بيروت – أ ف ب: خسر “حزب الله” وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان اللبناني الجديد، وفق النتائج النهائية للانتخابات النيابية التي أعلنها وزير الداخلية، امس، والتي سجّلت دخول مرشحين مستقلين معارضين منبثقين من الانتفاضة الشعبية التي حصلت في 2019، إلى البرلمان للمرة الأولى، بحجم لم يكن متوقعا.
وأظهرت النتائج التي أعلن وزير الداخلية بسام المولوي الدفعة الأخيرة منها، امس، فوز لوائح المعارضة المنبثقة عن التظاهرات الاحتجاجية ضد السلطة السياسية التي شهدها لبنان قبل أكثر من عامين بـ13 مقعداً على الأقل في البرلمان الجديد.
و12 من الفائزين هم من الوجوه الجديدة ولم يسبق لهم أن تولوا أي مناصب سياسية، نشطوا خلال “الثورة” غير المسبوقة التي انطلقت في تشرين الأول 2019 واستمرت أشهرا، عبر تنظيم احتجاجات وتظاهرات والظهور في وسائل الإعلام والقيام بحملات على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الناس. وبينهم أساتذة جامعيون وناشطون بيئيون، وقد تميزوا بأسلوبهم المختلف تماما عن الأسلوب التقليدي للأحزاب والقوى السياسية التي تهيمن على الساحة السياسية في لبنان منذ عقود.
وأظهرت النتائج احتفاظ “حزب الله” وحليفته حركة أمل التي يتزعّمها رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه برّي، بكامل المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً) في البلاد، لكن حلفاءهما وبينهم التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون ونائب رئيس الحزب القومي السوري، خسروا مقاعد في دوائر عدّة.
وكان “حزب الله” المدعوم من دمشق وطهران والقوة السياسية الأكثر نفوذا في البلاد لا سيما لكونه الجهة الوحيدة غير الرسمية التي تمتلك ترسانة من السلاح، يسيطر مع حلفائه على سبعين مقعداً من إجمالي 128 في البرلمان المنتهية ولايته.
ولعل الصفعة الأقوى التي تعرض لها تكمن في خرق مرشحيْن، أحدهما أورثوذكسي والثاني درزي، للوائحه في المنطقة الحدودية الجنوبية التي تعتبر أحد معاقله، وهو أمر لم يحصل منذ العام 1992.
وقال النائب الدرزي المنتخب فراس حمدان لوكالة فرانس برس، “سيكون لنا تعاون مع كل الفائزين من ذات التوجه وعلينا أن نضع خطة عمل مشتركة. ثمة عمل كبير ينتظرنا وأداء سياسي جديد يجب أن نقدمه وممارسة جديدة يجب إرساؤها تكون فيها مشاركة للناس في صنع القرار.
ولم يتضح بعد العدد النهائي للمقاعد التي سيجمعها “حزب الله” مع حلفائه، لكنه لن يتمكن قطعا من الوصول إلى 65 مقعدا.
كذلك، لا يُعرف ما سيكون التموضع السياسي للمعارضين الجدد الذين ينتهج الكثير منهم خطابا مطالبا بتوحيد السلاح بين أيدي القوى الشرعية، لكن يركزون كلهم خصوصا على تطوير النظام اللبناني، وإصلاح القضاء، وتحديث البلاد، وبناء المؤسسات بعيدا عن المحسوبيات ونظام المحاصصة الطائفية.
وبالتالي، قد يتحالفون مع نواب آخرين من الأحزاب التقليدية دعمت “الثورة” إلى حد ما، وتكون لهم كلمة مرجحة في البرلمان.
في المقابل، تمكّن حزب القوات اللبنانية، خصم “حزب الله”، من زيادة عدد مقاعده مع حلفائه (من 15 إلى 19).
كذلك وصل إلى البرلمان مرشحون من الطائفة السنية من أبرز خصوم “حزب الله”، مثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي سابقا أشرف ريفي. وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي يترأس كتلة كبيرة في البرلمان المنتهية ولايته ويعتبر من أبرز زعماء الطائفة السنية، قاطع الانتخابات مع حزبه، تيار المستقبل.
وبالتالي، تؤشر النتائج المعلنة بوضوح إلى أن البرلمان سيكون في مرحلة أولى على الأقل، مشتتا، دون أكثرية واضحة، ما يمكن أن يزيد من شلل البلاد والمؤسسات في ظل أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة منذ أكثر من سنتين.
والانتخابات هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وبعد انفجار مروّع في 4 آب 2020 في مرفأ بيروت أودى بحياة أكثر من مئتي شخص ودمّر أحياء من العاصمة ونتج عن تخزين كميات ضخمة من مواد خطرة دون إجراءات وقائية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد أن الوضع الاقتصادي قد يلعب في صالح النواب الجدد الذين سيكون في إمكانهم للمرة الأولى ممارسة ضغوط من داخل البرلمان.
ويقول، “هذا سيخلق ضغطا سياسيا وشعبيا على قوى التغيير والإصلاحيين ليتعاونوا”.
وقال النائب المنتخب مارك ضو في مقابلات تلفزيونية، مساء الاثنين، إنه “سيتعاون مع كل الذين يشبهوننا” في طروحاتهم ومواقفهم.
وسيلقي الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله كلمة، الجمعة، يتوقع أن يعلّق فيها على نتائج الانتخابات.
لكن الحزب لم يتردّد منذ الاثنين، ببدء توجيه رسائل إلى النواب المعارضين له.
وقال رئيس كتلة الحزب النيابية محمّد رعد، امس، متوجها إلى المعارضين، “نتقبّلكم خصوما في المجلس النيابي، ولكن لن نتقبّلكم دروعا للإسرائيلي ومن وراء الإسرائيلي”.
وأضاف لقناة المنار التابعة لـ”حزب الله”، “انتبهوا لخطابكم وسلوككم ومستقبل بلدكم”، وأضاف، “لا تكونوا وقودا لحرب أهلية”.
وردّ أشرف ريفي عليه قائلا، “نحن لسنا عملاء لإسرائيل، أنت عميل لإيران”، داعيا إلى وقف لغة “التخوين”.
وخلال الليلة الماضية، أحرقت مجموعة من أنصار “حزب الله” ما يعرف بـ”قبضة الثورة” التي كانت عبارة عن لوحة ضخمة أقيمت في ساحة الشهداء في وسط بيروت.
ويقول المحلل السياسي سامي نادر لوكالة فرانس برس، “(حزب الله) والمحور الإيراني تعرضا لضربة، لكن هل سيمهد هذا للتغيير في لبنان؟ أشكك في ذلك”.
ومن أولى مهام المجلس النيابي الجديد انتخاب رئيس له ليخلف نبيه بري الذي يشغل المنصب منذ العام 1992، ويجمع كثيرون على أن استبداله سيكون صعبا رغم حجم الكتلة المعارضة لبقائه، وذلك لأن أي شيعي آخر لن يتجرأ على الأرجح في الترشح.
ثم تبدأ المهمة الأصعب المتمثلة بتشكيل حكومة. ويتمسك “حزب الله” بحكومة توافق تجمع كل الأطراف، بينما يقول المعارضون، إنه يجب أن تكون هناك أكثرية تحكم ومعارضة.