يقصد هذا التقرير إلى تحريض التفكير في هذه الطائفة المتنوعة والمتسارعة من التغييرات الجيو-سياسية والاقتصادية والتقنية التي تقوم بتحويل عالمنا اليوم، وإلى تأمل تجلياتها المستقبلية خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين التالية.
(بدأ) هذا التقرير بتحديد ما نرى أنه الاتجاهات الكبرى الأكثر أهمية في عالمنا المتغير –تمكين الفرد؛ توزُّع القوة العالمية إلى شبكات متعددة الوجوه وانسيابها إلى الشرق والجنوب؛ والأنماط الديمغرافية التي ستكون أبرزها شيخوخة السكان وحدوث انفجار في أعداد المنتمين إلى الطبقات الوسطى؛ والتحديات التي تشكلها الموارد الطبيعية. وهذه الاتجاهات الكبرى تمكن معرفتها، وهي تشير في حد ذاتها إلى عالم متغيّر، لكن العالم يمكن أن يُحوّل نفسه بطرق مختلفة جذرياً. وباختصار: إننا نتجه إلى مياه لا يمكن سبر أغوارها.
ونعتقد بأن هذه الاتجاهات الكبرى تتفاعل مع ستة متغيرات، أو “مغيرات للعبة” (1) والتي سوف تحدد أي نوع من العالم المختلف سنَعمُر في العام 2030. وفيما يلي، سنجري حفرية في مغيرات اللعبة الستة الرئيسة وتأثيراتها المحتملة:
• اقتصاد عالمي عرضة للأزمات: هل ستفضي الاختلافات بين اللاعبين ذوي المصالح الاقتصادية المختلفة والتقلبات العالمية إلى توقف اقتصادي عالمي شامل وانهيار؟ أم أن تطوير مراكز تنمية متعددة سيفضي إلى زيادة مرونة النظام الاقتصادي العالمي؟
• فجوة الحكم: هل ستكون الحكومات والمؤسسات الدولية الحالية قادرة على التكيف بسرعة كافية لتسخير التغيير واحتوائه بدلاً من أن يطغى هو عليها؟
• احتمال تصاعد الصراعات: هل ستفضي التغيرات المتسارعة والتحولات في مراكز القوة إلى خلق المزيد من الصراعات بين الدول وفي داخلها؟
• توسع نطاق عدم الاستقرار الإقليمي: هل سيعمل الجيَشان الإقليمي، خاصة في الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا، على التسبب بحالة عدم استقرار عالمي؟
• تأثير التقنيات الجديدة: هل سيتم إحداث اختراقات تكنولوجية في الوقت المناسب لإعطاء دفعة للإنتاجية الاقتصادية وحل المشكلات الناجمة عن الضغط على المصادر الطبيعية والتغير المناخي، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة، وشيخوخة السكان، والتمدن السريع؟
• دور الولايات المتحدة: هل ستتمكن الولايات المتحدة من العمل مع شركاء جدد على إعادة ترتيب النظام الدولي، مجترحة أدواراً جديدة في نظام عالمي متوسع؟
مغير اللعبة الخامس: تأثير التكنولوجيات الجديدة (الجزء الثاني)
التصنيع المضاف (الطباعة ثلاثية الأبعاد)
التصنيع الجمعي (المضاف) additive manufacturing هو مجموعة من التكنولوجيات التي تسمح لآلة ببناء الجسم المقصود بإضافة طبقة واحدة من المواد في كل مرة. ويستخدم التصنيع المضاف، أو الطباعة ثلاثية الأبعاد، مسبقاً في عمل نماذج من البلاستيك في قطاعات مثل المنتجات الاستهلاكية وصناعات السيارات والفضاء، ولكن التصنيع المضاف يمكن أن يحل، بحلول العام 2030، محل بعض الإنتاج التقليدي الكبير، خاصة في دورات الإنتاج القصيرة أو حيث تكون للتخصيص الشامل قيمة عالية. وتستخدم آلات التصنيع المضاف التصميمات الموضوعة بمساعدة الكمبيوتر (CAD) والليزر الموجه بالكمبيوتر، بحيث يقوم الطارد، أو رأس الطابعة، ببناء الجسم طبقة بعد الأخرى. ويمكن أن تنتج هذه الآلات كائنات معقدة هندسياً، ذات داخلية أو أجزاء متحركة داخل الكائن، والتي لا يمكن أن تقوم بتصنيعها الآلات التقليدية. بالتصنيع المضاف، يمكن للشركات المصنعة تجنب ارتفاع تكاليف الإعداد الأولي لأدوات التخصيص والقوالب، كما يمكن أيضاً بناء الأجسام المعقدة التي لا تمكن فبركتها هندسياً بسهولة بوسائل أخرى. ويمكن أن يكون ملف التصميم بمساعدة الكمبيوتر CAD مسحاً بالليزر من سطح جسم أو شخص آخر، أو يمكن حتى أن يكون بيانات طبية، مثل التصوير المقطعي (CT) أو التصوير بالأشعة أو بالرنين المغناطيسي (MRI)، مما سيجعل من الممكن بناء الأجسام بنفس شكل وطريقة العمل الوظيفية للعظام أو الأعضاء البشرية الداخلية.
