لست من متابعي مسلسل “أعوام العيش في خطر” الذي يحكي عن تغير المناخ، والذي يتكون من تسع حلقات. ولن أقرأ كتاب إليزابيت كولبيرت “الفناء السادس: تاريخ غير طبيعي” بالرغم من المراجعات الكثيرة العظيمة التي حظي بها. وعندما أشاهد مقالاً طويلاً في صحيفة “النيويورك تايمز” عن ذوبان سهول جليدية أو عن فيضانات تجتاح مروجاً ساحلية، أو عن انقراض أنواع أو إزالة غابات أو عن التصحر، فإنني أتجاوز عنه. لماذا؟ لأنني أعرف أصلاً ما الذي يحدث وما هو على وشك أن يحدث. وربما تجعلني قراءة الطبعة المنقحة أشعر بحزن أكثر مما أنا فيه أصلاً، من دون أن يكون في يدي أي شيء أصنعه، فإن ذلك سيفعل أكثر من منحي الوهم بأنني أحدث فارقاً.
في مجلة “ذا نيشن”، يتوجب علينا الاعتقاد بأن المعرفة هي قوة، وإلا، فلماذا نمضي حيواتنا ونحن نجلب للناس الأخبار السيئة؟ أحياناً تقدح المعلومات زيادة التغير بالفعل: فقد وصفوا الحرب في فيتنام بأنها “حرب غرفة المعيشة” لأن التلفاز جلب أهوالها إلى منازلنا، وفي نهاية المطاف أفضى ذلك التدفق الدائم للعنف والأكاذيب إلى إخراج الناس إلى الشوارع للانضمام إلى الطلبة ومحبي السلام.
ثمة الكثير من القضايا التي أفضى فيها تعليم وتجييش المواطنين إلى البدء في تحويل المجتمع: العنف ضد النساء والأطفال، على سبيل المثال. وربما يكون العار الذي يشكله نظام السجون لدينا هو التالي.
لكن أمر تغير المناخ مختلف. فهو ليس بالشيء الذي نستطيع التصويت ضده أو نرفض دفع ضرائبنا احتجاجاً عليه. ولن تفيد كتابة الرسائل إلى رجلنا أو ممثلنا في الكونغرس، ولا إعادة تدوير زجاجاتنا وعلبنا. والعمل الفردي -حتى الأعمال الفردية لمئات الآلاف من الناس بشكل متناغم- لن يكون كافياً. ذلك أن لتغير المناخ العديد من المصادر، وهو يشتمل على العديد جداً من مجموعات المصالح، ويجتاز العديد جداً من الحدود، ويشطر العديد جداً من الائتلافات السياسية، بحيث لا يمكن أن يكون أي نوع الجهد القومي أو الدولي الموحد لوقفه ممكناً. كما أن عدم عمل شيء يكون مربحاً جداً. وربما يكون هذا الأمر الأخير هو الشيء الرئيسي. فالعديد جداً من الناس يكسبون المال من خلال تغذية طلب المستهلك الذي لا يشبع للمزيد.
بعض العلماء يعتقدون بأن الوقت قد أصبح متأخراً جداً أصلاً. ولكن، دعونا نقُل إنهم مخطئون، وإن العلماء الذين يعطوننا عشرة أعوام أو عشرين عاماً مصيبون. ودعونا نقُل إنه إذا قدر لكل دولة متقدمة أن تخفض وبشكل حاسم انبعاثاتها من البيوت الخضراء اعتباراً من اليوم، فإن كرتنا الأرضية القديمة الفقيرة ستتدبر أمر العبور بأقدام متعثرة. وبصرف النظر عن الحقيقة الكبيرة المتمثلة في أن هذه الإجراءات ستفضي إلى انهيار الاقتصاد العالمي، فلك أن تفكر بما سيحدث: الكل سيتحول ليكون نباتياً، وسيستخدم السيارات والطائرات في الحالات الطارئة وحسب، وسيتخلص من تكييف الهواء، ويتوقف عن إزالة الغابات لبناء بيوت جديدة. وباختصار، فإننا نكون بصدد الحد على نحو راديكالي من الاستهلاك الفردي بكل طريقة ممكنة، بينما تقوم الحكومات بإجبار قطاعات الصناعة، وخاصة صناعات النفط والفحم والغاز، على فعل ما باستطاعتها… فعل ما هو ضروري. ولن، وعلى ضوء نظامنا، كيف يمكن لذلك أن يحدث في المدى الضروري، ناهيك عن توقيت حدوثه؟
بالإضافة إلى ذلك، وبينما نقوم نحن بالخفض، فإن الهند والبرازيل وإندونيسيا ودول أخرى كانت فقيرة سابقاً ستصعد وتتقدم. والآن، كيف لنا نحن المسؤولين بشكل ضخم عن الاحترار الكوني في المقام الأول أن نقول لهم: “نحن آسفون، لقد أصبحتم أثرياء في وقت متأخر جداً؛ لا شرائح لحم ولا سيارة عائلة ولا تكييف هواء لكم، عودوا إلى قراكم وتصببوا عرقاً؟”.
إن تغير المناخ هو مأساة الناس البسطاء في الكرة الأرضية برمتها. وبالنسبة لكل فرد، لا يوجد ما يكفي من الدافع لتغيير سلوكنا الراهن على الحواف حتى نشعر بأننا فاضلون، هذا إذا كان تغير السلوك ممكناً من الأساس. (قد يقود الأميركيون بسرعة أقل. ولكن كم هو عدد الأميركيين الذين يستطيعون التأقلم من دون سيارة؟)، وبالنسبة للصناعة، تكون المحفزات غالباً في الطريق الأخرى، فيما تكون الدولة والحكومات الفدرالية مرتهنتين للصناعة بشكل ضخم.. وبين الدول، ثمة العديد جداً من المصالح المتنافسة، ولا وجود لآلية دولية قوية بشكل كاف من أجل وضع إطار عمل وتنفيذه. ومع حلول الوقت الذي يقع فيه الضرر الجمعي، سيكون الوقت متأخراً جداً لإبطاله. آمل أن أكون مخطئاً.
الغد الأردنية