معظم ما يقال ويكتب الآن عن العدوان الإسرائيلي على غزة هو طبق الأصل مما كتب في ثلاث مناسبات سابقة ومماثلة على الاقل، لهذا فهو اضافة الى صلاحيته المحدودة فاقد لأي نفوذ على الوعي، لانه يتجاهل ما جرى للعرب خلال عدة اعوام. وفي مقدمته استراتيجية استبدال الاعداء، وتغيير اتجاه البوصلة قوميا اضافة الى ارتباكات نفسية واجتماعية جعلت الفرد اخر من يعلم بما آل اليه.
ومن جازفوا بافتضاح حقيقة ما جرى خلال تلك الاعوام تعرضوا لعقوبات منها ما هو مستمر حتى الآن، بعكس من امتطوا الموجات وظنوا انهم قابلون للبيع بسعر مناسب شأن السنور الذي ربط بذيل البعير.
والفارق البائن بين الشارع العربي قبل سبعة اعوام عجاف وبين ما هو عليه الآن من خمول ولا مبالاة ازاء ما يجري في غزة هو ان عملية افراغ هذا الكائن من شحنة الغضب واصطناع اعداء بدائل لم تكن انجزت.
فهو الان يرى في العدو شقيقا لدودا من طائفة اخرى فهو منهمك في حروب المحاصصة بحيث لا يجد لديه فائضا من العاطفة كي يقدمه لفلسطين؛ لأن دهاقنة الهوية خلقوا له فلسطينات اخرى في عقر داره؛ لهذا فهو الان يخوض حربا اخرى وببوصلة مغايرة.
الاعوام القليلة الماضية ارهقت العربي نفسيا واقتصاديا واربكت وعيه، وصدّق ان ما يراد لهو هو ربيع يفيض بالخضرة والخير والحرية، والحقيقة ان ما حدث له هو انه تبع الضباع -التي نفخت في وجهه- الى المغارة.
وثمة من ارتطم رأسه بسقفها وسال الدم على جبينه فاستيقظ من غيبوبته مقابل اخرين التهمتهم الضباع حتى النخاع.
ان الاندهاش من هذا الصمت وهذا الاستنقاع يفتضح وعيا سطحيا وقراءات افقية لواقع بالغ التعقيد.
لكن الاسهل علينا دائما هو التنديد بالصمت بدلا من ان نفحصه ونترجمه لنبين اسبابه وهذه مهمات تبدو بالنسبة لمن لا يفرقون بين المكنسة والبندقية من الرفاهية التي لا مكان لها في جو ملتهب.
واقترح على هؤلاء الذين يعيدون نشر ما كتبوا عشرات المرات -لانهم يمارسون دور الندابة المحترفة في مآتم الاخرين- ان يقرأوا مسرحيات الراحل محمد الماغوط خصوصا تلك التي تتم فيها مقايضة صقر قريش بشاحنة قمح اسبانية او التي يروي فيها الدّحام ما جرى له من ذوي القربى بحيث فقد القدرة على الوقوف على قدميه كما فقد القدرة على الجلوس لان الزجاجات من مختلف الاحجام جربت فيه. وقبل ان تلوموا هذه الملايين على صمتها وغيبوبتها اسألوها عما جرى لها في ربيع الذئب وليس في ربيع الخروف.
عن الدستور الاردنية