يمكن أن يعمل المزيج من الآلات ذات التكلفة المنخفضة ومخازن ملفات الأجسام ثلاثية الأبعاد على الإنترنت على دمقرطة التصنيع وتمكين الأفراد، على نحو يشبه الأيام الأولى لأجهزة الكمبيوتر الشخصية والإنترنت، عندما كانت الشركات الصغيرة تستطيع إحداث تأثير كبير. ويمكن أن يؤدي التصنيع المضاف إلى ظهور أعداد كبيرة من المصانع الصغيرة الأقرب إلى المشاغل الحِرَفية لما قبل الثورة الصناعية –وإنما المتمتعة بقدرات التصنيع الحديثة. ويمكن لهذه المصانع المحلية الصغيرة تصنيع كميات كبيرة من المنتجات، وخاصة تلك التي تكون تكاليف نقلها مرتفعة تقليدياً أو التي لها مواعيد تسليم طويلة، وبما يقصر ويبسط سلاسل الإمداد خلال العملية.
يمكن أن يكون العالم النامي من المستفيدين الرئيسيين، لأن التصنيع المضاف يسمح بتصميم المنتجات و”طباعتها” للاستهلاك المحلي، ويحد من الاعتماد على الواردات باهظة الثمن. كما يمكن للتصنيع المضاف أن يسوي الميدان أيضاً لتلك البلدان أو المنظمات التي فاتها القطار في فترات سابقة، لأن التصنيع المضاف يتطلب بنية صناعية تحتية أقل من التصنيع التقليدي. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يقلل التصنيع المضاف من الحاجة إلى بعض الوظائف التي يتطلبها التصنيع التقليدية في العديد من مناطق العالم.
تعمل الجودة الأقل تطوراً نسبياً للمواد التي تنتجها الصناعات المضافة على الحد من قبول حقل الصناعة للتصنيع المضاف. وما تزال قدرة المطورين على إنتاج أجسام كافية القوة بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة أمراً غير مؤكد إلى حد كبير. وتتوفر آلات الطباعة ثلاثية الأبعاد الرخيصة الآن مقابل 500 دولار، لكنها تنتج الأجسام منخفضة الجودة نسبياً، والمناسبة للمستجدات، ولكنها ليس مناسبة بعد للعديد من التطبيقات. وتبلغ الآلات الصناعية ما يصل صعوداً إلى 30.000 دولار، ويمكن أن تكلف الآلات العاملة بالليزر لتصنيع المنتجات المعدنية ذات الجودة العالية ما يصل الى 1 مليون دولار.
وتقوم بعض الآلات بتحسين أداء الأجزاء المصنوعة من المعدن أو السيراميك، لكن ذلك يتطلب من المعرفة والمهارة أكثر مما تتطلبه الأجسام التي تخرج من آلات الطباعة ثلاثية الأبعاد الأرخص ثمناً. ويقتصر التصنيع المضاف حالياً على المكونات الهيكلية التي ليست لها قدرات إلكترونية أو بصرية أو فنية أخرى. وبحلول العام 2030، ربما تكون الشركات المصنعة قادرة على الجمع بين بعض المكونات الكهربائية (مثل الدوائر الكهربائية، والهوائيات، والبطاريات، والذاكرة) وبين بعض المكونات الهيكلية في بناء واحد، ولكن التكامل مع معدات تصنيع الإلكترونيات المطبوعة سيكون ضرورياً. ومع أن طباعة الشرايين أو الأعضاء البشرية البسيطة قد يكون ممكناً بحلول العام 2030، فإن الطباعة الحيوية للأعضاء والأجهزة المعقدة سوف يتطلب إحداث طفرات واختراقات تكنولوجية كبيرة ومهمة.
تكنولوجيات الموارد
سيترتب على التقدم التكنولوجي استيعاب الطلب المتزايد على الموارد بسبب النمو السكاني العالمي والتقدم الاقتصادي في البلدان المتخلفة اليوم. ويمكن أن يؤثر هذا التقدم على الغذاء والماء وعلاقات الطاقة من خلال تحسين الإنتاجية الزراعية باستخدام مجموعة واسعة من التقنيات التي تشمل الزراعة الدقيقة، والمحاصيل المعدلة وراثياً (GM) من أجل إنتاج الغذاء والوقود.
ويمكن لتكنولوجيات الموارد الجديدة أن تقوم أيضاً بتحسين إدارة المياه من خلال تطوير عمليات التحلية وكفاءة الري. وبالإضافة إلى ذلك، يمكنها أن تزيد من توافر الطاقة، ليس فقط بتحسين الاستخراج الناجح للنفط والغاز الطبيعي اعتماداً على تقنية التفتيت بالحقن الهيدروليكي، وإنما أيضاً من خلال تطوير استخدام مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي. وسوف تجعل تكنولوجيات الاتصالات واسعة النطاق الآثار المحتملة لهذه التكنولوجيات على البيئة، والمناخ، والصحة معروفة تماماً للسكان الذين يصبحون أكثر تعليماً باطراد.
