ليست المرة الأولى التي تقوم بها دولة الاحتلال بحجز الأموال الضريبية المستحقة للفلسطينيين، وهي تمارس هذه السياسة بطريقة فيها الكثير من البلطجة وعقلية العصابة أكثر منها “دولة متحضرة” تحترم القوانين والوثائق والمعاهدات سواء الدولية أو الثنائية.
دولة العصابات لديها الكثير من الوسائل لكي تهدد الشعب الفلسطيني، وهي تعتقد ان بإمكانها ان تبتزه وقيادته وقتما تشاء من خلال سيف الأموال المسلط على رقاب أبنائه، خاصة وان لديها اليد الطولى في كل ما يتعلق بالأراضي المحتلة، أليست هي القوة الغاشمة المسيطرة بالحديد والنار وغطرسة القوة، هذه الحقيقة التي ربما تعتقد قيادة الكيان أنها غائبة عن ذهن أي من أبناء فلسطين في الأرض المحتلة.
ساسة الكيان العنصري كانوا قد هددوا بحجب وقطع الأموال المستحقة منذ أعلنت القيادة الفلسطينية عن نيتها التوجه إلى الأمم المتحدة، وقد نفذوا تهديداتهم بدون تردد، وهم يعلمون تماما ان لا “العالم الحر” ولا العالم العربي ومن خلفه الإسلامي، سوف يجرؤ على القيام بشيء، أو اتخاذ أي موقف من اجل منعها تنفيذ تهديداتها.
ليس صحيحا ان ما تقوم به الدولة المارقة له علاقة بالديون عل شركة الكهرباء أو بأثمان المياه على السلطة الفلسطينية، أو انها تستند إلى مثل هذه الديون كي يكون مبررا لها أمام العالم كما يعتقد البعض الفلسطيني، حيث من غير المعقول ان يسمح هذا العالم “في الظروف الطبيعية”، أن يموت الناس جوعا من اجل ان تقوم دولة ما باسترداد ديونها، وعندما نقول الطبيعية، فان المقصود هو أية دولة أخرى في العالم غير دولة العصابات، حيث ستلاقي مثل هذه الخطوة الإدانة والاستنكار من جميع دول العالم، ولكن في الحالة المتعلقة بدولة الاحتلال، فان أحدا لا يجرؤ على الاستنكار او حتى توجيه الانتقاد او النصح.
الاعتقاد بأن إسرائيل تستند إلى ديونها – الكهرباء والماء- في تجويع الشعب الفلسطيني وحجب الأموال في مواجهة العالم، ليس سوى عبث وسوء تقدير قد يصل إلى “حسن نوايا” تجاه دولة الكيان، حيث أثبتت التجارب التاريخية، ان ممارسات الكيان لا تستند إلى أي من المبررات عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني، وان بإمكان قادة الكيان القيام بما يحلوا لهم دون محاولة منهم لإقناع العالم انهم يقومون بهذا الفعل أو ذاك استنادا إلى هذا المنطق أو ذاك.
المشكلة المالية التي تعاني منها السلطة مرتبطة بشكل مباشر باتفاق أوسلو، وتقع المسؤولية المباشرة على من رفع مسؤولية والتزام الدولة المحتلة المتمثلة بالكيان للأراضي الفلسطينية، هذه المسؤولية القانونية والأخلاقية والإلزامية التي تقع على عاتق دول الاحتلال للأقاليم التي تحتلها، هي من كان يجبر دولة العصابات على دفع رواتب الموظفين منذ عام 1967 حتى العام 1994 تاريخ دخول السلطة، حيث لم تكن هناك مشكلة أبدا في موضوع الرواتب تواجه المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال.
