في أدبيات الحرب لا يوجد مصطلح الحرب الأخيرة ، ولكن المصطلح يستخدم هنا لدلالاته المجازية ، واللغوية في علاقة إسرائيل بغزة ، وتقوم هذه العلاقة من كون أن غزة باتت تمثل خيار المقاومة ، وتتواجد بها حركة «حماس» وغيرها من الحركات مثل الجهاد التي ترفض الإلتزام بما تم التوصل إليه من إتفاقات مع السلطة الفلسطينية ، وليس معنى هذا أن الخيار العسكري قاصر على غزة ، بل هو خيار إسرائيلي أساس في التعامل مع الكل الفلسطيني . ، ففي أعقاب عملية خطف ثلاثة مستوطنين قامت إسرائيل بما هو أشبه بعملية عسكرية كامله في الضفة الغربية .
ومن ألأخطاء الشائعة أيضا إقتصار خيار المقاومة على غزة ، وكأن الضفة الغربية لا خيار لها إلا التفاوض. إسرائيل تتعامل مع الحالة الفلسطينية كحالة كلية ، وإن كانت تولى غزة بأولوية الخيار العسكري . فالصورايخ تطلق من غزة ، وقيادة المقاومة موجوده في غزة ، وبالتالي تتحمل غزة المسؤولية الكاملة ، وحيث أن الخيار البديل لخيار المقاومة غير متوفر فلا يبقى الإ الخيار العسكري في علاقة إسرائيل بغزة ، وهو ما يفسر لنا قيام إسرائيل بحربين كاملتين على غزة في فترة زمنية قصيرة ، لا تقدر على تحملها دولا كامله. وفي هذا السياق لن يحول قيام حكومة مصالحة إسرائيل وشن حرب جديدة على غزة أحد أهدافها ضرب هذه المصالحة ، لكن يبقى التساؤل ما هى أهداف إسرائيل من أي حرب جديدة على غزة ؟ وما هي إحتمالاتها ؟ وما هو شكلها ؟
هذه التساؤلات تطرح وبقوة من جديد وخصوصا في أعقاب عملية الخطف وإكتشاف جثثهم، مما تسارعت معه تصريحات الحرب، ودفع حماس وغزة الثمن، هذا رغم أن الخيار العسكري مخطط وقراره متخذ حتى قبل عملية الخطف، لكن مثل هذه العمليات قد تسرع في قرار الحرب.
الأساس هو الخيار العسكري وإستدعائه يتوقف على ظروف ومعطيات داخلية وإقليمة ودولية .
وللوقوف على فهم السلوك السياسى لإسرائيل أن نؤكد على حقيقة أساسية وهي أن إسرائيل دولة قوة ، وتعيش في بيئة سياسية وأيدولوجية غير مقبولة ، أي بيئة طارده ، ولذا تقوم كل خيارات إسرائيل على الخيار العسكري ليس مع الجانب الفلسطيني بل والعربي أيضا، وهذا السلوك هو الذي يفسر لنا لماذا لا تريد إسرائيل السلام أو ترفضه لأنه يعني إلغاء لخيارها العسكرى وهو أساس عقيدتها العسكرية وأساس بقائها ووجودها.
وفي الوقت ذاته إذا كان الهدف من حرب إسرائيل على غزة أو أحد اهدافها إفشال المصالحة ، إذن من مصلحتها بقاء الإنقسام الفلسطيني ، وهو ما يعني بقاء حماس وغيرها في غزة ، لكن بشرط لا تشكل مصدر تهديد لها ، وهنا يأتي الهدف من الحرب القادمة على غزة كما الحربين السابقتين ، وهو ضرب البنية التحتية للمقاومة ، وسلبها قدرتها الردعية ، أو القدرة على الرد وصولا لأهداف سياسية تتمثل في حالة غزة في هدنة ليست مؤقته بل شبه دائمه .
وهنا قد تلعب دول عربية وغير عربية لها علاقة بإسرائيل في الوصول لهذا السيناريو ، لكن المفارقة أن هذه الدول لا تقدر على منع إسرائيل من الذهاب لخيار الحرب على غزة ، لكن دورها يأتي بعد الحرب. وأعود للتساؤل ثانية وهو سؤال كل مواطن في غزة : هل إقتربت الحرب على غزة ؟ وهل هذا هو وقتها؟
قد يكون من الصعب التنبؤ بوقت الحرب، لكنها خيار قائم وقد يحدث في أي وقت. لكن الظروف الحالية قد تكون أكثر ملائمة لإسرائيل لشن حربها الجديدة على غزة ، فأولا خطف المستوطنين الثلاثة وتهيئة الرأي العام في داخل إسرائيل وعالميا ،حتى على مستوى الأمم المتحدة بتقديم شكاوى من الصواريخ الفلسطينية ،وعربيا الحالة العربية منشغلة جدا بالحالة العراقية والتخوف من تمدد داعش ، وتفاقم ألأمور في سوريا ، وإنغماس إيران وحزب الله في الأزمتين ، وألأولوية هنا للعراق وسوريا وليس لغزة ، وأما بقية الدول العربية والمؤثرة كمصر فمنشغلة بقضاياها الداخلية ، وتثبيت الحكم ، ومواجهة تيارات العنف والإرهاب.
ودوليا هناك بروز ملفات دولية تعلو على القضية الفلسطينية ، وأما الحالة الفلسطينية فهي في أسوأ حالاتها رغم إتفاق المصالحة ، وإسرائيل من جانبها تحكمها حكومة يمينية متشددة يحكمها السلوك ألإستيطاني وهو ما يفسر لنا أن خطف هؤلاء المستوطنين لا يقل اهمية عن خطف الجنود. وبالحرب تعيد إسرائيل بناء المعادلة الفلسطينية بعد فشل المفاوضات ، وقد تخلق وضعا سياسيا يسمح لها بفرض رؤيتها للتسوية .
ولعل العامل الأهم الذي يدفع في إتجاه الحرب الموقف الأمريكي الذي يوفر مظلة حماية لإسرائيل ، وإقتراب إنتخابات الكونغرس النصفية . كل هذه العوامل تدفع في إتجاه الحرب، التي قد تكون إرهاصاتها ألأولى الوصول للمخطوفين أمواتا ، أو بإغتيال شخصية قيادية بارزه في غزة ، أو بإطلاق صاروخ يصيب هدفه المباشر.
وفي الوقت ذاته قد توجد عوامل تجمح قرار الحرب مثل التخوف من حراك شعبي في دول مجاورة ، وقد يمنح حركة ألأخوان فرصة ألإنطلاق من جديد، وفك الضغط المفروض عليها ولكن كل هذه العوامل السابقة لن تمنع إسرائيل من إتخاذ قرارها بالحرب على غزة .
ويبقى أن إسرائيل تملك القدرة على إيقاع خسائر كبيرة بشرية ومادية سيكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل غزة . هذا ما ينبغي إستيعابه من هذه الحرب التي لن تكون بجميع ألأحوال مصلحة وطنية فلسطينية ، وليست من مصلحة خيار المقاومة أيضا.
القدس دوت كوم