من المتوقع أن تدرك الصين والهند وروسيا -الدول التي لديها احتياجات حرجة للموارد الرئيسية- المكافآت الكبيرة التي ينطوي عليها كونها أول البلدان التي تقوم بتسويق الجيل المقبل من تكنولوجيات الموارد. وقد يسمح السبق لشركات الموارد الخاصة والمملوكة للدولة في كل من الصين والهند وروسيا بتأسيس مواقف قوية قادرة على المنافسة عالمياً. وبصرف النظر عن كونها ذات تكلفة تنافسية، فإن أي توسيع أو تبن لتكنولوجيات الموارد القائمة أو من الجيل التالي خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة سيعتمدان إلى حد كبير على القبول الاجتماعي وعلى وجهات وحل أي قضايا سياسية قد تنشأ.
المحاصيل المعدلة وراثياً
المحاصيل المعدلة وراثياً هي المفتاح لمواجهة التحدي المتمثل في توفير ما يكفي من الغذاء والوقود، وبأسعار معقولة، من المحاصيل النباتية لعالم يشهد ازدياداً في عدد السكان ومناخاً متغيراً. ويرجح أن يتسارع علم الجينات سريع التطور في معالجة خلايا النبات، مستعيناً بأدوات البيولوجيا الجزيئية، خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة، بما يوفر الوسائل لزيادة الغلة من المحاصيل الغذائية الرئيسية. وتشير النتائج الواعدة للبحث الجاري والمستمر لربط الصفات الرئيسية للنبتة بالبنية الجينية لنبتة أخرى، إلى أن تطبيق أساليب تربية النبات الجزيئية الحديثة وتقنيات التعديل الوراثي يمتلك القدرة على تعزيز الأمن الغذائي العالمي بشكل كبير في السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة. ومع ذلك، تواجه هذه المجموعة من التقنيات النباتية بعضاً من الضغوط التنظيمية والعامة الأكثر شدة من أي تقنيات جديدة أخرى، مما يجعل من التبنّي واسع النطاق لأي من هذه التطورات المحتملة أمراً غير مؤكد.
لقد مكنت التطورات الحديثة في علم الأحياء الجزيئية المطبقة في تنمية المحاصيل العلماء من تحديد الجينات التي تعبر عن الصفات الزراعية المهمة في نباتات المحاصيل. وتنطوي تكنولوجيات النباتات المعدلة وراثياً –التي تتيح نقل جينات الأنواع النباتية من واحد إلى آخر لإنتاج نبات بصفات جديدة أو محسنة- على أفضل الآفاق لتحقيق الأمن الغذائي في السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة.
ومن خلال تقنيات التعديل الوراثي، حدد الباحثون مئات الجينات التي تحمل الصفات المفيدة في نباتات المحاصيل، والتي يمكن تدوالها تجارياً في نهاية المطاف. ومع ذلك، وعلى الرغم من النمو السريع في تكنولوجيات النباتات المعدلة وراثياً، فإن قليلاً فقط من الصفات الموجودة في ثلاثة أنواع نباتية أصبحت متوفرة على نطاق تجاري: نباتات الصويا، والقطن، والذرة المقاومة لمبيدات الأعشاب والحشرات. وقد أصبحت محاصيل البطاطا المعدلة إضافة جديدة إلى هذه القائمة، ويُحتمل في السنوات الخمس المقبلة، أن تضاف مزروعات تجارية معدلة وراثياً من الكانولا والأرز أيضاً. ويشكل تطوير تثبيت النيتروجين في النباتات غير البقولية والذرة التي تتحمل الجفاف أمثلة على الأهداف والتقدم الناجم عن استخدام العلماء للدراسة الحالية في تكنولوجيا المحاصيل المعدلة وراثياً. وقد نالت الذرة التي تتحمل الجفاف موافقة الجهات التنظيمية في العام 2012، وهي الآن في مراحل بداية التسويق والإنتاج على مستوى تجاري.
يشكل تحصيل المعلومات عن الجينات المحددة التي تقترن لتعبر عن الصفات المرغوب فيها في نباتات المحاصيل نقطة بداية أساسية، ولكن هذه المعرفة لا تؤدي بالضرورة إلى إنتاج نبتة معدلة تعبر هذه الجينات. وتتطلب جهود الأبحاث والتطوير اللازمة لتحقيق هذه الأهداف تخصيص قدر كبير من الوقت والمال. وبالمثل، يمكن أن تحتاج تلبية جميع المتطلبات التنظيمية اللازمة إلى سنوات عديدة من الجهود قبل أن تصل محاصيل جديدة معدلة وراثياً إلى السوق. وعلى الرغم من الموافقات التنظيمية والضمانات التي تحققت حتى الآن، لم يتم إقناع العديد من المستهلكين والممثلين السياسيين في جميع أنحاء العالم بأن المخاطر ضئيلة، وبأن هناك ضمانات كافية قيد العمل. وبالتالي، ستواجه المحاصيل المعدلة وراثياً عقبات كبيرة في السنوات المقبلة.
