بقلم: تسفي هاوزر/ كان يمكن لإنجازات الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة أن تعتبر إنجازات جوهرية، وكانت هذه جولة أخرى في إطار مفهوم الجولات، المفهوم الذي انهار في 7 أكتوبر.
لكن ليس لمثل هذه الإنجازات معنى في المدى البعيد. معنى يغير الواقع. نحن نوجد في حرب الإنجاز المطلوب والمعيار لنجاحها، على حد قول رئيس الوزراء هو “انهيار حماس وتغيير استراتيجي في المنطقة”. ليس أقل.
انهيار حماس وتغيير استراتيجي في غزة سيختبران بثلاثة مقاييس:
طرد الذراع العسكرية. هزيمة الذراع العسكرية لحماس على نمط هزيمة م.ت.ف في لبنان في 1982. أي إخراج باقي مقاتلي حماس ممن سيتبقون على قيد الحياة من غزة وتوزيعهم على دول تستوعبهم.
الجيش الإسرائيلي في العام 2023 في غزة هو جيش أقوى وأكثر فتكاً بكثير من جيش العام 1982 في لبنان. فالضغط الذي يمكن فرضه على القطاع اليوم هو ذو مغزى أكبر من ذاك الذي مارسناه في لبنان، والذي بعده خرج نحو 12 ألف مخرب من بيروت.
إن إصرار حماس على مواصلة القتال سيتفتت فقط حين يتبين لسكان القطاع وللأسرة الدولية أنه لا جدوى من مواصلة وجود نحو 32 ألف رجل في القطاع، بثمن يتصاعد متمثلاً بمس متواصل بنحو 2 مليون نسمة.
السابقة اللبنانية قائمة منذ الآن. الأسرة الدولية ستفضل، وعن حق، خروج رجال الذراع العسكرية على نشوء إحساس لدى سكان القطاع بالمغادرة. كما أن دولاً استيعابية ستتوفر مثلما توفرت دول استيعابية لملايين لاجئي الربيع العربي بمن فيهم مئات الآلاف من المقاتلين بمختلف أشكالهم وأنواعهم.
على إسرائيل أن توضح في كل حوار دولي أنه كلما سارعت حماس إلى اتخاذ القرار بالانسحاب من غزة هكذا سيتقلص الضرر الجانبي بالسكان. وكلما تأخرت هكذا ستتصاعد الفوضى ومعها أثمان لا مرد لها. كما أن على إسرائيل أن توضح لأصدقائها أن كل خيار في إطاره يبقى إرهابيون على مقربة من الحدود ما لا يسمح لسكان المنطقة بالعودة إلى بيوتهم، ليس وارداً. فإسرائيل لن تحتمل وضعاً يترجم فيها الفتك الذي فعلوه بنا في 7 أكتوبر إلى هزال ديمغرافي.
مهم أيضاً التشديد على أنه لن تكون أي جدوى لرؤية “اليوم التالي” لدى الأسرة الدولية طالما بقيت قوة عسكرية كهذه في القطاع. كل محاولة لإلحاقه بكل جهة أخرى ستنتهي بسفك دماء.
إن تصفية الأغلبية الساحقة من رجال الذراع العسكرية ستؤدي ‘لى مس بحجم هائل بالمدنيين غير المشاركين، وعليه فلا مفر من نفيهم إلى خارج القطاع.
إقامة حزام أمني
المقياس الثاني هو تثبيت حزام أمني يسمح بعودة سكان الغلاف إلى بيوتهم.
على إسرائيل أن تصر على تثبيت وحيازة ذاك الحزام في استيلاء قتالي لمدة نحو عشر سنوات.
هذه فترة زمنية ستتيح قياس النوايا والقدرات للقوى الجديدة التي ستثبت حكمها في غزة.
إذا كانت وجهة غزة ستكون إلى السلام، فستفحص إسرائيل انسحاباً إلى خطوط الهدنة في 1949.
لقد افترض الانسحاب أحادي الجانب إلى هذا الخط في 2005 بأن الأمر يشكل شرطاً ضرورياً للاستقرار ولإنهاء أعمال العنف والعدوان من غزة.
أحداث 7 أكتوبر تلزمنا بإجراء إعادة تقويم لفرضيات العمل المغلوطة تلك مثلما تلزمنا أيضاً لإعادة الانتشار في خطوط حدود أخرى تتيح الدفاع عن مواطنينا.
من المهم أن نذكر: التزامنا تجاه الفلسطينيين في الاتفاقات التي وقعت معهم يقضي بأن خطوط الحدود النهائية مع قطاع غزة ستتقرر في المرحلة الأخيرة من المفاوضات وليس قبل ذلك. وقد خلقت أحداث 7 أكتوبر مبرراً كاملاً من ناحية القانون الدولي لاستيلاء قتالي بعيد المدى لمناطق واسعة في القطاع بهدف منع العدوان والإرهاب تجاه السكان المدنيين الإسرائيليين.
تجريد غزة من القدرة الصاروخية
المقياس الثالث هو تجريد غزة من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية. هنا أيضاً على إسرائيل أن تجري حواراً مكثفاً مع أصدقائها بشأن اتخاذ قرار دولي بهذا الشأن.
الأمر سيدرج بالنص المفهوم الإسرائيلي الجديد – السكان المدنيون لا يشكلون هدفاً شرعياً وهم لم يعودوا جزءاً من صورة الحرب.
لقد أخطأت إسرائيل خطأ تاريخياً إذ لم تتبن هذا المفهوم قبل نحو عقد وسمحت للسكان المدنيين بأن يشكلوا الهدف الأساس لـ “الجولات”، في ظل تطوير قدرات دفاع تكتيكية متعددة المستويات – جدار محيط وسياسة تحصين وملاجئ واسعة.
ثمة اضطرار للإعلان عن غزة منطقة مجردة من الصواريخ. يتناسب الأمر مع التفكير الإسرائيلي الحديث، يتناسب مع المصالح المستقبلية للدول، المهددة أو التي ستكون مهددة في المستقبل بالصواريخ ويتناسب مع ما اتفق عليه مع الفلسطينيين في اتفاقات الماضي.
لكن المسؤولية عن التجريد يجب أن تبقى في أيادٍ إسرائيلية، فيما تبقى لإسرائيل حرية العمل ضد بناء قوة عسكرية في غزة، في صيغة حرية العمل في المناطق ب في الضفة.
إن الدرس من العجز الدولي لتجريد جنوب لبنان من السلاح وفقاً لقرار 1701 للأمم المتحدة، يجب أن يطبق في غزة. فقط إسرائيل يمكنها أن تضمن تجريد المنطقة من السلاح وبذلك تضمن استقراراً وهدوءاً نسبياً على مدى الزمن.
من المهم التشديد على أنه لا يوجد أي سيناريو آخر لإنهاء الحرب من زاوية نظر إسرائيلية، إلا بهزيمة حماس في هذه المقاييس الثلاثة.
بلغة نظرية الألعاب يقال إن كل شيء متعلق بالتصميم الإسرائيلي، وليس بقدرات حماس – القوة العسكرية الضعيفة في الشرق الأوسط.
يدور الحديث عن وضع أفضل بكثير من وضعنا في الشمال.
عن “إسرائيل اليوم”