يحتفل المنتصرون هذه الأيام بانتصارهم في الحرب العالمية الثانية، ومن دون شك ان هزيمة النازية والفاشية كان أمرا في غاية الأهمية بالنسبة للبشرية، خصوصا ان هذه النازية هي التي بدأت الحرب في اوروبا، ولكن لدى الشعب الفلسطيني ذكريات مريرة بشأن الحربين العالميتين الاولى والثانية، في الحرب الأولى كان أحد اشكال نتائجها البداية العملية لتفكيك فلسطين، فخلال الحرب اتفقت القوتان العظميان بريطانيا وفرنسا على تجزئة المنطقة العربية شرق المتوسط وتقاسمت الدولتان مناطق النفوذ فيها. وفي الأشهر الأخيرة للحرب، وبالتحديد في الثاني من تشرين الثاتي/ نوفمبر العام 1917، اصدرت بريطانيا اعلان بلفور الذي وعدت فيه الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبالفعل بعد احتلالها لفلسطين بدأت بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور وتفكيك الوجود الفلسطيني.
وبعد الحرب العالمية الثانية، القرار الذي اتفق عليه المنتصرون جميعا وعقدوا العزم على تنفيذه هو قرار تقسيم فلسطين الذي اصدرته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاتي/ نوفمبر العام 1947، وتأسيس دولة إسرائيل، وكانت نتيجة هذا القرار هي نكبة الشعب الفلسطيني. والغاء وجود فلسطين عن الخارطة السياسية للشرق الأوسط.
وبعيدا عن البعدين العربي والفلسطيني في الحربين، فإن فلسطين كانت الضحية الأهم، لقد أوجدت الحرب العالمية الاولى خريطة الدول العربية الوطنية، وكانت من بينها فلسطين، لكن كان لها مصير مختلف، فباقي الدول نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، اما فلسطين فقد حسم المنتصرون مصيرها لتقام في مكانها دولة إسرائيل. والغريب ان المنتصرين كانوا يتسابقون كل لأسبابه في دعم الصهيونية العالمية من أجل إقامة إسرائيل، فالاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال لم يدعما قرار التقسيم وحسب، بل وسلح الطرفان العصابات الصهيونية بالسلاح وقدمت لها الدعم السياسي، وسهلت الدول الكبرى المنتصرة عمليات نقل اليهود من اوروبا ومناطق اخرى من العالم الى فلسطين، فكانت طرق تهريب المهاجرين اليهود تمر من شرق ووسط اوروبا عبر تركيا وفرنسا وإيطاليا ومن موانئ هذه الدول على متن البواخر الى فلسطين، بمعنى كان الدعم لاقامة إسرائيل شاملا.
نتائج الحربين لا تزال متواصلة حتى يومنا هذا، ولا تزال الولايات المتحدة الأميركية، وهي أكبر المنتصرين في الحرب الثانية، هي المتحكمة بالنظام الدولي، خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية، التي كانت مجتمعة في حرب باردة في الغرب الرأسمالي. ويمكن القول هنا اننا لا نزال نعيش في حقبة الامبرياليات المتحالفة مع الصهيونية، في حقبة تتصف بالعنصرية تجاه الشعوب الأصلية في دول الجنوب، والتي من بينها الشعب الفلسطيني، وقد يكون ما نشهده اليوم اكبر مثال على ذلك، حيث تشن إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة بدعم من هذه الامبرياليات، التي تقدم لإسرائيل السلاح بكافة أنواعه، وتقدم لها الدعم المالي والسياسي، وتقوم الولايات المتحدة الأميركية بقطع الطريق على دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة في هيئة الأمم المتحدة عبر الفيتو في مجلس الأمن.
اكثر من قرنين من الزمن وهذا التحاف الامبريالي الصهيوني لا هم له سوى منع الشعب الفلسطيني من ان يمارس حقه المشروع في تقرير المصير على ارض وطنه، وبالرغم انهم فشلوا في طمس الحقيقة الفلسطينية، فإنهم بالقوة المتوحشة يحاولون اليوم اخضاع الشعب الفلسطيني، ولكن على عكس ما يحاولون فإن فلسطين اليوم والشعب الفلسطيني هو في قلوب وعقول شعوبهم.. والنتيجة فشل جديد لأن الحقيقة الفلسطينية لا يمكن طمسها.
عن صحيفة الحياة الجديدة