أما وقد تم توقيع اتفاق أوسلو وبحجة “الاستقلال “الموهوم والمزعوم، فقد سارع من سارع إلى تحمل مسؤولية موظفي “الكيان” الفلسطيني في كل ما يتعلق من رواتب ومسؤوليات، وقد أسهم العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية في هذا العمل، بحيث أصبحت دولة الاحتلال في حِلٍ مِن كل مسؤولياتها في هذا الإطار، وصار على العالم مع الفلسطينيين أن يتحملوا مثل هذه النفقات التي كانت وما زالت مسؤولية دولة الكيان العنصري.
الحديث عن الاحتلال الأقل كلفة او الاحتلال غير المكلف او الاحتلال بلا ثمن، لا يتوقف فقط على عدم دفع الثمن من خلال المواجهة والمقاومة، لا بل يتعدى ذلك ليصل إلى ان هذا الاحتلال لا يتحمل حتى هذه القضية المتعلقة بموضوع الرواتب وإدارة “الأراضي” المحتلة من قبل موظفين من الأوْلى ان تدفع رواتبهم من خزينة الاحتلال وليس من خزائن العالم سواء الغربي او العربي.
لجوء السلطة الفلسطينية إلى الدول العربية من اجل تشكيل “شبكة” أمان كما تردد بغداد والدوحة، كان في الحقيقة إشارة إلى دولة الكيان، ان بإمكانها ان تقوم بما تريد، وان العرب لديهم “الجاهزية” للقيام بدفع ما ترفض دفعه، أو على الأصح ما تقوم بسلبه ورقته من أموال الشعب الفلسطيني، علما بان امة العربان كانت احد أسباب التوقيع غير المسؤول وغير المتوازن على اتفاق أوسلو، ذلك ان اضطرار القيادة الفلسطينية لفعل ذلك، كان بسبب سياسات دول الأمة التي أخذت تضيق على القيادة الفلسطينية في الخارج، وكانت تدفعها دفعا إلى مثل هذا الاتفاق غير المفهوم او المبرر حتى ضمن الواقع الذي كان سائدا في حينه.
توقف دولة الاغتصاب عن دفع الأموال الفلسطينية وحجزها، ليس سوى جريمة أخرى يمكن إضافتها إلى ملف الجرائم التي ارتكبها هذا الكيان بحق أبناء فلسطين، وهي بمثل هذا الإجراء إنما تقوم بمعاقبة أكثر من مليون فلسطيني، وتمنع عنهم الغذاء والدواء وكل الاحتياجات الضرورية التي تلزمهم من اجل البقاء وليس العيش الكريم.
مثل هذا الفعل ليس مستغربا على دولة العصابات لأنها وخلال حصارها لقطاع غزة، كانت وبحسب مصادر الكيان نفسه، كانت تعد على الفلسطينيين كم من السعرات الحرارية التي تلزم الإنسان للبقاء حيا، هي أرادت ان لا يموت الفلسطيني في القطاع، ولكن فقط ان يعيش، وان يبقى على قيد الحياة، حتى لا يقوم العالم بتحميلها مسؤولية حياة أهالي القطاع فيما لو بدأ هؤلاء بالموت نتيجة فقدان الغذاء.
ان من ابسط حقوق الإنسان ان يحصل على الغذاء والدواء والمسكن، وهاهي دولة العصابات تحاول ان تمنع عن أبناء فلسطين هذا الحق، وهو حق مرتبط ارتباط عضوي بحق الإنسان في الحياة التي تنص عليه المواثيق والقوانين الدولية.
ان الاستمرار في حجز الأموال الفلسطينية قد يؤدي إلى مشاكل لا تحمد عقباها على أبناء الأراضي المحتلة، ولكن هذه المشاكل لن تكون نهاية الدنيا، وهي قد لا تكون مقتصرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وحدها، فهي قد تمتد وبدون سابق إنذار إلى دولة الكيان، وربما ستدفع ثمنا غاليا إذا ما جاع الفلسطيني. رحم الله محمود درويش
أنا لا اكره الناس ولا أسطو على احد
ولكني… إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي
حذار حذار من جوعي ومن غضبي…