العربي الجديد -محمد أمين/تتجه المعارضة السورية، والنظام مرة سادسة إلى مدينة جنيف السويسرية، في محاولة جديدة للتوصّل إلى حل سياسي في ظل دفع النظام الى إطالة أمد الحرب للتهرب من أهم استحقاق وهو الانتقال السياسي، فيما يبدو واضحاً أن هذه الجولة ستكون أقرب إلى جولة “حرب الأولويات” بين النظام من جهة والمعارضة التي تتمسك بثوابتها تجاه أسس الحل السورية من جهة أخرى.
وكان لافتاً أن الإعلان عن الجولة الجديدة من مباحثات جنيف من قبل المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، مساء الإثنين، بأنها ستُعقد في 16 مايو/ أيار الحالي، جاء بعد ساعات من المؤتمر الصحافي لوزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، الذي حمل توجهاً واضحاً لتقويض مسار جنيف التفاوضي لصالح مسار أستانة. وذلك بالتزامن مع حراك روسي لشرعنة اتفاق أستانة 4، عن طريق مشروع القرار الذي قدمته موسكو في مجلس الأمن والعمل على رسم خرائط جديدة لمناطق “خفض التوتر”، تضمن للنظام وروسيا، الحفاظ على مصالحهما العسكرية، والمضي في مخططات الضغط العسكري على المعارضة واستكمال عمليات التهجير.
كما أتت الجولة الجديدة المرتقبة من مفاوضات جنيف بالتزامن مع مشاورات دولية وإقليمية مكثفة حول الملف السوري، بما في ذلك اللقاء المرتقب، اليوم الأربعاء، بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي، ريكس تيلرسون، في واشنطن. ونتيجة لقاء الرجلين ستكون مؤشراً على ما إذا كان البلدان يميلان للتوافق على تفاهمات محددة حول الملف السوري أم أن “شيطان التفاصيل” لن يتيح ذلك، تحديداً بما يتعلق بالمناطق الآمنة وطبيعتها وحدودها. وهو ما كان قد حذّر منه وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، مشيراً يوم الإثنين، إلى أن “الولايات المتحدة ستدرس بعناية اقتراح روسيا لإقامة مناطق خفض التوتر في سورية لمعرفة ما إذا كانت قابلة للتطبيق”.
وأضاف لدى وصوله إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، أن “هناك كثيراً الذي يتعين فعله بما في ذلك فحص التفاصيل الأساسية، لأنها ما زالت غير واضحة، بما في ذلك من بالتحديد الذي سيضمن سلامة هذه المناطق وأي جماعات بالتحديد ستظل خارجها؟”.
ويتوقع أن تنعكس نتائج زيارة لافروف على جولة جنيف السادسة، وخاصة على صعيد سلّة الانتقال السياسي التي يصر وفد المعارضة على أولويتها في التفاوض، كما تنص قرارات دولية ذات صلة أبرزها بيان جنيف1، والقرار الدولي 2218، والقرار الدولي 2254 والتي تشكل مرجعيات التفاوض. كما لن يكون مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن تبني مناطق تخفيف التوتر بمعزل عن نتائج اللقاء.
كذلك حضر الملف السوري والتوجس من مخططات الالتفاف على مسار جنيف، في المباحثات التي أجراها وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع نظيره الأميركي، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي، هربرت مكماستر، يوم الإثنين، فيما نقلت قناة “الجزيرة” القطرية قوله: “اتفاق أستانة خطوة إيجابية لكنه ليس بديلاً عن الانتقال السياسي في سورية، الذي يرحل بموجبه بشار الأسد”.
وأضاف الوزير القطري بعد لقائه تيلرسون في واشنطن، أنه “من الجيد أن تكون هناك مناطق لخفض التوتر، لكن يجب أن تكون خطوة في سبيل الوصول لحل الأزمة، ولا تتخذ كذريعة لتأجيل هذا الحل وتأجيل مسألة الانتقال السياسي”. ولفت إلى أنه “هناك الكثير من التعاون بين قطر والولايات المتحدة، تحديداً في الأزمة السورية”، مؤكداً أن “المشاورات مع وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي تناولت القضية السورية والمقترحات المطروحة للمضي قدماً في حلها”.