الزراعة الدقيقة
تبشر الزراعة الدقيقة بالخير فيما بتعلق بزيادة غلة المحاصيل عن طريق الحد من استخدام المدخلات، مثل البذور والأسمدة والمياه؛ والتقليل من الآثار البيئية السلبية للزراعة، وتحسين نوعية المحاصيل. ويمكن أن يساعد تطوير أشكال فعالة من حيث التكلفة، والتنوع، والأشكال المتأتمتة من الزراعة الدقيقة المناسبة لمجموعة واسعة من أنواع وأحجام المزارع، في توفير الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم -حتى في مواجهة ندرة الموارد والمعيقات البيئية. وتشير اتجاهات الزراعة الدقيقة إلى المزيد من أتمتة المركبات والأدوات الزراعية. وفي غضون السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، يرجح أن تشرع الجرارات ذاتية الحركة في تولي مجموعة كاملة من الأدوار في الزراعة واسعة النطاق، والتي سوف تبدأ بأن تشبه مرافق التصنيع الآلي. وفي غضون خمس إلى عشر سنوات، يمكن أن تعمل التطورات التكنولوجية وحجم التصنيع على اختصار حجم المركبات والأدوات الزراعية ذاتية الحركة التي تُستخدم اليوم. وسيفضي استخدام مركبات مزارع أصغر حجماً إلى تمكين المزارعين من استخدامها في الأقسام الصغيرة من الحقل وفي حيازات الأراضي الصغيرة، مما يولّد فلاحة أعلى عائداً وأكثر كثافة. ويبقى السؤال الرئيسي ما إذا كانت مثل هذه الأنظمة ستتوفر أبداً بأسعار معقولة للاستخدام في المساحات الصغيرة في البلدان النامية، حيث الطلب يظل الطلب على أعظم قدر من الإنتاجية مطلوباً.
إدارة المياه
سوف تكون إدارة المياه مسألة حاسمة لتحقيق الأمن الغذائي العالمي، لأن الزراعة اليوم تتطلب توفير الري لما تبلغ نسبته 40 % من إنتاجها، وتستهلك ما يقرب من 70 % من إمدادات المياه العذبة في العالم. وفي الوقت الحالي، يهدر الري الزراعي حوالي 60 % من المياه المسحوبة من مصادر المياه العذبة.
سوف تكون إدارة المياه الكفؤة مطلوبة لتحقيق الزيادة الضرورية في الإنتاجية الزراعية. وعلى الرغم من أن تقنيات التحلية الكفؤة ربما تكون مجدية اقتصادياً للاحتياجات المنزلية والمياه الصناعية، فإن من غير المرجح أن تنتج هذه التكنولوجيات مياه الري من المياه المالحة بتكلفة منخفضة بما يكفي ليكون استخدامها الزراعي معقولاً. ومع تزايد ندرة المياه، فإن تبني التقنيات التي تزيد من كفاءة استخدام المياه هو الخيار الوحيد الذي سيكون مُتاحاً أمام المزارعين لمواجهة ندرة المياه العالمية. وتشمل مجموعة هذه التقنيات: الزراعات الدقيقة والمحاصيل المعدلة وراثياً والتي تتحمل الجفاف والملوحة، وكذلك نظم الري الصغيرة والتقنيات المائية للبيوت المحمية (الدفيئات) المسببة للاحتباس الحراري.
من المرجح أن تكون تكنولوجيات نظم الري الصغيرة، والتي تقدمت بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، هي التقنية الرئيسية لتحسين إدارة المياه الزراعية، لأنها تنتج حلول مياه على درجة عالية من الكفاءة. وعلى الرغم من أنها تطبق حالياً على محاصيل الخضر عالية القيمة بشكل أساسي، فإن نظم الري الصغيرة تظل مناسبة لجميع أنواع المحاصيل. وباستخدام تقنيات الري الصغيرة الرائدة اليوم، فإن نسبة المياه التي تصل إلى الحقل تبلغ نحو 90 إلى 95 % مقارنة مع 35-60 % بواسطة الري عبر الأثلام، أو 60-80 % من نظم الرش. لكن مثل هذه الكفاءة تأتي بتكلفة مع ذلك (ما يتراوح بين 2500 – 5.000 دولار لكل هكتار على مدى فترة 10 -15 سنة).
