بقلم: عاموس هرئيل / السر المحفوظ نسبياً حتى الآن هو أنه لا يوجد في قطاع غزة قتال تقريبا. أنهت إسرائيل في الواقع وقف إطلاق النار بالقصف الجوي في 18 آذار الماضي، الذي جبى حياة حوالى 1400 فلسطيني، بينهم شخصيات رفيعة في “حماس” ومئات النساء والأطفال. ولكن منذ ذلك الحين لم يعد الطرفان حقا إلى القتال. يستخدم الجيش الإسرائيلي، في إطار مقلص، ثلاث فرق في القطاع. ولكن هذه الفرق سيطرت على مناطق محددة على المداخل، ولا تقتحم المدن المدمرة. ما زال معظم رجال الاحتياط ينتظرون في البيت أمر الاستدعاء، على الأقل في فترة عيد الفصح. أيضا لا تسارع “حماس” إلى زيادة الاحتكاك العسكري. يثور الشك بأن الطرفين يتوقعان تقدما جديدا في المفاوضات حول صفقة المخطوفين التي ستعفيهما، على الأقل بشكل مؤقت، من مواصلة الحرب.
الانطباع الواضح هو أن رئيس الأركان، إيال زامير، الذي بلور الخطط الهجومية الجديدة، يحذر التورط في صدامات يكون فيها عدد كبير من المصابين، على الأقل طالما لا توجد تعليمات مباشرة من الحكومة لإعادة احتلال القطاع. إسرائيل في الحقيقة مستعدة للاحتلال والتدمير والاحتفاظ بمدينة رفح كنوع من العقاب للفلسطينيين إذا فشلت المفاوضات. ولكن في هذه الأثناء يعتبر هذا تقدما زاحفا.
زار وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، قبل أيام، مداخل رفح مع عدد من المراسلين، وأكمل زيارة ثلاثية في أراضي سورية ولبنان والقطاع. تفاخر كاتس باحتلال مناطق جديدة: السيطرة على ممر موراغ في شمال رفح، الذي حسب قوله يعزز الحصار على المدينة. عمليا، كانت هذه عملية هجومية تحتاج إلى سرية على الأقل. في الوقت ذاته، يشرحون في الجيش بأن هدف العملية هو تصفية لواء رفح. ولكن الجيش الإسرائيلي أعلن في السابق تدمير اللواء وهزيمته في 12 أيلول الماضي، بعد أسبوعين على قتل “حماس” للمخطوفين الستة في نفق قرب الحدود مع مصر. فجأة، قمنا بتدمير لواء رفح وها هو فجأة يعود. ربما هذا بالذات كان لواء شردنغر، الذي هو موجود وغير موجود في الوقت ذاته.
تفسير هذه الظاهرة بسيط. ففي الأشهر التي تمت إضاعتها على مفاوضات عبثية، إلى حين فرض ترامب صفقة أولية على الطرفين، بدأت “حماس” في الانتعاش. فهي استكملت صفوفها بعشرات آلاف “المخربين” الجدد، في الواقع شباب مع تأهيل قليل، لكنهم يعرفون بما فيه الكفاية كيفية إطلاق النار من الكلاشينكوف أو إطلاق قذيفة “آر.بي.جي”. بدأت “حماس” بإعادة بناء منظومة إنتاج الصواريخ، ولن يكون مفاجئا إذا حاولت تشويش الحياة عشية العيد. ما زال زامير محقا في تشخيصه الأساسي. ستجد إسرائيل صعوبة كبيرة في التعايش مع نظام لـ”حماس” وراء الحدود في غزة، بعد فظائع مذبحة 7 تشرين الأول. ستزداد هذه الصعوبة إزاء عودة سكان آخرين إلى الغلاف. في شمال القطاع، ينشغل الجيش الإسرائيلي، الآن، في أعمال تدمير واسعة لمنع الفلسطينيين من العودة إلى المناطق التي توجد أمام البلدات الإسرائيلية القريبة من الجدار، من كيبوتس زيكيم وحتى ناحل عوز.
حتى الآن يتم فحص طريق بديلة للصفقة. أول من أمس، أعلن الرئيس الأميركي ترامب عن “اقتراب عودة المخطوفين إلى البيت”، وأن بلاده تجري اتصالات مع إسرائيل و”حماس” حول هذا الأمر. هذه الطريق يقودها مبعوث الرئيس، ستيف ويتكوف. في محادثات مستمرة مع عائلات المخطوفين رسم ويتكوف الاستراتيجية: عودة إلى المفاوضات على أساس الاقتراح المصري وبلورة مرحلة مؤقتة جديدة لإعادة المخطوفين. تعرض “حماس” إطلاق سراح خمسة مخطوفين أحياء في المرحلة الأولى، وتطلب إسرائيل 11. هناك أيضا خلافات حول مفتاح التبادل (كم هو عدد السجناء المهمين الذين سيتم تحريرهم مقابل كل مخطوف)، ومدة وقف إطلاق النار (50 – 70 يوما). ولكن ما يريد ويتكوف ضمانه هو ما سيأتي لاحقا: وضع الطرفين على المسار الذي سيتقدمان منه إلى اتفاق حول إنهاء الحرب وتحرير جميع المخطوفين والجثامين. بعد ذلك يُنتظر اقتراح آخر لمصر، الذي نتنياهو بدعم من ترامب غير مستعد أبدا لمناقشته الآن. تتحدث القاهرة عن سيطرة نظام بديل في القطاع على شكل حكومة تكنوقراط مع تواجد عسكري عربي وتقليص قوة “حماس” العسكرية.
