متابعات – الموقف الليبي / على مدى الأشهر الطويلة للحرب على غزة، والتي رافقها تخوّفٌ حقيقي أو مفتعلٌ أو مبالغٌ فيه، من أن تتطور نحو حربٍ إقليمية، حُمِّل بنيامين نتنياهو القسط الأكبر من المسؤولية عن كوارثها وطول أمدها، وفشل كل محاولات إنهائها أو حتى التخفيف من حدتها، ومع أن نتنياهو يقر بمسؤوليته، بل ويتباهى بها، إلا أن الأكثر مسؤولية منه، هو الإدارة الأمريكية أو توخيًا للدقة، طريقتها في العمل.
إنها تسير على خطين متوازيين يستحيل التقاؤهما عند نقطة معينة تنتج حلًّا، خط الالتزام المطلق بتقديم كل ما يلزم لنتنياهو كي يواصل الحرب، وخط الدخول على الوساطة، مع إطلاق وابل من التصريحات تظهر حرصها على وقف الحرب وإنهاء معاناة المدنيين وضمان ألا تتطور إلى حرب إقليمية، وبهذا تكون الإدارة الأمريكية قد وفرت للوساطة مجرد لغة وصيغٍ توضع على الورق، ولا مجال لها من التطبيق، ووفرت لاستمرار الحرب كل ما تحتاجه من إمكانيات.
ووفق هذه المعادلة ينبغي أن تتعدل المعالجات وتنقلب أولوياتها، ليصبح نتنياهو العنصر الثانوي في اللعبة وراء العنصر الرئيسي الأمريكي الذي ما زال يعمل على نفس الخط، وبديهي ألَّا نحصد نتائج مغايرة لما حصدناه على مدى الشهور الطويلة للحرب.
العدوان على الضفة بدوافع استراتيجية
ليس كافيًا قراءة العدوان الإسرائيلي الذي ينفذه جيش الاحتلال على الضفة الغربية منذ أسبوعين بشكل واسع النطاق، بعد أن نفذ الاحتلال أوسع جريمة حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة على مدار أحد عشر شهرًا من هذه الجريمة المستمرة والمتصاعدة، من خلال محددات عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 وتداعيات العمليات العسكرية في غزة فقط، إذ إن الواقع الميداني في قطاع غزة معطوفًا على جبهة الإسناد في جنوب لبنان الملاصق لفلسطين المحتلة أثبت عمليًّا وميدانيًّا عجز كيان الاحتلال وجيشه الإرهابي عن تحقيق أي اختراق يمكن ترجمته ضمن مسار تحقيق الأهداف التي أعلنها نتنياهو باسم الحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب الصهيوني وبدعم غير محدود وغير مشروط من قبل الإدارة الأمريكية، وبالتالي فمن غير المنطقي أن يذهب البعض بعيدًا في التحليل وتفسير الأحداث المتسارعة ومحاولة وصف العدوان الإسرائيلي في الضفة على أنه استكمال لمسار تخلص الكيان من التهديدات التي تحيط به.
ومن خلال المقارنة بين حجم التهديدات التي ما زال يتعرض لها في قطاع غزة وفي أكثر من مكان في طبيعة الحال، إضافة إلى ثوابت “محور المقاومة” لناحية الإصرار على هزيمته في هذه المعركة المصيرية التي تكاتفت فيها قوى المحور من اليمن إلى العراق ولبنان وإيران، من دون أن نهمل دور سوريا الذي لا يقل تأثيرًا عن غيره، يصبح التوجه الإسرائيلي نحو الضفة في هذه المرحلة كمن سلَّم بعدم إمكانية ردع هذه الجبهات، وتوجه نحو البحث عما قدَّر أنه استثمار مضمون النتائج، ويتوافق بالمبدأ مع مخططات قديمة متجددة تلبي من حيث مضمونها تطلعات اليمين المتطرف في إسرائيل بشكل عام ومشروع الالتفاف على أي توجه دولي لتعويم السلطة ضمن مخطط وأد حركة التحرر الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي قد يساعد في الالتفاف على مكتسبات المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وأذرعها التي فرضها الميدان منذ أكثر من 11 شهرًا من القتال وتحمل ضريبة دم المدنيين في القطاع.
لم يكن التذرع بطوفان الأقصى والتهديدات التي ادعى الكيان رصدها في الضفة بعد السابع من أكتوبر إلا محاولة لاستغلال سرديته حول التهديدات الوجودية التي يواجهها من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، والتي بدأت تتكشف بمنتهى الوضوح من خلال الترجمة العملية لمخطط الضم وحسم الصراع لصالح المشروع الصهيوني على كامل الأرضي الفلسطينية لإقامة ما يسمى بالدولة اليهودية، وفرض الحلول المنقوصة التي تتجاوز كافة القوانين والتشريعات الدولية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
“الأونروا”: الأسبوع الماضي هو الأكثر دموية لفلسطينيي الضفة الغربية
أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، في بيان لها أن الأسبوع الماضي هو “الأكثر دموية” للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، مع استمرار الحرب في غزة تتزايد أعمال العنف والدمار في الضفة الغربية كل ساعة، وهذا أمر غير مقبول ويجب أن يتوقف الآن.
