منذ سنوات و نحن فلسطينيا عالقون في هذا النموذج الذي دفعنا إليه أعداؤنا الإسرائيليون برضى و مساعدة حلفائهم الأقوياء و على رأسهم الولايات المتحدة .
منذ العام 2000 , بعد فشل محادثات كامب ديفد الثانية , تحولت حياتنا الوطنية في فلسطين إلى هذا النموذج القاسي , يوم بيوم , بدون قدرة على تجاوز الحالة إلى مدى أبعد , لدرجة أن اليمين الإسرائيلي أصابته أوهام بتصفية القضية الفلسطينية و شطبها من الوجود !!! و جاء هذا الائتلاف الحالي الذي يقوده نتنياهو و الذي ذهب إلى الانتخابات المبكرة يوم أمس لكي يوهم نفسه بأن القضية الفلسطينية لم تعد موجودة !!! و ذلك بطبيعة الحال على خلفية الانقسام الذي يواصل طريقه في العام السادس على التوالي , و الذي يرسم لنا في كل لحظة صورة مشوهة , و أجندة مزورة , و أجواء اشتباك و تراشق داخلي , يعطي للاحتلال الإسرائيلي فرصة لكي يغسل يديه من دمائنا .
هذا الحالة :
لا تسير على وتيرة واحدة , و نحمد الله على ذلك , بسبب أن القيادة الفلسطينية امتلكت الجرأة على وقف المفاوضات حتى تتغير مرجعيات هذه المفاوضات , كما أن القيادة الفلسطينية امتلكت الجرأة أيضا على الذهاب بملف القضية إلى الأمم المتحدة , و حين رأت القيادة الفلسطينية أن الولايات المتحدة تقف لنا بالمرصاد في مجلس الأمن , فإنها واصلت عنادها الواعي و ذهبت إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة .
بطبيعة الحال :
هذا الأداء الشجاع من قبل القيادة الفلسطينية لم يمر بدون عقاب , و عقاب شديد , كما نرى على المستوى المالي , و تصعيب حياة الشعب الفلسطيني في الضفة و القطاع و القدس إلى حد الاستحالة , و جنون برامج الاستيطان و التهويد , و استمرار حصار قطاع غزة و عمليات القتل المبرمجة فرديا و جماعيا كما في حرب 2008 – 2009 , و حرب الأيام الثمانية في نوفمبر الماضي .
كان من أبسط البديهيات إزاء ذلك كله , أن تتوحد الإرادة الفلسطينية لإنهاء الانقسام , لأن الانقسام ولد أصلا من رحم المخطط الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية , و كان يجب أن تكون الاولوية الأولى هي إنهاء الانقسام , فلماذا مازال الانقسام قائما ؟؟؟
بطبيعة الحال :
هذا الانقسام الذي تريده إسرائيل أن يستمر ليس لقيطا و منبوذا مثلما هو راسخ في الوجدان الشعبي الفلسطيني , بل له من يتعاطون معه في المنطقة من حولنا , أطراف متعددة تدعم هذا الانقسام كل على طريقته الخاصة و من منظور دوره و مصالحه , بعض هذه الأطراف تدعم الانقسام من منظور التساوق مع إسرائيل أو إرضاء أمريكا – كما نرى الآن في موضوع الضغط المالي – و بعض الأطراف تفعل ذلك من منظور البحث عن دور حتى لو كان هذا الدور هو الخطيئة نفسها !!! و قد شجع ذلك كله دعاة الانقسام إلى تضخيم أوهامهم إلى حد الجنون .
بلا شك :
أن الانقسام الذي نأمل أن نطوي صفحته نهائيا عبر الاتفاقات الجديدة و المحاولات الجديدة , ترك جراحا , و فتح ملفات , و الشجاعة تكمن في نجعل هذه الجراح تبدأ , و كيف تجعل هذه الملفات تغلق , و خاصة أن هناك مبالغات كبيرة في نكئ هذه الجراح , و رفض إغلاق هذه الملفات تغلق , و يبدو الأمر في بعض الأحيان كما لو أننا استثناء من تجارب الشعوب كلها , التي أصابها ما أصابنا و لكنها اهتدت عبر قانون المصالحة إلى الخلاص , إلى بلسمة الجراح و إغلاق الملفات و فتحت الطريق إلى المصالحة و الوحدة و الحياة .
فلسطينيا , نحن الآن في قلب التجربة , و في صميم الاختبار , هل ننجح ؟؟؟ هل نطوي صفحة هذا الانقسام الأسود حيث لا يجد أعداؤنا على اختلاف درجاتهم أداة أقوى منه لإلحاق الأذى بنا ؟؟؟ إنه اختبار حياة أو موت , لأننا في معركة الدفاع عن النفس , و في معركة الصعود إلى أهدافنا , لا يمكن ان نظل رهينة في يد هذا الانقسام بكل تداعياته , و في هذا السياق نرجوا أن ينجح موعد الثلاثين من هذا الشهر لكي نبدأ الخطوة الأولى على طريق الالف ميل .