اعتبرت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء الماضى، انتشار «جدرى القردة» فى إفريقيا ووصوله الى خارجها، حالة طوارئ دولية تثير قلقا عالميا، وهو أعلى مستوى يمكن أن تعلنه المنظمة. بعدما سجلت الكونجو الديمقراطية سلالة جديدة من الفيروس، تعتبر هى الأكثر فتكا وأكثر قابلية لنقل العدوى من السلالات السابقة، تم تسجيل أولا حالات جدرى القردة خارج إفريقيا، هذا الأسبوع، بعدما اكدت السويد تسجيل اول حالة، ورصد ثلاث إصابات فى باكستان لمسافرين قادمين من الإمارات. ومن المتوقع ان يزيد عدد الإصابات فى العالم إذا لم يتم اتخاذ تدابير محددة.
يعتبر جدرى القردة من الامراض المعدية الناجمة عن فيروس ينتقل إلى البشر عن طريق الحيوانات المصابة. كما ينتقل المرض عن طريق الاتصال الجسدى المباشر، بما فى ذلك العلاقات الجنسية، وملامسة الجلد، والتقبيل، أو عن طريق ملابس أو فراش أو مناشف الشخص المصاب، وكذلك عن طريق العطس، خاصة فى الأماكن المغلقة. ويكثر انتشار المرض بين الأطفال فى مخيمات النازحين، وبين المثليين ومزدوجى الميل الجنسى.
تعتبر السلالة الراهنة من الفيروس اكثر خطورة من كل سابقاتها، وتكون أعراضها شبيهة بالإنفلونزا كالحمى والقشعريرة وآلام العضلات والطفح الجلدي. وقد تم تسجيل أكثر من 14 ألف إصابة و524 حالة وفاة منذ بداية عام 2024. إذا كان تفشى المرض فى جمهورية الكونجو الديمقراطية امرا معتادا، فإن أعداد الإصابات هذا العام فى تزايد وسجلت أرقاما قياسية، كما ان المرض وصل إلى مقاطعات لم تتأثر سابقا. وأعلنت وكالة الصحة التابعة للاتحاد الإفريقى، السبت الماضى، أنه تم تسجيل إجمالى 18737 إصابة محتملة أو مؤكدة بجدرى القردة منذ مطلع العام فى إفريقيا، بينها 1200 حالة فى أسبوع واحد. وأشارت ذات الوكالة انه تم تحديد الكثير من متحورات الفيروس، وان الحالات المؤكدة بلغت 3101 حالة، والحالات المحتملة بلغت 15636 حالة، مع تسجيل 541 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها فى 12 دولة فى القارة.
رغم خطورة الوضع الصحى فى الكونغو بسبب تفشى المرض، ووصوله الى دول افريقية أخرى، فإنه من المستبعد الحديث عن تحول الفيروس لوباء عالمى او ان يتسبب فى انكماش اقتصادى كما حدث مع فيروس كوفيد-19، لمجموعة من الأسباب. أهمها ان الفيروس ليس سريع الانتشار على غرار الفيروسات التى تنتشر عن طريق الهواء أو الرذاذ صغير الحجم، كما أن وفياته لا تزال محدودة. أيضا هناك لقاح متوافر للمرض، ومعظم المصابين تتم معالجتهم، باستثناء من يعانون مشكلة مناعية أو كبار وصغار السن.
بإعلانها حالة الطوارئ الصحية، فان منظمة الصحة العالمية تسعى لحث الخبراء الطبيين على تسريع الوصول إلى الاختبارات واللقاحات والأدوية العلاجية فى المناطق المتضررة، وبدء حملات للحد من الوصمة المحيطة بالفيروس، بالإضافة الى حشد المؤسسات والموارد للتصرف بسرعة وحسم قبل ان ينتشر الوباء فى كل أرجاء العالم. وقد أعلن وزير صحة الكونغو ان بلاده تحتاج إلى 3.5 مليون جرعة من اللقاحات لوقف تفشى الفيروس. لكن، من غير المرجح أن يتوافر لقاح يساعد فى احتواء تفشى جدرى القرود إلا بعد أشهر، لمجموعة من الأسباب اللوجستية والإنتاجية.
بهذا الخصوص، أعلنت الرئيسة التنفيذية للتحالف العالمى للقاحات والتحصين (جافي)، أن التحالف يتوافر على ما يصل إلى 500 مليون دولار لينفقها على توفير لقاحات لدول تشهد بؤر تفشى جدرى القردة فى إفريقيا. واعتبرت رئيسة التحالف ان الأموال المتاحة للقاحات جاهزة للتصرف فيها، لكن هناك عقبات تتعلق بقبول الطلبات الرسمية للحصول على اللقاحات من الدول المتضررة، إضافة إلى إقرار اللقاحات من منظمة الصحة العالمية. لهذه الأسباب وغيرها، كإمدادات اللقاح المحدودة وضعف التمويل وتفشى أمراض أخرى، من المتوقع ألا تصل لقاحات المرض إلى الكونغو والدول المجاورة لأشهر حتى مع إعلان حالة الطوارئ.
مع توسع رقعة المرض وزيادة انتشاره فى بلدان مختلفة حول العالم، يبقى المستفيد الأكبر من انتشار الفيروسات هو قطاع صناعة الادوية. وقد ارتفعت، فعلا، أسهم القطاع الطبى العالمى، بمجرد إعلان حالة الطوارئ، على خلفية الطلب المتزايد المتوقع للاستجابة لتفشى جدرى القردة. وأعلن مختبر الأدوية الدنماركى بافاريان نورديك، استعداده لإنتاج ما يصل إلى 10 ملايين جرعة من اللقاح بحلول عام 2025. ومع ذلك يبقى هذا الرقم غير كاف، وهذا يهدد ببقاء البؤر الساخنة للعدوى، ويخلق فرصا أكبر لتوسع نطاقها.
عن الاهرام