ليس سوى حراك نقابي ومطلبي عادل ومشروع، يخوضه المعلمون الفلسطينيون للمطالبة بحقوقهم العادلة التي تمثل الحد الأدنى المطلوب لتعزيز الحياة الكريمة للمعلم الفلسطيني، فلا داعي لنهج الأستاذية على معلمينا، أيقونة الأستاذية، حيث وصلت الأمور الى مستوى الأزمة الحقيقية، في ظل عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها اتجاه مطالب المعلمين التي تم ابرام اتفاق بشأنها مع الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، هذا الاتحاد الرئيسي الذي يمثل المعلمين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، كونه مؤسسة وطنية وأحد الاتحادات الشعبية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
الأزمة تتعمق مع استمرار المعلمين بحراكهم النقابي والمطلبي وتوسيع دائرة فعلهم وتأثيرهم على المشهد ككل، مع خوضهم الاضراب عن العمل بشكل جزئي في المدارس، مع تأكيدهم بأن اتحاد المعلمين لم يقم بدوره النقابي كما يجب أن يكون عليه الحال كممثل لهم وعنوان ومظلة تجمعهم في اطاره كتنظيم نقابي للمعلمين، وقد خاض المعلمون نضالهم للمطالبة بحقوقهم الأساسية التي يجب تلبيتها وعدم التذرع بالأزمة الاقتصادية أو غيرها من الأزمات، وبناء أسس الشراكة الوطنية لصياغة أي قرار، فرواتب وحقوق المعلمين يجب أن لا تكون خاضعة لأي اعتبارات لا يرى المعلم فيها سوى اجراءات لإعاقة تنفيذ ما اتفق عليه من قبل مع اتحاد المعلمين، فهي وسيلة للانتقاص من حقوق المعلمين مما جعل مجموعات المعلمين تخرج عن صمتها وتقول كلمتها في أتون حراكها النقابي والمطلبي، وهذا حق طبيعي ومشروع ومنسجم مع الحقوق والحريات النقابية التي نؤمن وننادي بها .
وفي خضم المعركة النقابية للمعلمين، ومحاولات البحث عن أجسام نقابية بديلة عن اتحاد المعلمين، والدعوة لتشكيل نقابة للمعلمين، ومع التزامي التام بموضوعي الحريات والحقوق النقابية وحق التنظيم النقابي وفقاً لاتفاقيات العمل الدولية، الا أنني أرى الضرورة الوطنية في ظل واقعنا السياسي وكوننا ما زالنا في مرحلة التحرر الوطني التي تتداخل فيها المهام الوطنية مع مهمات التحرر الاجتماعي والاقتصادي وبناء مؤسسات الدولة ومواصلة المعركة الأساسية المتمثلة بمقاومة الاحتلال وافشال كافة مشاريعه التصفوية، بالعمل على اعادة تنظيم الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، على أسس ديمقراطية، ووفق قاعدة التمثيل النسبي وضمان استقلاليته، وتمكينه من القيام بدوره في الدفاع عن قضايا ومصالح وحقوق المعلمين خدمة لدورهم في المجتمع الفلسطيني، وكذلك تنظيم وتطوير دور نقابات العاملين في الجامعات والمعاهد العليا، من أجل الدفاع عن حقوقهم المهنية، ورفع مستواهم المعيشي والحياتي، وتطوير كفاءاتهم المهنية والعلمية والأكاديمية.
اننا نؤكد على أهمية قطاع التعليم ومكانته باعتباره الشريحة المهمة في بناء المجتمع الفلسطيني، وكذلك على الدور الطليعي للمعلم في بناء الشخصية النضالية للشعب الفلسطيني وتربية الأجيال الصاعدة تربية وطنية تخدم أهداف وتطلعات شعبنا، ومن هنا فالمطلوب وضع قضية حماية المعلم على رأس سلم الأولويات من خلال تشريعات وقوانين لحماية المعلم، وعدم الاعتداء على المعلمين وعلى المؤسسات التعليمية، للحفاظ على قيمة المعلم ومكانته ودوره في بناء الأجيال ومؤسسات الدولة الفلسطينية، فالمعلم الفلسطيني يمثل شعلة العطاء والعلم والمعرفة، وله بصمات مضيئة وجليلة في نشر ثقافة التعليم والمعرفة، ليس بفلسطين فقط، بل له الفضل على العديد من البلدان العربية.
وان من ضرورات معالجة الأزمة القائمة والمتفاقمة أن يتحمل الجميع المسؤولية، وأن ندير حوارات جدية ومتكافئة، فالأساس أن تكون هناك خطة وطنية واستراتيجية تأتي استجابة لمخرجات حوار وطني ونقابي شامل ومسؤول، يضع قضية المعلمين كأولوية أمام الحكومة الفلسطينية وأمام وزارة التربية والتعليم التي يجب أن تكون أكثر التصاقاً بقضايا ومطالب المعلمين وأن تكون الى جانبهم في طرح قضاياهم على مستوى مجلس الوزراء وعلى كافة المستويات، بما يضمن تحسين ظروف المعلمين المعيشية، ومناقشة ملف رواتبهم بطريقة مهنية وعادلة ومواكبة لتطورات الواقع الاقتصادي ومستويات غلاء المعيشة وتآكل قيمة الأجور، بحيث يتطلب الزيادة الفعلية والملموسة على الرواتب ووضع أسس نظامية وقانونية باعتماد التعليم كمهنة راسخة الهوية مع مأسسة مسألة الحقوق والواجبات وعلى قاعدة العدالة العامة لتشمل كافة المعلمين وكافة التخصصات في قطاع التعليم.
نقف مع المعلمين في نضالهم المطلبي، ومع حقوقهم ومع حريتهم النقابية، ولا نقبل ولن نقبل أي تنمر على المعلم، أو أي تطاول على تاريخ ومنجزات المعلمين المشهودة، وبكل تأكيد المعلمين لديهم من القدرة والتجربة المكرسة بما يؤهلهم لقيادة وتنظيم أنفسهم، ولا داعي لفرض أي وصاية عليهم فهم أكبر وأعلى من أية وصاية مهما كانت