صفقة الفترة الانتقالية المكونة من ستة أشهر، والتي أبرمتها مجموعة القوى العالمية (5+1) مع إيران في تشرين الثاني (نوفمبر)، تعرض بعض الخفض في العقوبات مقابل تراجع في برنامج إيران النووي. وفي الحوار التالي، يطرح ثلاثة كتاب وجهات نظرهم حول هذا الاتفاق التاريخي.
من ناحية، هناك ماثيو بَن، الأستاذ في مركز بلفر في كلية كنيدي، هارفارد، والمستشار السابق في البيت الأبيض حول شؤون الانتشار النووي، والذي يمتدح الصفقة لأنها تضعف المتشددين في إيران وتقوي أنصار معسكر السلام والتسوية. ومن ناحية أخرى، هناك نائب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إفرايم سنيه، الذي يقول إن الصفقة تعزز فرص ابتزاز إيران النووي وتلحق الضرر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها. ويتبنى المعلق توم روغان وجهة نظر ثالثة: إن الصفقة لا تشكل انتصاراً ولا إخفاقاً، وإنما تظل مجرد قطعة من الورق في الوقت الحالي.
1. الصفقة تضعف المتشددين في إيران وتعزز مصالح الولايات المتحدة
حذر البعض، وخاصة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أن الصفقة الانتقالية تزيد فرص إيران في بناء أسلحة نووية. لكن هؤلاء مخطئون. وإذا ما صمدت هذه الصفقة، فإنه سيكون من الأصعب بكثير على المتشددين في إيران القول بأن على إيران تمزيق اتفاقياتها وبناء قنبلة.
حتى الآن، هناك الكثيرون في إيران، بمن فيهم القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، ممن يعتقدون بأن القضية النووية كانت مجرد ذريعة تتخذها الولايات المتحدة لإسقاط النظام الإسلامي للدولة. وبالنسبة لهؤلاء، يمثل تشديد العقوبات والتهديدات المتكررة باستخدام القوة العسكرية أسباباً رئيسية في حاجة إيران إلى قنبلة نووية.
هذه الصفقة ستضعف أطروحاتهم وتقيّد خياراتهم. أولاً، سوف تقلل الصفقة إلى حد كبير من الإحساس بالتهديد العسكري الوشيك – ما يقصي عنصراً مهماً من أطروحة المدافعين عن بناء القنبلة. كما أنها ستعيد إلى الوراء واحدة من مكونات انتصارات المتشددين المهمة –بناء مخزون من اليورانيوم المخضب بنسبة 20 %، والذي يمكن أن يختصر الوقت اللازم لصناعة قنبلة. إذا ما تمكن الجانبان من إدارة الأمور بحيث يتم التوصل إلى اتفاق شامل في نهاية المطاف، فإن القيود وتدابير التحقق المتضمنة في هذه الصفقة ستجعل من الصعب جداً على إيران خوض السباق نحو إنتاج قنبلة من دون أن يتم اكتشافها في وقت مناسب ليتمكن المجتمع الدولي من التحرك.
والأهم من ذلك، هو أن دعاة التسوية في طهران أظهروا قدرتهم على الوفاء بالشروط، والتوصل إلى اتفاق بمكاسب حقيقية.
من جهة أخرى، لا يشكل تخفيف العقوبات في الصفقة سوى تلطيف متواضع لآلام إيران الاقتصادية، حيث تم الإبقاء على العقوبات المصرفية والنفطية قائمة في الوقت الراهن. وهي لا تنطوي سوى على مخاطر قليلة فقط بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا من احتمال حدوث انهيار أوسع للعقوبات. لكن الفوائد التي توفرها الصفقة لإيران حقيقية. وهي تنطوي على بشائر برفع جميع العقوبات في حال تم التوصل الى اتفاق أكبر، وهو ما سيشكل دفعة حاسمة لاقتصاد إيران المتراجع.
في حال وفر اتفاق نهائي يُبرم في السنة القادمة تخفيفاً أوسع نطاقاً للعقوبات، فإن اللاعبين الأقوياء في النظام الإيراني سوف يجنون المال من الفرص التجارية الجديدة، ولن يرغبوا عندئذ في تعريض مصالحهم للخطر. وعلى النقيض من ذلك، وفي حال نقضت إيران الصفقة الآن، فإنها لن تكون بصدد تمزيق اتفاق مبرم مع الولايات المتحدة وأوروبا فحسب، وإنما مع روسيا والصين، حاميتيها الوحيدتين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك المخاطرة بالتعرض لعقوبات أكثر صرامة، وسيكون احتمال مواجهة رد عسكري عالياً.
