لو أنك طرحت سؤالاً على جمع من الناس في فلسطين عن مصدر أخبارهم ومواقفهم لكان الجواب قبل سنوات يقتصر على الفيسبوك وسط الشباب والشباب فقط ولكان الاعلام التقليدي هو المؤثر الأول على من هم الأكبر سناً.
لكن اليوم يجتمع الجميع على اعتبار الفيسبوك المصدر الأول لمعلوماتهم سواء ما له علاقة بالسياسة أو ما تعداها الى عالم الاجتماع والثقافة والرياضة والمال والاقتصاد وحتى الفضول.
البعض اليوم يعّرف الفيسبوك بكونه «المواطن الأول» بصفته منصة الموقف والمزاج والشعور والنبض وهو المساحة الجامعة ما بين الطرفة والجدية والاعتدال والتطرف والذكاء والدروشة والثقة والسذاجة. بل يقول فيه البعض الآخر انه الجمهورية الثانية من حيث عدد سكانه بعد الصين الشعبية.
وبين هذا وذاك يتدافع الناس للانضمام وبكل الأعمار لعالم الفيسبوك، كلٌ يبحث عما يهواه وما أكثر ما نهواه في هذا العالم وما أكثر ما لا نمتلك الجرأة الكافية بالحديث عما يهواه الناس في العالم «الفيسبوكي»!
على العموم وبغض النظر عما نراه جميعاً من أولوية ومن مساحة للرأي ومصدر للمعلومة ومنصة لابداء المواقف فان المطلوب من زملائي السياسيين توسيع صدورهم في التعامل مع هذا العالم الجديد. فرأي الناس وان صدمنا بصراحته هو الفيصل ما بين المداهنة والنفاق من ناحية والصراحة والمصارحة من ناحية أخرى خاصة في عالم كسر القيود كافة ولم يعد يأبه بمقصات الرقباء.
وأمام هذا الرأي وربما المناشدة للزملاء لا بد من تذكير الجميع بأن الفيسبوك ليس قرآناً أو انجيلاً وهو وكما نراه مساحة للخبر والرأي والموقف لا بد وأن نتفطن الى أنه أيضاً مساحة للغير لدس السم في العسل وتلويث الأجواء وتشويه الحقائق وضرب النسيج المجتمعي وتوجيه الرأي المحلي باتجاه التأجيج والتهييج وحتى التحطيم.
لذلك حرية الرأي هدفٌ سام و نبيل لكن شياطين الليل من أرباب التدمير سيذهبون الى كل الاتجاهات لتحقيق رغباتهم واستغلال حالات الشحن وثورات العاطفة لتسميم الأجواء.
لذلك بينما تذهب الأغلبية المستخدمة للفيسبوك فلسطينيا نحو هذه المنصة الافتراضية لأغراضٍ نبيلة يذهب آخرون من الشياطين الجدد الى مساحات التدمير الممنهج واسقاط الناس خلقياً وأمنياً وبث الرعب ومشاهد القتل اما انتصاراً لرسالتهم أو سعياً لترويج أفكارهم.
لذلك فان حجب المواقع وتكميم الأفواه في ظل الاحتلال «الفسيبوكي» اليوم لحياتنا لا يوفر الوصفة السحرية. الوصفة السحرية تكمن في الانتباه والتّنبه الى انتحال الشخصيات وبث المواقف والأخبار والتسجيلات وحتى الأفلام المشبوهة والمشوشة والمعالجة تقنياً من قبل «شياطين الليل». وربما أثبتت الهجمة الأخيرة لاسرائيل على أهلنا الآمنين أن التلويث والتعكير والتفتيت كانت وما زالت مجتمعة الرسالة التي ينقلها المحتل تحت أسماء وهمية بحثاً عن الوقيعة والتشويه وتفكيك الرباط الأزلي الواقي لمجتمعنا الفلسطيني.
المطلوب اليوم ليس التسلح بمقص للرقيب وانما بفتح الأعين والعقول والصدور الى حقيقة ان من لم ينجح بشقنا وتمزيقنا ميدانياً سيمارس الدور ذاته في عالم الافتراض. فهل ينتصر الشعب الفلسطيني على شياطين الليل أم يقع ضحية سطوة المغرضين والمحتلين؟
الحياة الجديدة