وشددت على أن الأسبوع الماضي هو الأكثر دموية للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ نوفمبر الماضي، حيث قُتل العديد من الأشخاص، بينهم 7 أطفال، وبموازاة عدوانه على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسَّع جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته وصعَّد المستعمرون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، ما أسفر عن استشهاد 691 مواطنًا، وإصابة نحو 5 آلاف و700، واعتقال ما يزيد على 10 آلاف و400، وفق مؤسسات رسمية فلسطينية، وفي إطار هذا التصعيد، بدأ جيش الاحتلال، في 28 أغسطس/ آب الماضي، عدوانًا على شمال الضفة يعد “الأوسع” منذ عام 2002، أسفر حتى الخميس عن مقتل 39 مواطنًا، وإصابة 150 آخرين، واعتقال العشرات، وفق أرقام رسمية فلسطينية، وبينما شمل العدوان في بدايته مدينتي جنين وطولكرم ومخيماتهما ومخيم الفارعة قرب طوباس، ما زال متواصلًا في جنين وطولكرم ونابلس ومناطق أخرى في الضفة الغربية.
اعتداءات المستعمرين على التجمعات البدوية أدت إلى تهجير أكثر من 28 تجمعًا
كشف رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير مؤيد شعبان، أن اعتداءات المستعمرين المتواصلة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي على التجمعات البدوية أدت حتى هذه اللحظة إلى تهجير أكثر من 28 تجمعًا بدويًّا قسرًا تتضمن 311 عائلة من أماكن سكنها إلى أماكن أخرى، وكان آخرها تجمع (وادي الفاو) في الأغوار الشمالية.
وأضاف شعبان أن عنوان التهجير القسري للتجمعات البدوية ما زال يحمل دلالة خطيرة بالنظر إلى المنهجية التي تعتمدها دولة الاحتلال الإسرائيلي في فرض البيئة القهرية الطاردة على هذه التجمعات، والمتمثلة في الترويع والترهيب والتهديد إضافة إلى الحرمان من الرعي ومصادر المياه والخدمات، وأشار إلى أنه منذ بداية عام 2024 نفذ المستعمرون قرابة 1760 اعتداءً، أدت إلى استشهاد 9 مواطنين في مناطق متفرقة من الأراضي الفلسطينية، مضيفًا أن 32% من هذه الاعتداءات استهدفت التجمعات البدوية المتمركزة في السفوح الشرقية والأغوار الفلسطينية، في تعمد مباشر لاستهداف التجمعات وإجبارها على الرحيل، ما يعد مخالفة جسيمة وخطيرة لأبسط قواعد القانون الدولي.
ولفت شعبان، إلى أن مجلس المستعمرات، بات يفرض غرامات باهظة بحق المواطنين في الأغوار من أجل التضييق عليهم ودفعهم إلى الرحيل، منوهًا إلى أنه منذ مطلع عام 2024 جرى فرض غرامات تصل إلى 430 ألف شيقل بحق مواطنين عقوبة لهم على رعي الأغنام في أراضيهم، مؤكدًا أن هذا الإجراء لا يعدو كونه واحدًا من مظاهر إرهاب الدولة الرسمي، وأداة من أدوات البطش بحق أبسط حقوق المواطنين الفلسطينيين.
ودعا أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجودهم إلى عدم التساهل مع تجرؤ ميليشيات المستعمرين وإرهابهم، وضرورة متابعة هذه الاعتداءات شعبيًّا وقانونيًّا من أجل إنفاذ الملاحقة القضائية، سواء أمام الجهات الرسمية الوطنية أم المنظمات الدولية، وجددوا مطالبتهم لكل مؤسسات وفصائل ونقابات وقوى العمل الوطني الفلسطيني بالوقوف أمام مسؤوليتهم الوطنية العليا باتخاذ إجراءات عملية ومباشرة من أجل الوقوف إلى جانب شعبنا في هذه التجمعات، لا سيما في الأغوار الفلسطينية و(مسافر يطا)، من خلال الانضمام وتفعيل لجان الحماية الليلية والوجود الجماهيري المتواصل.
الدعوة إلى كسر الحصار والإجراءات الاحتلالية في الضفة
وطالبت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بضرورة كسر الحصار والإجراءات الاحتلالية العدوانية التي تتعرض لها محافظات الضفة الغربية بشكل ممنهج ومستمر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإعلان حالة التعبئة الشعبية العامة لرفض كل ممارسات الاحتلال والخروج بالمسيرات في كل مكان تعبيرًا عن وحدة شعبنا في معركة الحرية وفي مواجهة الاحتلال.
وقالت الجبهة إنه قد آن الأوان لمواجهة كل هذه السياسات والاعتداءات الهمجية والتخريبية التي يقوم بها الاحتلال والتي تشمل محاولة دائمة من قبل هذا الاحتلال إلى تدمير كل ما تصل إليه جرافاته وآلياته العسكرية والتخريب الممنهج والمتعمد لكافة البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة، وأوضحت أن الاحتلال يواصل اجتياحه العسكري في العديد من المحافظات في جنين وطولكرم ونابلس وطوباس وقلقيلية والخليل، في ظل الإمعان بفرض العقاب الجماعي واستهداف أبناء شعبنا قتلًا وحصارًا وقهرًا في مدننا الأبية وفي مخيماتنا الصامدة وفي قرانا وبلداتنا الباسلة.
