورية المقدم، وذلك لعدم انطباق حالة الضرورة القصوى وفقاً لإحكام المادة ( 43) من القانون.
وأعلنت الهيئة ان “التعديل يمنح السلطة التنفيذية إمكانية التدخل في السلطة القضائية، ولا ينسجم مع مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، ويحد بشكل خطير من استقلالية المحكمة الدستورية التي هي أساس عملها واختصاصها” كما اعلن مجلس القضاء الأعلى وعدد من الجهات القضائية والقانونية الأخرى، تحفظهم على هذا القانون.
ويطول التعديل الجديد صلاحية المحكمة الدستورية، وآلية تعيين أعضائها، وشروط العضوية فيها، وآلية ممارستها لاختصاصاتها، كما انه يتيح للسلطة التنفيذية التدخل في السلطات القضائية.
وقال رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فريد الجلاد في تصريح لـ دوت كوم، الى ان “التعديل كان مفاجئا، ومنفردا دون أخذ رأي الباحثين والقضاة للخروج بتصور أفضل” وقال ان “بعض النصوص متناقضة مع بعضها البعض، ولا تصلح أساسا لهذا التعديل ولا جدوى منها”.
وقال الجلاد ان القانون التعديلي لا يمنح الرئيس صلاحيات جديدة، مؤكدا أن تشكيل المحكمة الدستورية من صلاحيات الرئيس، و “ما نتحفظ عليه يتعلق بالتوسعة واستبدال الثلث من القضاة في أي وقت، وهذا خلط بين المجلس الدستوري والقضاء الدستوري”.
واشار الجلاد الى ان “القضاة الدستوريين يجب ان يحصنوا ضد العزل”، وطالب بوقف هذا القانون المعدل.
وطالب الجلاد بتشكيل المحكمة الدستورية وفق القانون الأساسي، دون ادخال القرار المعدل عليها، والتريث في تشكيلها حتى يتم “إنهاء الانقسام” لوضع دستور يحظى بتوافق كافة الأطياف والأطر السياسية.
وأشار الى أن قرارات المحكمة الدستورية لن تكون نافذة على الفلسطينيين الذي يقطنون خارج مناطق كاملة السيادة .
وعزا وزير العدل علي مهنا، في حديث لـ دوت كوم، التعديل لـ” تجاوز بعض الأخطاء الواردة في القانون الأساسي”، وقال أن “القرار يتناسب مع الاحتياجات الفلسطينية، وينسجم مع التجارب الدولية في موضوع المحاكم الدستورية”. وطالب الجهات المتحفظة بدعم توجه الرئيس لتشكيل محكمة دستورية وفق القانون المعدل.
ووصف هذه التحفظات بانها “غير ناضجة” مشيرا الى انه “ليس كل من درس القانون أصبح خبيرا في القانون الدستوري”. واضاف في حديثه لـ” القدس” دوت كوم، “القانون الجديد مستمد من التجارب العالمية، والتجربة الفرنسية تحديدا، التي هي أعمق وانضج من تجربة فلسطين”.
ورفض الوزير مهنا الإفصاح عما اذا كان سيُبتُ في بالقرار دون إجراء إي تعديلات على القانون، موضحا أن “صاحب القرار النهائي الرئيس”.
والمحكمة الدستورية هي السلطة الأرفع في مواجهة السلطات التقليدية الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) وتطول صلاحياتها ما تسنه السلطة التشريعية من قوانين سواء بالإلغاء مباشرة أو الطلب من السلطة التشريعية القيام بتعديلها عند الحكم بعدم دستوريتها.
وقد يصل الأمر الى ابعد من ذلك، كأن تقضي ببطلان القانون الذي انتخب البرلمان على اساسه، وبالتبعية حل البرلمان، تماما كما حصل في مصر مؤخرا.
ومن هذه النافذة يتخوف البعض من ان تتدخل السلطة التنفيذية في قرارات المحكمة الدستورية.
وحسب بعض الخبراء فان القانون “يترتب عليه تجاوزات للقانون الأساسي الفلسطيني الذي ينص على الفصل بين السلطات، ويخالف قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم” كما قالوا في ندوة نظمت مؤخرا في مدينة رام الله لمناقشة تداعيات هذا “القرار بقانون” بحضور وزير العدل، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ونقيب المحامين، وعدد كبير من المختصين الفلسطنيين والاجانب.
ووفق القانون الأساسي فانه يتاح للرئيس إصدار القانون في حالة الطوارئ، في ظل انحلال المجلس التشريعي، وتم اللجوء الى هذه النافذة، التي رفضها المجلس التشريعي باعتبار الظروف الحالية غير مجيزة.
القدس – دوت كوم- من مهند العدم.