مع أن الزراعة البعلية مسؤولة عن 58 % من إنتاج الحبوب العالمي، فقد تركز جهد قليل نسبياً على استخدام التكنولوجيا لتعزيز إنتاجيتها. وتعاني مناطق العالم البعلية إلى حد كبير من الفقر، وسوء التغذية، وندرة المياه، والتدهور الحاد للأراضي، وفقر البنى التحتية المادية والمالية. ولا يتم استخدام الممارسات قليلة الكلفة -مثل تغطية المياه والتبخر-صفر، بما ينقل المزيد من المياه للنباتات بدلاً من خسارتها- بمستوى واسع النطاق. وبذلك، تصبح التكنولوجيات الجديدة التي تسهم في تحسين العائد من الزراعة البعلية مع تقليل الحاجة للسحب من مصادر المياه السطحية ذات أهمية متزايدة. ويدرس القادة الزراعيون إمكانية حصاد المياه من خلال التخزين الجوفي الخاضع للإدارة.
يرجح أن تفضي زيادة الطلب على المياه إلى حفز الحكومات على ضبط سياساتها لتسعير المياه، من أجل تشجيع كفاءة استخدام المياه: وعادة ما يدفع المزارعون ما يصل إلى عُشر السعر الذي تدفعه الأسر والصناعة ثمناً للمياه، وبالتالي ليس هناك ما يغري المزارعين بتوفير المياه. وعلى الرغم من التكاليف المرتفعة، فإن زيادة استخدام الزراعة الدقيقة في الأراضي المروية، في الوقت المناسب، وزيادة الغلة من المحاصيل المعدلة وراثياً والتي تتحمل الجفاف في الأراضي البعلية، ستسهم في زيادة الكفاءة العامة لاستخدام المياه في الزراعة.
الطاقة المعتمدة على الوقود الحيوي
إذا أصبحت الطاقة القائمة المستمدة من الوقود الحيوي ذات تكلفة تنافسية، فإنه يمكن تمكين أنواع مطورة من الوقود الحيوي وغيره من المنتجات المستمدة من مصادر غير غذائية، لتحل جزئياً على الأقل محل أنواع الوقود الحالية المستمدة من الغذاء والمحاصيل والمواد الأولية النفطية في السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة. ومن شأن حدوث تحول إلى الطاقة المعتمدة على الوقود الحيوي، والمنتَجة من كتل حيوية غير غذائية، أن يُحدث تغييراً جذرياً في أسواق الطاقة العالمية، وأن يكون ضرورياً لتحسين الأمن الغذائي. ويبدو أن الوقود الحيوي المحسّن الأقرب أجلاً هو إيثانول السليولوز المستمد من أنواع مختلفة من الكتل الحيوية من المخلفات الزراعية والغابات، والمحاصيل المخصصة للطاقة مثل الحشائش والأشجار المعمرة، والنفايات البلدية الصلبة. وتشمل أنواع الوقود الحيوي الأخرى التي يمكن أن تدخل السوق، تلك الأنواع المنتجة من مصادر الوقود المتجددة التي يمكنها أن تندمج بسهولة مع البنى التحتية القائمة لوقود النقل. ويشكل البوتانول الحيوي Biobutanol الذي يتم إنتاجه بالتخمير، والهيدروكاربونات المتجددة التي تنتجها الطحالب والكائنات المعدلة وراثياً، أمثلة على مثل هذه الأنواع من الوقود الحيوي المصنع من المصادر مُعادة التدوير.
ولتجنب التعارض مع إنتاج المحاصيل الغذائية، يطور الباحثون تكنولوجيات تستخدم المواد الأولية من الكتل الحيوية غير الغذائية. وعلى الرغم من أن تكاليف إنتاجها تظل أعلى من إنتاج الإيثانول من الذرة، فإن هناك بعض نباتات الايثانول السليولوزي التي تسير على الطريق الصحيح لبدء العمليات في السنوات القليلة القادمة. وقد شهد وقود الديزل الحيوي، الذي يشتق حالياً من زيوت النباتات الغذائية، وزيوت الطهي المستعملة، والدهون الحيوانية، نمواً سريعاً في جميع أنحاء العالم، خصوصاً في أوروبا. ويشير البحث في تكنولوجيات الطحالب إلى أن مثل هذه التقنيات تعرض فوائد جذابة تشمل الإنتاجية العالية؛ والاستخدام المنتج للأراضي ذات التربة غير الخصبة؛ واستخدام مصادر المياه المختلفة (الطازجة، المالحة، ومياه الصرف الصحي)؛ وإعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون والنفايات الأخرى.
يشكل تحقيق تكلفة تنافسية لتكنولوجيات الطاقة الحيوية العقبة الرئيسية أمام تحقيق النجاح على المستوى التجاري. ويرتبط بهذه العقبة التسعير المستقبلي غير الأكيد إلى حد كبير لمصادر طاقة الوقود الأحفوري وتوسيع نطاق استخدام تكنولوجيا وسائل النقل العاملة بالبطاريات. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يكون الدعم الحكومي المالي المستمر ضرورياً لتطوير تكنولوجيات الطاقة الحيوية، وهو ما يشكل سبباً آخر لعدم اليقين إزاء قابلية هذه التكنولوجيات للحياة على المدى البعيد. وعلى سبيل المثال، توجد لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخويلات قوية متعلقة بالوقود الحيوي، والتي تشمل تخويلات الاستدامة للحد من انبعاثات غازات الدفيئات. وعلى الرغم من أن بعض التكنولوجيات المتقدمة للوقود الحيوي يمكن أن تلبي هذه المعايير، فإن التكاليف مرتفعة، ولم يتم تطوير هذه التكنولوجيات على نطاق تجاري.