كم هو مهم لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ضائقة المخطوفين، هذا كان يمكن رؤيته مرة أخرى في هذا الأسبوع عندما تمت في تغريدة رسمية لمكتبه تسمية عمري ميران من ناحل عوز “المخطوف الهنغاري”، بدون تكليف انفسهم عناء ذكر اسمه. ولكن ليست مشاعر نتنياهو هي التي ستحسم مصير الصفقة واستمرار الحرب، بل الخوف. الآن، بفضل تمرير الميزانية وصفقات سياسية مشكوك فيها فإن حكومته ما زالت مستقرة نسبيا. بعد ذلك ربما سيضطر إلى مواصلة المناورة بين طلبات متناقضة للوزير بتسلئيل سموتريتش من جهة، وترامب من جهة أخرى. يجب الأمل أن ترامب ما زال يخاف اكثر.
رد خطير
رجال الاحتياط في سلاح الجو، الذين وقعوا على العريضة التي تطالب بإعادة جميع المخطوفين على الفور حتى بثمن الوقف الفوري للحرب في غزة، تبادلوا فيما بينهم عدة صياغات، مؤخرا. الصيغة النهائية، التي نشرت، أول من أمس، هي صيغة مخففة جدا. وهي لا تشمل إشارة إلى نية التوقف عن الخدمة كاحتجاج. عمليا، الـ 1000 موقع، رجال الطواقم الجوية، تقريبا 90% هم ضباط احتياط لا يخدمون بشكل نشط في الاحتياط. تضمنت الرسالة وبحق انتقادا كبيرا لمواصلة الحرب مع مقولة “مبررة” وهي أن كل يوم آخر يعرض حياة المخطوفين للخطر.
الموقعون لديهم موقف معقد، اعتبر ذات يوم مفهوما ضمنا. جندي الاحتياط يمكنه فقد الثقة بأهداف الحرب الكبيرة كما وضعتها الحكومة، وفي الوقت ذاته مواصلة الخدمة من خلال الشعور بالالتزام. وهو يستطيع، عندما يكون خارج الخدمة، أن يعبر علنا عن هذا الاختلاف. ولكن قائد سلاح الجو، الجنرال تومر بار، بدعم رئيس الأركان زامير، قرر اعتبار هذه الأقوال تعبيرا عن عدم الثقة به هو نفسه وبالقيادة العليا في السلاح. أعلن بار وزامير، أول من أمس، بعد نشر الرسالة أن رجال الاحتياط، الذين وقعوا على العريضة، ستتم إقالتهم. كما هو متوقع سارع نتنياهو وكاتس إلى مباركة ذلك.
لكن عمليا هذا رد لا حاجة إليه على رسالة لا تتضمن حتى أي ظل من الرفض، وهو مبرر بذريعة ليست ذات صلة تقول، “لن نعود إلى الوضع في 6 تشرين الأول”. عمليا، الطيارون، الذين في أغلبيتهم الساحقة هم طيارون سابقون، قاموا حسب رأيهم بخطوة احتجاجية محسوبة في ظروف غير محتملة. ليس فقط أن رد الجيش يمكن أن يخلق أزمة اكثر عمقا، تقريبا لم تكن موجودة، بل يتجاهل كليا ما يغضب الموقعين، وهو تنكر الحكومة للمخطوفين، والهجوم منفلت العقال والمستمر لنتنياهو على أجهزة الأمن، وتراجع مصداقية الموقف الإسرائيلي، بعد أن تم ضبط الجيش الإسرائيلي وهو يكذب بشكل صارخ في قضية قتل عمال الإغاثة في القافلة الطبية في رفح. بدلا من التصرف كما لو كان سموتريتش وأوريت ستروك وعميت سيغل في غرفة القيادة، فإنه كان من الأفضل لو أن بار تبادل بضع كلمات مع أسلافه في هذا المنصب.
