تُسبب متابعة صفحة “مفوضية التعبئة والتنظيم” في حركة فتح، على شبكة الإنترنت، شعورا بالحيرة؛ أو ربما لا داعي للحيرة، فالحالة متكررة.
يتصدّر أخبار الصفحة: “الرئيس: إسرائيل تريد الفوضى ولن ننجر لمربعها”. والخبر الثاني عنوانه: “فتح في السجون تدعو لتصعيد الهبّة الجماهيرية ضد الاحتلال”. وَجدَت قاعدة حركة “فتح” في الشهيد عرفات جرادات ابنها الذي يواصل دربا طويلا من المواجهة والتضحيات. وهناك إشارات لعضويته أو قربه من كتائب شهداء الأقصى التي كانت الذراع العسكرية للحركة. وعلى صفحة مفوضية التعبئة صورة مُلصق جاء فيه: “تزف حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح، مفوضية التعبئة والتنظيم، ابنها الأسير القائد الشهيد عرفات جرادات”.
أصدر الرئيس محمود عباس، رئيس “فتح”، وعضو اللجنة المركزية الدكتور نبيل شعث، والناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة، والمفوض السياسي العام والناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية اللواء عدنان ضميري، تصريحات يُفهم منها التوافق على وقف “التوتر”، باعتبار ما يجري فخا إسرائيليا؛ وهو ما لا يحمل سوى معنى واحد: ضرورة الحدّ من الهبّة الجماهيرية. وعلى العكس، تشير بيانات الأُطر الفتحاوية إلى اتجاه آخر.
في اجتماع قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية قال الرئيس عباس: “سياسة الاحتلال هي العمل على توتير الأوضاع، وجرّ المنطقة إلى مربع الفوضى”. وقال بمناسبة تكريم شهداء مركز الأبحاث الفلسطيني، العام 1982: “إن الجانب الإسرائيلي يريد الفوضى من خلال قتل الأطفال”؛ وقال: “نحن نعرف كيف سنتصرف، ولن نسمح لهم (الإسرائيليين) بجرّنا إلى مربعهم، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية”. ولكنه شدد أنّ “قضية استشهاد الأسير جرادات لا يمكن أن تمر ببساطة”، وقال: “لن نسمح بأن يبقى أسرانا في سجون الاحتلال طوال حياتهم”. أمّا بيان أسرى “فتح” أنفسهم، فناشد “كل جماهير شعبنا الأبية بعدم وقف الهبّة الجماهيرية المشرفة، بل وتصعيدها أكثر فأكثر لأن الاحتلال لا يفهم لغة المفاوضات الهادئة”. ودعا البيان “كل فصائل العمل الوطني لإشعال الحراك الجماهيري”.
بدوره، قال د. نبيل شعث: إن هناك تخوفا دائما لدى القيادة من تدهور الأوضاع الميدانية، رغم أن حالة الغضب في الشارع الفلسطيني مبررة وسببها الاستفزازات الإسرائيلية. وأضاف: “لا أعتقد أن أحدا في القيادة الفلسطينية يخطط لانتفاضة ثالثة. لكن ما تقوم به إسرائيل يفجر الغضب في كل مكان في العالم”. أمّا بيان شبيبة “فتح”، فشدد على استمرار المقاومة الشعبية وتصاعدها، وتوسيع نطاقها لتشمل كافة أماكن الاحتكاك مع المحتل.
اللواء عدنان ضميري، قال إن ما يُنظِّر له (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو وجنرالات الاحتلال حول انتفاضة ثالثة، يمثّل رغبتهم وأمانيهم في اندلاع العنف للخروج من أزمتهم السياسية، وموقفهم اللاأخلاقي من الشرعية الدولية. أمّا مفوضية الإعلام والثقافة في “فتح”، فباركت في بيانها “الهبّة الشعبية في الوطن والشتات المتضامنة مع الأسرى والمدافعة عن حقهم الأصيل بالحرية”.
وبينما نقلت الإذاعة الإسرائيلية “ريشيت بيت” عن عضو مركزية “فتح” جبريل الرجوب قوله إن “اليمين في إسرائيل لن يجرّ الفلسطينيين إلى سفك الدماء”، وإن “الفلسطينيين لن يبادروا إلى انتفاضة ثالثة”، حيّا بيان المجلس الثوري للحركة، المقاومة الفلسطينية “وفي المقدمة أبناء حركة فتح وكتائب شهداء الأقصى الذين يدافعون بكل قواهم وإرادتهم وإمكانياتهم عن كرامة الشعب الفلسطيني والأمة العربية”.
هناك إذن لغتان في “فتح”. والسؤال: هل هذا نوع من التنوع الخلاّق وتوزيع الأدوار؟ يَصعُب تقبل هذا. والأرجح أنّ قاعدة “فتح” تعيش هاجسا وتاريخا اعتادت فيه على تقدم الصفوف، وتتذكر مثلا أنّها تربت وهي تسمع أنّ خليل الوزير هو “أول الرصاص أول الحجارة”.
لا أحد يحب استشهاد الأطفال، أو يستعذب المعاناة التي تنشأ عن انتفاضة وحرب جديدة. ومحاذير الانزلاق في تكتيكات خاطئة مفهوم. وسيكون من الرائع لو وُجدت معادلة لتحقيق الحقوق بدون ذلك. ومن هنا، فإنّ قيادات “فتح” التي أعلنت مواقفها بوضوح ضد “الانجرار”، مطالبة بأن توضح خطتها العملية، وأن توحد خطاب الحركة، حتى يراه العالم في بيانات تتضمن برامج عمل يوميّة. أمّا الآن، فنحن أمام بوصلة باتجاهين، أو خطاب برسائل مربكة.
الغد الاردنية .