الطاقة الشمسية
يمكن للطاقة الشمسية، التي تنطوي على إمكانات نمو كبيرة، أن تحدث انعطافة في بيئة الطاقة العالمية في حال حققت تكلفة تنافسية مع الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر أخرى للطاقة. وبسبب الدعم الحكومي وانخفاض التكاليف بسرعة، تستخدم التكنولوجيا الضوئية الآن على نطاق واسع لتوليد الطاقة الكهربائية. وقد أصبحت الصين بالفعل أكبر منتج لألواح الخلايا الشمسية.
ويمكن لتكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية أيضاً توليد الطاقة الكهربائية باستخدام المرايا لتركيز أشعة الشمس، التي يتم تحويلها إلى حرارة في مُجمِّع للطاقة الشمسية. ثم يتم تحويل الحرارة إلى وسيط تخزين للحرارة مثل الملح المصهور، والتي يمكن استخدامها لتوليد البخار لإنتاج الكهرباء. ولأنه يمكن تخزين الحرارة بتكلفة أقل من الكهرباء، فإنه يمكن استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية لتوليد الكهرباء عندما لا تكون الشمس مشرقة.
ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية-الضوئية أو الشمسية-الحرارية ستحقق التنافسية مع تكلفة توليد الكهرباء من مصادر أخرى -الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية والرياح. وتشير بعض التوقعات إلى أن التكاليف المتوقعة لإنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي والفحم ستظل أقل من تكاليف إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة. وتشير توقعات أخرى إلى أن إنتاج الكهرباء الضوئية سيكون قادراً على منافسة إنتاج الكهرباء التقليدية دون دعم حكومي في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. وفي الوقت نفسه، يتوقع خلال العقود القليلة القادمة أن تصبح محطات توليد كهرباء جديدة عالية الكفاءة من الغاز الطبيعي عاملة، وستعمل إمدادات الغاز الطبيعي المتزايدة نتيجة لتكنولوجيا الحقن والتفتيت على إبقاء أسعار الغاز الطبيعي منخفضة.
وعلى الرغم من وضعها باعتبارها مصدر الطاقة المتجددة الأكثر وفرة، وإمكاناتها النظرية في كثير من المناطق لتجاوز مجموع إمدادات الطاقة الحالية، إلى جانب عواقبها البيئية الحميدة، تواجه الطاقة الشمسية بعض العقبات الهائلة أمام الوصول إلى تحقيق طاقتها الكاملة. وإذا ما اختفت سياسات الحكومة لتوفير حوافز مالية وتنظيمية للطاقة الشمسية نتيجة لإجهاد موازنات الحكومات، فإن الطاقة الشمسية قد لا تصل إلى وضع تكلفة المنافسة في العقدين القادمين، وبحيث لكون منافساً جدياً لإنتاج الكهرباء من الفحم والغاز الطبيعي. وثمة عقبة أخرى تواجه الطاقة الشمسية، هي أنها مصدر متقطع، حيث تولد الطاقة فقط عندما تكون الشمس مشرقة. ومن دون إيجاد طريقة ما لتخزين الطاقة بكفاءة، مثل البطاريات الكبيرة أو الملح المصهور، فإن الطاقة الشمسية لن تكون قادرة على الحلول تماماً محل أنظمة توليد الطاقة الأخرى. وبدلاً من ذلك، يمكن أن تعمل فقط كنظام هجين يعتمد على مصادر أخرى للطاقة، مثل الغاز الطبيعي، لتوليد الكهرباء عندما لا تكون الشمس مشرقة. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يتطلب الاستخدام واسع النطاق للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء الموزعة شبكة كبيرة من استثمارات البنية التحتية للتعامل مع التدفق متعدد الاتجاهات للكهرباء في شبكة التوزيع.
التكنولوجيات الصحية
تَعِدُ تقنيات إدارة الأمراض الجاري تطويرها بتحقيق مكاسب صحية كبيرة فيما يتعلق بإطالة الأعمار في جميع أنحاء العالم، بينما يرجح أن تعمل تقنيات تكبير الإنسان على تحويل الحياة اليومية، وخاصة لكبار السن والسكان الذين يعانون صعوبات في الحركة.