هناك دائماً ذلك الاحتمال القائل بأنه كان بوسع الولايات المتحدة أن تضغط أكثر على إيران وجعلها تقبل بقيود على برنامجها النووي أكثر مما كان. لكن ذلك كان سينطوي على خطر إضعاف الحركة المؤيدة للتسوية في إيران، والتي كانت في حاجة إلى تقديم شيء يمكن أن يقنع السيد خامنئي بالموافقة عليه بشكل معقول. وليس من المرجح أن يشمل مثل ذلك الشيء كل ما تريده الولايات المتحدة أو إسرائيل. لكن ما هو موجود في الصفقة مسبقاً يكفي لتغيير سياسة الأسلحة النووية في طهران، ولجعل الاندفاعة نحو إنتاج القنبلة أقل احتمالاً.
*ماثيو بَن: أستاذ ممارس للعلوم والشؤون الدولية في مركز بلفر، كلية كنيدي في جامعة هارفارد. وهو مستشار سابق لشؤون عدم الانتشار النووي في مكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتكنولوجيا.
2. الصفقة تعزز سياسة الابتزاز النووي الإيراني وتسيء إلى حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها
مع الاتفاق الذي تم إبرامه بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن –الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا- بالإضافة إلى ألمانيا (5+1)، والذي تم توقيعه في جنيف في الشهر الماضي، يقف النظام الإيراني على عتبة الحصول بالضبط على ما يريد: الهيمنة الإقليمية.
وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق يحقق تأخيراً جزئياً ومؤقتاً للمشروع النووي الإيراني، فإن من المهم للغاية فهم ما لا يشمله الاتفاق على الجانب الإيراني:
• وقف إنتاج الصواريخ البالستية بعيدة المدى.
• إنهاء تخريب الأنظمة السنية في المنطقة، مثل البحرين والمملكة العربية السعودية.
• التوقف عن دعم وتمويل المنظمات الإرهابية، مثل حزب الله.
• وقف تصدير الثورة الإسلامية إلى البلدان المسلمة الأخرى، مثل لبنان والعراق وغرب أفغانستان.
• وقف القمع الوحشي ضد الشعب الإيراني والأقليات القومية (الأذريين والأكراد والبلوش والعرب) .
هكذا، تبدو مجموعة (5+1) مستعدة لإعطاء نظام آيات الله، ليس وثيقة تأمين شاملة لبقائه فقط، وإنما ترخيص لطموحاته الإمبريالية أيضاً، وتصريح له باستخدام وسائل الابتزاز من الصواريخ والإرهاب لتقويض الحكومات في الخليج ولبنان والأردن ومصر، والمناطق الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتم كنتيجة لهذا الاتفاق خنق المعارضة الإيرانية الداخلية وتعذيبها بموافقة صامتة من الديمقراطيات الغربية. وهكذا، لن تكون إسرائيل، التي تستمر في مواجهة ما يقدر بنحو 70.000 من صواريخ وقذائف حزب الله وحماس تستهدف مدنها، هي الضحية الوحيدة لهذه الصفقة. كان انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القاسي للصفقة صحيحاً. ويبدو أن حرص مجموعة (5+1) على التوصل إلى اتفاق مع نظام آيات الله لا ينبع فقط من النفور من مواجهة الشر، وإنما أيضاً من نقص في فهم التحدي الذي يشكله الإسلاميون وعدم وضوح التمييز بين الحلفاء والأعداء في المنطقة.
المشكلة هي أن حرص السيد نتنياهو على استرضاء المتشددين في بلده يجعل من إحراز التقدم في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين مستحيلاً، وبالتالي يحبط أي محاولة لبناء تحالف إقليمي مع الدول العربية ضد التهديد الإيراني.
الآن، بعد أن تم توقيع هذه الصفقة مع إيران، فإن الولايات المتحدة قد لا تملك السلطة الأخلاقية لممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية بشأن إبرام أي اتفاق مع الفلسطينيين. ومع جميع إخفاقاتها ضد التهديد الإيراني، تزيد هذه الصفقة أيضاً من احتمالات إفشال كل جهود وزير الخارجية جون كيري الدؤوبة والصادقة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
*الدكتور أفرايم سنيه: شغل مرتين منصب نائب وزير الدفاع في إسرائيل، وكان عضواً في عدة وزارات إسرائيلية، وهو رئيس مركز دانيال أبراهام للحوار الاستراتيجي في كلية نتانيا الأكاديمية في نتانيا، إسرائيل.
