أثبت العرب مجدداً، أنهم غير قادرين على “التوحد” ولا بأي شكل ولا بأي مستوى، ولا نقصد بذلك استرجاع الماضي، ولا حتى القريب منه، ولكننا نتحدث عما يحدث الآن، فبعد أن توزعت الدول العربية بين مؤيد ومعارض لما سمي الربيع العربي الذي انطلق قبل ست سنوات من الآن، حيث تشجعت له دول بعينها، بكل فصوله على اختلافها، وكان بعض دول الخليج الثلاث بالتحديد، قطر أولا، ثم السعودية والإمارات، لدرجة أن تقود هذه الدول عملية التغيير التي نجحت بسرعة الصاروخ في بعض فصولها – تونس وليبيا – وفي مصر في حلقة أولى، وتعثرت في كل من سورية واليمن، حيث تحولت إلى حرب داخلية ضروس، فيما تحفظ معظم الدول الأخرى، أو أنها وقفت ضده، مع أن المراقب لم يعد قادراً على تحديد هوية بعض الدول أو من يمثلها (سورية واليمن – مثال على ذلك)، بعد أن انشطرت الدولة ذاتها أو انقسمت أو حتى تقسمت، فلم يعد هناك من يمثلها أو يشكل عنوانا غير متنازع عليه لها.
فتح المجتمعات العربية من الداخل، وبحكم أن مشروع دمقرطة الشرق الأوسط، بالأساس هو مشروع أميركي مسجل باسم الحزب الديمقراطي، وحيث كان الديمقراطيون في الحكم، فإنهم لم يسمحوا لأحد بأن يحدد وجهة حسم ملفات دمقرطة الدول العربية الخمس التي فتحت، إلا بحدود معينة، تمثلت في إشراك بعض الحلفاء العرب كشركاء صغار يقومون “بالعمل اليدوي، أو بالعمل الأسود”، مثلا سمحوا لهم بالتدخل في سورية ومصر وحتى تونس واليمن، ولم يسمحوا لهم بتحديد وجهة الحسم في ليبيا، نظراً لأن ليبيا دولة نفطية، ولأن القذافي كان قد جعل من حلفاء أميركا الغربيين أعداء مباشرين له.
كذلك فان البيت الأبيض، ترك لحلفائه القطريين والسعوديين تجنيد عناصر الجيش الحر وسواهم، فيما هو يقود المعركة السياسية، ويشارك في المعارك الجوية، حين يتطلب الأمر تدخله العسكري، حتى لا يخسر ضحايا بشرية، في الحرب السورية، بينما اكتفى بمواجهة السفن العسكرية الإيرانية في باب المندب وترك الحرب البرية للسعوديين والإماراتيين في اليمن.
المهم أنه منذ البداية وحيث إن قطر فازت بقصب السبق، حين تحالفت مع الإخوان في تونس ومصر، بحثت السعودية عن حلفاء في تونس، فلم تجد، وفي مصر تحالفت مع “النور”، أما في سورية، فقد ظلت كفة قطر أرجح، إلى أن تورطت السعودية في اليمن، التي تتداخل معها حدوديا وبشريا، خاصة في المناطق الجنوبية – عسير بالتحديد – وظهرت الإمارات والسعودية كحليفين متلازمين أكثر، خاصة في ملف اليمن وكذلك في ملف مصر، حين وجدت الدولتان ضالتهما في ثورة 30 يونيو التي أسقطت حكم الإخوان / حليف قطر، وبالتالي وجدتا نفسيهما تتحالفان مع الجيش ضد حليف قطر الإخواني !
حتى مثلث الخليج لم ينجح في أن يشكل تحالفا مستندا إلى أنجح اتحاد عربي، ونقصد به مجلس التعاون الخليجي، ثم كانت الطامة الكبرى، قبل أشهر قليلة حين صوتت مصر، وهي عضو غير دائم بمجلس الأمن، ضد مشروع قرار ضد النظام السوري.
المهم أنه صحيح أن لا ثوابت في السياسة، وأن ما يحدد سياسات الدول مصالحها، والمصالح تتغير حسب الظروف، لكن الدول العربية بشكل عام تحدد سياساتها ليس وفق مصالح شعوبها، ولكن وفق تأثيرات خارجية كونية وإقليمية عليها، وحيث إنه بدأت منذ وقت تتشكل بعد اختفاء ظاهرة القطبية الكونية، محاور إقليمية، ركائزها: إيران، تركيا، إسرائيل، فان محاولة تشكيل محور عربي، رغم التضاد حول التحالف مع العسكر أو الإخوان العرب، خاصة في مصر، ليبيا وتونس، بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية، ثم عودة مصر لخطها الناجم عن ثورة 23 يوليو، أطلق بارقة أمل في تشكيل محور عربي يشكل الضلع الرابع في لعبة المحاور الإقليمية.
هكذا ظن الكثيرون حين رأوا محور السعودية / مصر / الأمارات يتشكل بعد 30 يونيو 2013، لكن مصر التي لا تقبل أن تكون في جيب أحد، حتى لو كانت تعيش ضائقة اقتصادية طاحنة، سرعان ما أظهرت اختلافها، وأهمية تميزها وظهورها بمظهر الدولة التي لا تشترى بالمال!
ولم يكن التصويت في مجلس الأمن، إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، فقبل ذلك ظهر الاختلاف في التحالفات الإقليمية أو على الأقل دفء وبرودة العلاقات، حين ظهرت مصر كدولة لا مشكلة لها بالعلاقة مع إيران وسورية، ولكن لها مشكلة في العلاقة مع تركيا وقطر، على عكس السعودية التي لها مشكلة مع إيران، ولا مشكلة لها مع تركيا.
حتى ما سمي خارطة طريق الرباعي العربي التي رفضها الرئيس محمود عباس، تشجعت لها مصر، وربما بدرجة أقل الأردن، ولم تعن الكثير بالنسبة للسعودية، وهكذا فان شمس المحور الإقليمي العربي سرعان ما بدأت تغيب، بحيث أن عناصر أو أضلاع هذا المحور، وبالتحديد مكوناه الأساسيان، يتجهان لدخول مربعات المحاور الإقليمية الأخرى، فمصر تقترب من محور تقوده روسيا، والسعودية تتجه لإسرائيل، وقطر متحالفة أصلا مع تركيا وكانت خارج المحور العربي، وهكذا فان انعكاس ذلك على الوضع الداخلي الفلسطيني بدأ يظهر، حيث اقتربت فتح من تركيا / قطر، فيما بدأت مصر تستقطب حلفاء إيران / سورية – نقصد الجهاد الإسلامي، الذي تقدم بمبادرته للمصالحة وفق هذا السياق، فيما تسهيلات مصر لغزة مرت من بوابة الجهاد، وبهدف خلق تحالف داخلي جديد، تمركز في غزة، على أساس “المقاومة” الحليفة لمحور الممانعة، بعد أن دخلت مصر على خطه، ولم تشأ مصر أن تجعل من أصدقائها عنوانا لفتحها بوابة غزة، بل وجدت في الجهاد عنوانا مقبولا أكثر، وهذا كل ما في الأمر!
سما
توزع العرب على المحاور الإقليمية! …بقلم :رجب أبو سرية

Leave a comment