هي أيام مضت بينما ذكرياتها بقيت في الذاكرة ، أعيد تطريزها مع خبر لم أكن أتوقعه بهذه القسوة ، خبر وفاتك أيها الشاعر صديق المحرومين على الأرض المائلة نحو النكران ، صديق لشعب أحببته كما أحببت أمطارك الشعرية في قاعة ‘حزب التجمع الوطني الوحدي التقدمي’ وأنت تعبر بكل تواضع عن مشاعرك تجاه فلسطين ، وشعراءها الذين قدموا إليك ملبين دعوة كريمة ، أردتّها ليوم الأرض الفلسطيني في عام 2007م ، كانت القاعة مثلك مفعمة بالنشاط والمحبة ، ولكنك كنت الأكثر تلذذاً بحدسك وحسك العشري الراقي ، وأنت تسمع لشعراء فلسطين ، وتغمز في أذني عن بعض ملاحظاتك الخفيفة ، وتمسح خوفي من انتقادك الأدبي بابتسامة ساحرة ، تبعث للقلب ما يطمئن .
حلمي سالم ، الشاعر والمثابر والقومي العربي الذي أرادها أمة واحدة من محيطها إلى خليجها ، فتح صندوقه الوجداني في يوم ماطر وعاطر بللت أشواقه لتحرير فلسطين ، فاندفع بنبرة صوته وقلبه ينط كأسد جسور بين السامعين ، وهو يهدر بكلمات أرادها قنابل مضادة للملل والضجر ، ومفجرة لكسل عروبيِّ دبّ في عروق الأمة ، فضاعت فلسطين ، في أكوام الهموم المحلية ، فإذا ما سمعت حلمي سالم وهو يتحدى العدو الغاشم باللغة والقصيدة ، تدرك أن فلسطين ليست همّ الفلسطينيين وحدهم ، بل هي مرض البعض العربي الأصيل الذي شعر في لحظة أنه سبباً من أسباب ضياعها ، فقام ليعبر عن رفضه لأي تخاذل بحق فلسطين.
اليوم .. مات حلمي سالم ، الشاعر العربي القومي الكبير ، وتلاشى صوته في قاعة ‘حزب التجمع الوطني الوحدوي التقدمي’ ومسح الحاني كراسي الزائرين ، وأغلقت الكراريس دمع المودعين ، وبقيت فلسطين أكثر جرحاً ونزفاً ، وبقي شعراء فلسطين أكثر صمتاً ، من أي وقت سبق ، ولكن سيبقى حلمي سالم المنادي المطارد في فلاة الأرض ، يلعن المتخاذلين ، ويقرع طبول النخوة لتحرير فلسطين.
مات حلمي سالم أو بات أسير الغياب الأبدي ، وبقينا من بعده نهدر حباً له ،ولكل ما فعله من أجل اللغة العربية وآدابها ، لتجرح المغتصبين ، وتهمش رأس كل متخاذل أثيم ، يحق لحلم سالم أن يرتاح ، ويحق لنا أن نذكره بأبدية إبداعه ونهجه الشعري الرزين .
رحم الله حلمي سالم ، ودمعة للنيل العظيم .