3. الصفقة هي مجرد قطعة من الورق في الوقت الحالي، ولا تعرض سوى أمل مشوب بالحذر.
الدبلوماسية ترتب الأمور على الورق، لكن نجاحها أو إخفاقها يتحددان بالعمل. بالنسبة للبعض، تمثل صفقة الستة أشهر مع إيران إنجازا غير عادي للقيادة الأميركية ولصنع السلام. ولآخرين، تمثل الصفقة كارثة –باعتبارها نسخة حديثة لمعاهدة ميونخ.
لكن الحقيقة تقع في مكان ما بين النظرتين. فعلى الجانب الإيجابي، تبدو الفائدة الأكثر وضوحاً هي أن هذه الصفقة تقدم شيئاً جديداً -بعد 10 أعوام من المفاوضات الفاشلة، وانعدام الثقة المقيم، والتقدم النووي الإيراني المستمر. ثانياً، ومن خلال تحفيز إيران على الامتثال لنظام تفتيش صارم، فإن هذا الاتفاق سيختبر مدى جدية المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي عندما يدّعي بأنه ليس لدى إيران ما تخفيه.
ثالثاً، من خلال إتاحة عمليات تفتيش أكثر عمقاً، ستسمح الصفقة للمفتشين بتحصيل معرفة أكبر حول ما إذا كانت مزاعم إيران بإجراء أبحاث سلمية صحيحة. رابعاً، من خلال وقف بناء منشأة الماء الثقيل الإيرانية في آراك، توفر الصفقة أيضاً تأخيراً قصير الأجل لاحتمال امتلاك قدرة تصنيع أسلحة نووية إيرانية، والتي تكون معتمدة على البلوتونيوم. خامساً، من خلال “تفكيك” المخزون الايراني الحالي من اليورانيوم متوسط التخصيب بنسبة 20 %، يتم تأجيل تحقيق قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية في المدى القصير أيضاً.
أخيراً، من خلال إلزام إيران بسقف نسبة منخفضة من التخصيب، يبدأ الاتفاق بمعالجة مسألة التعريف: السؤال حول ماهية الحد الأدنى والحد الأقصى لمستوى التخصيب الذي سيحدد مضي البرنامج النووي الإيراني قدماً.
بطبيعة الحال، هناك العديد من السلبيات لهذه الصفقة أيضاً.
أولاً، على الرغم من أن إيران قد وافقت على عدم تشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي، ما تزال آليات التخصيب الموجودة عاملة. ومع أن من الصحيح أن قدرة إيران على إنتاج الأسلحة لن تكون قضية إذا كانت عمليات التفتيش الجديدة فعالة، فإن هذه الـ “إذا” تظل سؤالاً كبيراً.
لا شك أن مراقبة مدى الوصول النووي عن بعد تختلف كثيراً عن رصد الوصول المادي، والذي يتخذ درجات متفاوتة في حد ذاته. وفي حال منعت إيران المفتشين من القيام بعمليات التفتيش المفاجئ دون سابق إخطار، أو إذا كانت تحاول التهرب من الإجابة عن استفساراتهم، فإن عمليات التفتيش لن تخدم أي غرض في قياس ما إذا كانت إيران قد استمرت في تطوير برنامجها النووي أم لا.
بالتأكيد، ينبغي أن يحترس المفاوضون من جهد محتمل قد يبذله المتشددون الإيرانيون لاستخدام هذه الصفقة لتكون هي بمثابة الحالة الراهنة الجديدة. ولا شك أن إيران تمتلك سجلاً طويلاً من النشاطات السرية. وسوف تظهر الأشهر الستة المقبلة ما إذا كان الرئيس حسن روحاني هو دمية في يد السيد خامنئي أم أنه زعيم صادق مفوَّض في حد ذاته.
حتى ذلك الحين، سوف تظل هذه الصفقة مجرد قطعة من الورق. وبقدر ما هو الحشد “المضاد للصفقة” مخطئ في جهوده لإحراق الدبلوماسية في مهدها، فإن الحشد “المؤيد للاتفاق” مخطئ أيضاً بإطلاق الهتافات الانتصارية الجذلة. إن رد الفعل الوحيد المعقول على الصفقة في هذه المرحلة هو الشعور بالأمل، وإنما مع الحذر الصحي.
* توم روغان: مدوّن، وكاتب
مساهم في صحيفة الغارديان، وناشيونال ريفيو أونلاين.