غزة / لم يخف كثير من المسؤولين الفلسطينيين أن هناك حالة من عدم الرضا تنتاب القيادة، خصوصاً حركة فتح تجاه مواقف مصر الأخيرة في التعامل مع حركة حماس وحكومتها في غزة، وأن الأمر وصل لحد توجيه اعتراض شفهي أوصله مسؤولون في فتح للمصريين، منذ الإعلان عن زيارات قيادة حماس الحالية للقاهرة، وهو ما دفع، حسب التحليلات، إلى إعلان الرئاسة المصرية عدم وجود ترتيبات لعقد لقاء بين محمد مرسي، وزعيم حماس خالد مشعل، على غير ما أكده مسؤولون في الحركة.
وفي استفسار لـ’القدس العربي’ من مسؤولين فلسطينيين، قالوا انه جرى التفاهم بين القيادتين المصرية والفلسطينية على أن تكون الزيارة الأولى التي قام بها وفدان من حماس، الأول برئاسة مشعل، والثاني برئاسة إسماعيل هنية لمصر، بعد زيارة الرئيس محمود عباس لتقديم التهنئة لمرسي، وأن تنحصر بعدها اللقاءات الرسمية بين الرئاسة ومجلس الوزراء المصري، بقيادات السلطة الفلسطينية فقط، وأن يستمر دور جهاز المخابرات في الاجتماع بالفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس للاتفاق على ترتيبات عملية المصالحة.
وذكر أحد مسؤولي حركة فتح انه منذ اللحظة التي أعلنت فيها حركة حماس عن وجود ترتيبات لعقد اجتماعات بين هنية وقنديل، إضافة إلى الاجتماع الآخر بين مرسي وقيادة حماس برئاسة مشعل، سارعت الرئاسة الفلسطينية إلى إشعار الجانب المصري بـ’خطورة الموقف’، حسبما أفاد المسؤول الفتحاوي، خاصة أنه كما ترى فتح يساهم في ‘تمزيق التمثيل الفلسطيني الموحد’.
وكشف لـ’القدس العربي’ بأن القيادة احتجت بـ’شكل شفهي’ على هذه الاستقبالات، خاصة ذلك الذي تم بين هنية وقنديل، على اعتبار أنه يحمل في مضمونة اعتراف حكومة مصر بحكومة حماس بغزة، وهو أمر خلق بحسب المسؤول ‘أزمة صامتة بين رام الله والقاهرة’، سرعان ما تفجرت وظهرت للعلن بعد وصول وفود حماس إلى مصر.
وكانت القيادة الفلسطينية بحسب المعلومات التي ذكرها أحد المسؤولين تنتظر ان يصار إلى إلغاء زيارات مسؤولي حماس، خاصة أن القيادة تلقت بحسب تعبيره ‘إشارات إيجابية’ مع تأجيل زيارة هنية للقاهرة لمرتين خلال أقل من أسبوع، غير أن الأمور وصلت لهذا الحد من غضب القيادة بعد وصول هنية للقاهرة، والإعلان عن اتفاقه مع قنديل على جملة من الملفات.
وكان الدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لفتح طالب القاهرة بتوضيح موقفها الجديد في التعامل مع حركة حماس، وأضاف في تصريح لوكالة ‘معا’ المحلية ‘نحن لا نقبل ولا نرضى لأشقائنا في مصر أن يتراجعوا عن هذه الشرعية (يقصد شرعية القيادة) وإلا وقعنا في نفس المطب الذي نريد ان نخرج منه في توجهنا للأمم المتحدة’.
وأضاف’نحن لم نعترض في السابق عندما كانت القيادة المصرية تلتقي وفود حماس أو بفصيل فلسطيني، لكن كحكومة شرعية هذا يتطلب توضيحا، ونحن نجري اتصالاتنا في هذا الإطار’. وقال شعث ان هذا الأمر ينسحب كذلك على دولة قطر التي سترسل وفدا إلى غزة خلال الأيام المقبلة من اجل البحث في إعادة إعمار غزة والحديث عن تنسيق مع حكومة هنية.
ويبدو أن القاهرة عملت على تدارك الأمر لتحجيم الخلاف، إذ سارعت بإرسال سفيرها في رام الله ياسر عثمان للقاء الرئيس عباس أول أمس وإبلاغه بعدم عقد الرئيس مرسي لقاءات مع قيادة حماس.