هدف ذاتي مدهش
عندما أراد نتنياهو للحظة في بداية الشهر تعيين الجنرال احتياط إيلي شربيط في منصب رئيس “الشاباك”، كان هناك شخص واحد على الأقل رد على الفكرة بشكل إيجابي وهو رئيس الجهاز الحالي، رونين بار. فقد اعتقد أنه ربما توجد هنا طريقة لحل العقدة في المواجهة مع رئيس الحكومة. رئيس الأركان السابق، عضو الكنيست غادي أيزنكوت (المعسكر الرسمي)، وجهات رفيعة أخرى متقاعدة، سارعت إلى نشر بيانات تمتدح شربيط. أيضا بار تولد لديه انطباع جيد مما سمعه. هو أعد نفسه لتسليم المهمة لشربيط، وفحص الانسحاب من المواجهة مع نتنياهو، التي بررها بالأساس بالخوف من تعيين شخص غير جدير ليحل مكانه. ولكن بعد بضع ساعات ظهرت مشكلة. ففي محيط نتنياهو تمسكوا بصورة شربيط أثناء تظاهره في شارع كابلان وهو يحمل العلم. ثارت عاصفة وتم إلغاء التعيين. النهاية معروفة: ارسل بار إلى المحكمة العليا قبل مناقشة الالتماسات التي تم تقديمها ضد إقالته، وثيقة مدهشة قدم فيها التفاصيل الأولية لإثبات ادعائه بأن نتنياهو حاول استغلال “الشاباك” بشكل غير لائق لأغراض سياسية.
في الجلسة ذاتها، الثلاثاء الماضي، سجل محامي رئيس الحكومة، تسيون أمير، هدفا ذاتيا مدهشا عندما اتهم بار بأنه “لم يعمل ضد رافضي الخدمة”، أي رجال الاحتياط الذين هددوا بإلغاء التطوع في الجيش احتجاجا على سن قوانين الانقلاب النظامي. يبدو بشكل واضح أن القضاة تفاجؤوا، لكن على الأقل حصلوا على تذكير بالعواقب الخطيرة المترتبة على تعيين رئيس “الشاباك” من قبل الحكومة. بخصوص بار يمكن الافتراض أنه تضرر من السهولة التي ردد فيها ممثل رئيس الحكومة في قاعة المحكمة نصوص ماكينة السم، التي تتهم رئيس الجهاز الذي اهمل بشكل متعمد علاج التحذير من هجوم لـ”حماس” عشية 7 تشرين الأول. ترددت الاتهامات أيضا في حفنة البيبيين في أوساط الجمهور، الذين فرضوا أجواء جامحة ومسممة بشكل خاص في القاعة وخارجها.
ليس فقط أن القضاة قاموا بتأجيل الإقالة، بل أيضا اصدروا تعليمات للحكومة وللمستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، اللذين يقفان في هذا النقاش على جانبي المتراس، بمحاولة بلورة اتفاق بديل بشأن مغادرة بار حتى 20 الشهر الحالي. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فإن بار يمكنه تقديم تصريح للمحكمة العليا خلال أربعة أيام بعد هذا التاريخ. هذه أداة ضغط جوهرية ضد نتنياهو، الذي بالتأكيد لا يريد أن تتضح تفاصيل محرجة من ناحيته، إضافة إلى الادعاءات التي طرحها بار وأسلافه في المنصب، نداف ارغمان ويورام كوهين، سابقا.
تلميحات المحكمة العليا لنتنياهو واضحة: من اجل مصلحتك حاول التوصل إلى حل وسط. القضاة سمحوا له بمواصلة مقابلة مرشحين لاستبدال بار. ولكن يجب عليه ألا يستكمل إجراء الإقالة نفسه. من التلميحات التي نثروها من المرجح أنه في المستقبل سيتم نقل مواصلة النقاش إلى لجنة تعيين رجال الدولة الكبار برئاسة القاضي المتقاعد آشر غرونس. يمكن الافتراض أنهم سيحذرون من إبعاد بار عن منصبه طالما أنه يتم التحقيق في الاشتباه الذي يتعلق بالعلاقات المالية بين مستشاري نتنياهو وقطر. بكلمات أخرى، ربما أن التمرين النتن لرئيس الحكومة ضمن لبار بضعة اشهر أخرى في المنصب. هذا لا يعتبر وضعا مرغوبا فيه، بالمناسبة، لأن العلاقة بينهما سيئة جدا، لكن ذلك افضل من تعيين وريث خاضع ومقصوص الأجنحة في هذا المنصب، ناهيك عن تجاهل الإجراءات.
في الخلفية، تم تسجيل نشاطات محمومة لحسابات “اكس” (تويتر سابقا)، تتحدث باللغة العبرية في هذه القضية. هناك عدد من الحسابات التي تنشر بشكل ثابت اتهامات وتقديرات، واحيانا مؤامرات، حول عمق اختراق قطر لمكتب رئيس الحكومة والقطاع التجاري في إسرائيل. في السابق، عندما نشرت اتهامات ووثائق لم يتم إثباتها بشأن نتنياهو وقطر، تم نسب جزء من النشاطات لمحاولات تأثير أجنبية، ربما من اتجاه جيران قطر في الخليج. هذه المرة، حسب مستوى الصياغة وعمق التجربة، يبدو أن الأمر يتعلق بمتحدثين باللغة العبرية في الداخل. هذه حملة تأثير، للمرة الأولى ترد على حرب نتنياهو والحسابات الوهمية بأدوات متماهية بالأساس معهم.
عن “هآرتس”