كما لم يغب الملف السوري عن الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بنظيره الأميركي. ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر دبلوماسية تركية قولها: “إن الوزيرين تناولا أيضاً الأوضاع في سورية، ومباحثات أستانة بشأن الأزمة السورية”. كما تطرق الاتصال إلى الزيارة المقرر أن يقوم بها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة يومي 16 و17 مايو الحالي”، أي بالتزامن مع انطلاق مفاوضات جنيف.
وكان بيان صادر عن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ذكر أن “دي ميستورا سيعقد اجتماعاً جديداً بين الأطراف السورية في مدينة جنيف بسويسرا”، مشيراً إلى أن “الأطراف المدعوة إلى الاجتماع ستجري مفاوضات مكثفة من أجل إيجاد حلّ للأزمة السورية في إطار قرار مجلس الأمن 2254”. وشدّد على أن “دي ميستورا سيسعى في الجولة المقبلة لتكثيف الجهد مع طرفي المفاوضات بشأن أجندتها المقررة”، وذلك في إشارة إلى قضايا هيئة الحكم الانتقالي، ووضع دستور جديد، وإجراء الانتخابات، ومحاربة الإرهاب. وأوضح البيان أن “المبعوث الأممي سيصر على زيادة دور المرأة في العملية السياسية بشكل خاص”.
وكان الموفد الأممي قد أعلن، في اليوم الأخير من شهر مارس/آذار الماضي، انتهاء الجولة الخامسة من مسار جنيف التفاوضي بعد ثمانية أيام من نقاش المواضيع الأربعة الرئيسية لجدول الأعمال، وتشمل الحكم، والدستور، ومكافحة الإرهاب، والانتخابات. وقدّم كل طرف للمبعوث الأممي رؤيته بشأن النقاط الأربع التي اصطلح على تسميتها بـ “سلات دي ميستورا الأربع”. ولم تفض جولة جنيف الخامسة الى نتائج تُذكر رغم اتفاق الطرفين على أهمية السلات الأربع التي طرحها دي ميستورا، ولكنهما لم يتفقا على أولوية التفاوض في أي منها.
وذكر مصدر في الائتلاف الوطني السوري لـ “العربي الجديد” أن “الجولة السادسة من مسار جنيف ستدوم أربعة أيام، ووفد المعارضة يصل إلى جنيف السويسرية قبل بدء المفاوضات بيوم واحد”. كما أكدت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات لـ “العربي الجديد” أن “أولويات المعارضة لم تتبدل والوفد سيصرّ على إنجاز الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية، والذي يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات قبل الانتقال للتفاوض على السلات الأخرى”.
من جانبه، كشف المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، رياض نعسان آغا، أن “الهيئة ستعقد، الجمعة المقبل، اجتماعات لتقويم عمل الوفد في الجولة الماضية”. وتوقع نعسان آغا في حديث لـ”العربي الجديد” ألا “تكون جولة جنيف السادسة مختلفة عما سبقها من جولات، إلا إذا كان لدى دي ميستورا جدية أفضل من السابق”.
وحاول وزير خارجية النظام، وليد المعلم، التقليل من شأن مسار جنيف، بقوله يوم الإثنين، إن “هذا المسار ما زال يراوح”، مدعياً، إن “نظامه لم يلمس بصدق وجود معارضة وطنية تفكر ببلدها سورية”. واعتبر أن البديل عن مسار جنيف ما سماه بـ”نهج المصالحات الوطنية”، الذي هجّر عشرات آلاف السوريين من ريف دمشق، وحمص إلى الشمال السوري في تكريس لما يُسمّى بـ”سورية المفيدة”، التي يسعى النظام إلى خلقها من خلال تهجير معارضيه، وحشرهم في مناطق ضيقة، وسط ظروف معيشية صعبة.
بدوره، أكد المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، أنه “لا يمكن تحقيق تقدم في مجال الانتقال السياسي إلا من خلال الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن”، مشيراً في بيان صدر، مساء الإثنين، إلى أنّ “الهيئة العليا للمفاوضات تبدي مرونة، وتعاوناً مطلقاً مع الجهود الدولية المخلصة لوقف القتال والشروع في عملية الانتقال السياسي، لكن النظام لا يزال غير قابل للتفاهم أو التعاون مع المجتمع الدولي”.