وناشدت الجبهة أبناء شعبنا البطل ضرورة عدم التسليم لهذه الإجراءات الاحتلالية العدوانية والمنافية لكافة القوانين الدولية، مؤكدة أن إرادة شعبنا لن تنكسر وأن شعبنا مصمم على حقه العادل والمشروع بالنضال من أجل حقوقه الوطنية الثابتة التي أقرتها الشرعية الدولية.
الحديث عن حق إسرائيل بالدفاع عن النفس موافقة على استمرار العدوان ومخطط التهجير
اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. أحمد مجدلاني، تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، التي قال فيها “إنه من حق إسرائيل شن حملة تستهدف المسلحين في الضفة الغربية لكن عليها الالتزام بالقانون الدولي”، تؤكد تقديم الدعم الكامل لدولة الاحتلال في عدوانها المتواصل على أبناء شعبنا، وأنها شريك للاحتلال في قتل الأطفال والنساء والشيوخ بأسلحة أمريكية، وأن كل الخطوات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن تجعلها شريكة للاحتلال، وتنزع الثقة والمصداقية، وتظهرها في حالة من التماهي مع جرائم الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة تجميل صورته من خلال تغيير وتزييف الوقائع بما يخدم تحقيق ذلك الهدف.
وأشار د. مجدلاني إلى أن رواية الاحتلال وتضليله للرأي العام بات واضحًا للجميع، وأن ما يقوم به الاحتلال في شمال الضفة الغربية وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة هو عبارة عن استهداف للمدنيين وتدمير للبنى التحتية وجعلها مناطق غير قابلة للحياة بهدف تنفيذ خطة التهجير القسري، مؤكدًا أن الحديث عن ما يسمى حق إسرائيل بالدفاع عن النفس وإنكاره على الشعب الفلسطيني بمثابة ضوء أخضر بقتل الأطفال والنساء وتهجير المواطنين من منازلهم، وبمثابة تشجيع على استمرار العدوان، داعيًا البعض إلى الكف عن سياسة الكيل بمكيالين تجاه قضايا حقوق الإنسان، وما نشهده هو عمل همجي تستخدم به كافة الأسلحة المحرمة دوليًّا ضد المدنيين العزل.
عملية الاحتلال في الضفة لن توقف مد المقاومة
قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن استمرار عملية الاحتلال العسكرية على محافظات الضفة الغربية وتركيز الاحتلال على طولكرم لن يفلح في وقف مد المقاومة، وأضافت حماس أن عدوان الاحتلال المتواصل يؤكد مخططاته ومطامعه بشأن تهجير السكان من الضفة وتطبيق خطة الضم.
وأكدت أن العملية العسكرية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية جزء من خطط إسرائيل للاستيلاء على أراضي الضفة وتهجير أهلها، وأن هذه العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي تأتي في سياق مخططه الرامي إلى الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية وطرد وتهجير أهلها منها.
وأكدت أن فشل الاحتلال في عدوانه على مدينتي طولكرم وطوباس (شمال) وغيرهما من المناطق بالضفة هي النتيجة الحتمية التي سيمنى بها من خلال عدوانه الحالي على جنين.
وتابعت أن مجازر الاحتلال وجرائمه وانتهاكاته في الضفة الغربية لن تنال من صمود شعبنا وقوة مقاومتنا، ودعت حماس الشعبَ الفلسطيني بكافة أطيافه إلى التوحد خلف خيار المقاومة، وتصعيد الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.
العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية تصعيد خطير
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن الحرب الإسرائيلية المتصاعدة في الضفة الغربية على مدن وقرى ومخيمات جنين وطولكرم وطوباس وغيرها من المدن الفلسطينية، إلى جانب حرب الإبادة في قطاع غزة، ستؤدي إلى نتائج وخيمة وخطيرة، سيدفع ثمنها الجميع.
واعتبر أن العدوان على شمال الضفة الغربية يأتي استكمالًا للحرب الشاملة على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، وهو تصعيد خطير تتحمل مسؤوليته سلطات الاحتلال والجانب الأمريكي، الذي يوفر الحماية والدعم لهذا الاحتلال للاستمرار في حربه ضد شعبنا الفلسطيني.
وأكد أن هذه السياسة التصعيدية وتدمير المدن وقتل المواطنين والاعتقالات والاستعمار، لن تجلب الأمن والاستقرار لأحد، وسيدفع الجميع ثمن هذه الحماقات الإسرائيلية، مطالبًا الجانب الأمريكي بالتدخل الفوري وإجبار سلطات الاحتلال على وقف حربها الشاملة على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، وعلى العالم التحرك الفوري والعاجل للجْم هذه الحكومة المتطرفة التي تُشكل خطرًا على استقرار المنطقة والعالم أجمع.