ويحتمل أن تتحقق أكبر المكاسب المتعلقة بطول العمر الصحي في البلدان النامية التي ستشهد نمواً كبيراً في حجم سكانها من الطبقة المتوسطة. وعلى الرغم من أن نظم الرعاية الصحية الراهنة في تلك البلدان قد تكون فقيرة، فإن من المتوقع أن تحرز البلدان النامية تقدماً كبيراً في إمكانية إطالة عمر سكانها بحلول العام 2030. وفي الواقع، يرجح أن تكون العديد من المراكز الرائدة في الابتكار في مجال إدارة المرض موجودة في الشرق.
إدارة الأمراض
إدارة المرض هي السيطرة الفعلية على الأمراض السارية وغير السارية والقدرة على معالجتها. واليوم، يناضل الأطباء من أجل التفريق بين كثير من الأمراض ذات الأعراض المتماثلة. ويمكن أن يستغرق الحصول على نتائج اختبارات الكشف عدة أيام، مما يؤدي إلى التأخير في التشخيص، وهو ما يمكن أن يهدد الحياة. ونتيجة لذلك، سوف تكون الأجهزة التشخيصية والكشف عن مسببات المرض تكنولوجيات تمكينية رئيسية لإدارة المرض، وتنطوي دقة التشخيص الجزيئي المستقبلية على قدرة تحويل الدواء. وتشمل أهداف التشخيص الجزيئي، المعلومات الوراثية على وجود المرض أو الاستعداد له، والقدرة على رصد التجليات المادية للمرض. وتحرز إحدى التقنيات التي تساعد في التمكين، تسلسل الحمض النووي الريبوزي DNA، تقدماً سريعاً مع توفر بعض التقنيات القادرة حالياً على قراءة الجينوم البشري مقابل 1.000 دولار تقريباً.
سوف تحدث أجهزة التشخيص الجزيئي ثورة في الطب من خلال توفير وسائل سريعة للكشف عن الأمراض الوراثية والجديدة على حد سواء خلال العمليات الجراحية. وسوف تسرع الاختبارات الجينية، التي ستكون متوفرة مُسبقاً، تشخيص الأمراض وتساعد الأطباء على تحديد العلاج الأمثل لكل مريض. وسوف يخفض مثل هذا الطب المُشخصَن (المعتمد على ملف الشخص نفسه) تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بوصف الأطباء أدوية غير فعالة. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تسهل تكلفة هذه الاختبارات عملية فهرسة الملفات الجينية لعدد أكبر بكثير من الأفراد، وهو ما سيُنتج فهماً أكبر للأساس الجيني للعديد من الأمراض. وربما يصبح التشخيص-علاجي (الجمع بين التشخيص والعلاج في نهج واحد) حقلاً مهماً لإدارة الأمراض، والذي ستخفض تكاليف المستشفى من خلال تسريع زمن تعافي المرضى وتقليل المضاعفات الناجمة عن الجراحة. وستظهر نتائج أوجه التقدم في البيولوجيا التركيبية في مرافق الإنتاج التي تصنع العلاجات الأصيلة ووسائل التشخيص. ومن شبه المؤكد أن يواكب التقدم في مجال الطب التجديدي هذه التطورات في بروتوكولات التشخيص والعلاج. وعلى سبيل المثال، سيمكن تطوير أعضاء بديلة، مثل الكلى والكبد، بحلول العام 2030.
سوف تعزز تكنولوجيات إدارة المرض الجديدة زيادة الأعمار ونوعية الحياة لسكان العالم المسنين، وتعدل الطابع الديمغرافي للكثير من البلدان باتجاه تركيبة سكان أكبر عمراً (وإنما أفضل صحة). ومع ذلك، ربما تكون التحسينات في مجال تكنولوجيا إدارة الأمراض بعيدة عن متناول الفقراء في البلدان التي ليس لديها تغطية صحية للجميع.
تشكل التكلفة العائق الرئيسي الذي يمنع التقنيات التشخيصية الجزيئية من أن تصبح متاحة بشكل روتيني في العمليات الجراحية التي يجريها الطبيب، على الرغم من أن تكاليف دراسة التسلسل الجيني آخذة في التناقص بسرعة. وتبقى تكلفة كل الاختبار التشخيصي للفرد الواحد أكثر أهمية من تكلفة معدات التشخيص نفسها. وينبغي أن يفضي الانتقال من استخدام الكواشف البيولوجية المكلفة إلى إجراءات التشخيص الجزيئي القائمة على السيليكون إلى المزيد من خفض تكاليف الاختبارات الجينية. ويتمثل العيب في التنميط الجيني القائم اليوم في أن عدد الجينات المعروفة المتصلة بالأمراض لا يكفي لتوفير مسح شامل. وسوف يكون التآزر مع تكنولوجيات أخرى، مثل قدرات الحوسبة وتخزين البيانات الكبيرة وتحليلها، أمراً مهماً لإدارة ومعالجة الكميات الضخمة من البيانات التي يجمعها تسلسل الجينوم. ومع ذلك، وبينما تستمر تكنولوجيا الحوسبة في التقدم بمعدلات كبيرة، فإن قوة الحاسوب لا ينبغي أن تكون عاملاً محدداً لوتيرة العمل الجينومي. وسوف يؤدي متطلب تحصيل موافقة الحكومات على الاختبارات التشخيصية إلى تأخير تنفيذها.