وفي مؤشر على حجم العتب وعدم الرضا من الموقف المصري الجديد، أكد الرئيس خلال لقائه بالسفير عثمان على ضرورة التمسك بوحدانية التمثيل الفلسطيني، و’التنبه والحذر من كل المحاولات الرامية إلى العبث بهذه القضية المصيرية’، لافتاً إلى أن هذه المحاولات ‘تشكل تأييدا ودعما لمخططات الانقسام والحلول المشبوهة للقضية الفلسطينية’.
وخلال اللقاء أكد السفير أن بلاده متمسكة بوحدانية التمثيل الفلسطيني، وبالمشروع الوطني الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967.
كما أكد حرص بلاده على التخفيف من وطأة الحصار على الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، وفي نفس الوقت حرصها كما كانت دائما على أن تظل غزة جزءا من المشروع الوطني والوحدة الجغرافية والسياسية للشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية المستقلة، في جملة عمل من خلالها على تهدئة الموقف، والتخفيف من حدة الأزمة.
ويزور هنية القاهرة في الوقت الذي بدأ فيه وفد آخر من حماس بزيارة مماثلة يرأسه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي ويضم عددا آخر من أعضاء المكتب، وكان بحسب ما أعلنت في وقت سابق قيادة حماس سيلتقي هذا الوفد بالرئيس مرسي، غير أن تطورات الموقف الأخير، وحالة عدم الرضا من قبل القيادة حالت دون إتمام اللقاء، بإعلان المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر عثمان بعدم وجود أي ترتيبات لعقد لقاء بين مرسي وأي وفود فلسطينية الآن.
وفي السياق ذكرت مصادر فلسطينية مطلعة لوكالة ‘سما’ المحلية أن السلطة الفلسطينية حذرت القاهرة من أنها لن تقبل استمرار دورها كراع لعملية المصالحة بين حماس وفتح، في حال إصرار الجانب المصري على التعامل مع حماس كحكومة شرعية واستقبال رموزها.
وقالت المصادر ان التحول في الموقف المصري تجاه حماس، أثار ذعر القيادة الفلسطينية، وأشارت أيضاً إلى أن ‘التعاون التجاري والأمني’ المصري مع غزة من دون إعلام السلطة يمس بشرعيتها ويتساوق في توقيته مع المحاولات الإسرائيلية لتدمير السلطة وقيادتها الشرعية.
وكانت القاهرة قبل وصول مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي القريب فكرياً من حركة حماس تقصر اتصالاتها الرسمية مع حماس وبقية الفصائل على جهاز المخابرات، الذي كان يشرف على سير عملية المصالحة، غير أن ممثلي الحركة وحكومتها في غزة عقدوا منذ فوز مرسي لقاءات مع مسؤولين مصريين رسميين، أبرزهم مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل، وهو أمر لم يتح للحركة لا في فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولا في الفترة الانتقالية التي حكم فيها الجيش.
وكان من أبرز تطورات الموقف السياسي بالنسبة لحركة حماس هو عقدها اتفاقا مع مصر يخص أزمة الكهرباء، إضافة إلى تشكيل لجنة أمنية عقب حادثة سيناء.
يشار إلى أن هنية عقد أول أمس لقاء مع رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، تم خلاله بحث عدة ملفات أهمها ملف الأمن والحصار والكهرباء، وذلك قبل أن يعقد هنية لقاء آخر بمدير المخابرات المصرية اللواء رأفت شحادة.
واستنكر سامي أبو زهري الناطق باسم حماس ما وصفها بـ’محاولات حركة فتح ومحمود عباس للضغط لفرض حصار سياسي على حركة حماس والحكومة في غزة تحت شعار وحدة التمثيل الفلسطيني’.
وجاءت تصريحات أبو زهري رداً على تصريحات الرئيس عباس عقب لقائه السفير المصري، وقال الناطق باسم حماس ان هذه المحاولات ‘تكشف حقيقة نوايا حركة فتح وتحريضها على حصار حركة حماس لن تبوء إلا بالفشل’.
وأشار إلى أن حركة حماس تؤكد أن محمود عباس ‘لا يملك أي حق للحديث عن وحدة التمثيل الفلسطيني لأن مدة ولايته القانونية انتهت منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات’.
وأضاف ‘لا مجال لإدارة الساحة الفلسطينية إلا بالتوافق وليس بمحاولة أي طرف فرض نفسه على الأطراف الفلسطينية الأخرى’.
‘القدس العربي’- اشرف الهور