إطالة عمر الإنسان
على امتداد سلسلة واسعة من التقنيات، بدءاً من زراعة الأطراف الصناعية إلى الهياكل الخارجية المتصلة بالجسم البشري والتي تعمل بالطاقة، تقوم تقنيات زيادة عمر الإنسان بتعزيز قدرات الإنسان الفطرية، أو باستبدال الوظائف المفقودة أو التالفة مثل الأطراف المتضررة. وقد وصلت الأطراف الصناعية الآن إلى مرحلة توفير وظائف معادلة أو محسّنة قليلاً لأطراف الإنسان. وتبين الواجهات البينية للدماغ-الآلة أن سد الفجوة مباشرة بين الدماغ والآلة هو أمر ممكن. وتقوم المنظمات العسكرية بتجريب مجموعة واسعة من تكنولوجيات زيادة العمر، بما في ذلك أضافة الهياكل الخارجية التي تسمح للأفراد بنقل أحمال متزايدة، والمحرضات النفسية التي تسمح للموظفين بالعمل لفترات أطول.
ويمكن أن تسمح تقنيات إطالة العمر للمدنيين والعسكريين بالعمل على نحو أكثر فعالية، وفي بيئات لم يكن من الممكن الوصول إليها في السابق. وربما يستفيد المسنّون من الهياكل الخارجية العاملة بالطاقة، والتي تساعد مرتديها في ممارسة أنشطة المشي والحمل البسيطة، بما يحسّن الصحة ونوعية الحياة للسكان المسنين. وربما تصبح الأطراف الاصطناعية الناجحة مندمجة ومتكاملة مباشرة مع جسم المستخدم. ويمكن أن توفر واجهات الدماغ-الآلة قدرات “فوق بشرية” معززة من حيث القوة والسرعة، فضلا ًعن توفير وظائف لم تكن موجودة في السابق.
ومع تقدم تكنولوجيا استبدال الأطراف، قد يختار الناس تعزيز ذواتهم المادية (الجسدية)، كما هو الحال في عمليات التجميل اليوم. ويمكن أن تمكّن زراعات شبكيات العين في المستقبل من الرؤية الليلية، ويمكن أن توفّر المعزِّرات العصبية استدعاء ذاكرة فائقة أو سرعة في التفكير. وسوف تتيح العقاقير الصيدلانية العصبية للناس الحفاظ على التركيز لفترات أطول من الوقت، أو أن تعزِّز قدراتهم في التعلم. ويمكن لنظم الواقع المُزيَّدة توفير اختبار معزَّز لمواقف العالم الحقيقي. ومصحوبة بالتقدم في حقل الروبوتيات، يمكن لهذه الإضافات الفوق-طبيعية avatars تزويد المشغِّل بتغذية راجعة من أجهزة الاستشعار التي تعمل باللمس والشم، فضلاً عن المعلومات السمعية والبصرية.
نظرا لارتفاع تكلفة عملية تكبير الإنسان، فإن من المحتمل أن تكون متاحة في غضون 15-20 سنة فقط لأولئك القادرين على دفع ثمنها. وقد يؤدي مثل هذا الوضع إلى خلق مجتمع ذي مستويين من الأشخاص -المُحسّنين وغير المحسّنين، وهو ما قد يتطلب التنظيم بقوانين. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون التكنولوجيا قوية بما فيه لمنع القرصنة وتدخلات تقنيات تكبير الإنسان. وسوف يكون إحراز تقدم في تكنولوجيا التآزر والتمكين ضرورياً لتحسين الاستخدامات العملية لتكنولوجيات تكبير الإنسان. على سبيل المثال، سوف يكون لتحسين عمر البطارية تأثير دراماتيكي على تحسين التطبيق العملي لاستخدام الهياكل الخارجية المضافة إلى الجسم. وسوف يكون التقدم في فهم ذاكرة الإنسان ووظائف دماغه عنصراً حاسماً في تطوير واجهات الدماغ-الآلة في المستقبل، في حين سيوفر التقدم في مجال الإلكترونيات المرنة القابلة للتوافق الحيوي تكاملاً أفضل مع متلقي وسائل التعزيز وإعادة تخليق أو تعزيز الخبرات الحسية. وباختصار، سوف تكون التحديات الأخلاقية والمعنوية لتكبير الإنسان حتمية، لا مفر منها.
ترجمة: علاء الدين أبو زينة– الغد الاردنية.
هامش
(1) مغيرات اللعبة game changers: مغير اللعبة، هو شخص أو فكرة تغير القواعد المقبولة والعمليات والاستراتيجيات وإدارة المهمات. أو هو عنصر أو مكون مُنتج حديثاً، والذي يغير وضعاً أو نشاطاً قائماً بطريقة يعتد بها.
ala.zeineh@alghad.jo