تفاقم خيبة الإسرائيليين من عدم نجاح أجهزتهم الأمنية، حتى بعد مرور أسبوع، على اكتشاف طرف خيط يقود إلى معرفة مصير الإسرائيليين الثلاثة المختطفين في الضفة الغربية.
ومع ذلك يحاول القادة السياسيون، عبر استعراضات عسكرية واسعة، إبلاغ المجتمع الإسرائيلي وأهالي المخطوفين بوجود تقدم في التحقيقات. وفي هذه الأثناء يبدو أن الحملة العسكرية تستنفد أغراضها، ويتحول الجهد الرئيس إلى الجانب الاستخباري الذي يشيع البعض أنه معركة عقول بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والنشطاء الفلسطينيين.
وقد أبلغ وفد من أهالي المستوطنين المفقودين وسائل الإعلام بعد لقائهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنهم حصلوا على انطباع منه بوجود دلائل على أن أبناءهم على قيد الحياة. لكن كل القيادات العسكرية تتحدث عن أنه ليست هناك دلائل، وأن فرضية العمل هي أنهم أحياء، لكن هذه الفرضية تضعف كلما طال وقت العثور على دليل حياة.
وتواصل أجهزة الأمن الإسرائيلية مداهماتها للمدن والقرى الفلسطينية، حيث اعتقلت حتى الآن حوالي 350 من النشطاء، غالبيتهم من حركة «حماس»، وفق النظرية التي تقول بأن «حماس» تقف خلف الاختطاف. وبعد أن كانت تقول إن أمر تنفيذ العملية جاء في خطاب علني لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل، أصبحت تقول إن من يقف وراء العملية هو مسؤول ملف الأسرى في الحركة صالح العاروري، المقيم في تركيا. لكن «حماس» وكثيراً من المعلقين يعتبرون أن الاتهام سياسي وأنه انتقل، أيضا لأسباب سياسية، من السلطة إلى «حماس».
إن الرغبة في تغطية العجز تدفع الجيش الإسرائيلي إلى محاولة إعلان كل جهد يبذله في الضفة الغربية وغزة بتوسع للقول بأنه لا يدّخر جهداً. ويعلن المتحدثون باسمه أنه لم يسبق للجيش أن قام بمثل هذه الحملة في الضفة الغربية منذ اجتياح مدن الضفة في العام 2001 تحت اسم «عملية السور الواقي». وتقريباً في كل ليلة يداهم الجيش الإسرائيلي أحياء وقرى ومخيمات بكاملها، من جنين إلى الخليل مروراً بنابلس ورام الله وبيت لحم. ويسمي الخبراء هذا النمط من العمليات بأنه «جز العشب»، لكن الجيش نفسه يبين أن الغاية هي إشعار الفلسطينيين أنه لن يهدأ لهم بال، ولن ينعموا بالنوم ما دام مصير المختطفين مجهولاً.
وكتب المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل أنه «كلما كان الإنجاز الأساسي المطلوب يتأخر تتعاظم الحاجة، لدى القيادة السياسية ولكن بقدر ما العسكرية أيضا، لعرض إنجاز بديل. وهكذا ولدت المعركة ضد حماس ومعها اجتياحات مكاتب الجمعيات الخيرية، اتحاد الطلاب و«محطات الإذاعة». واعتبر أن صلة هذه وأكثر من 300 معتقل بالإرهاب محدودة لكن «إغراق الضفة بقوات الجيش جاء لزيادة الشعور بالأمن لدى المستوطنين وبث الفعل العملياتي. أما صلته بإيجاد الخاطفين فهي هزيلة. هذه الجهود تجري أساسا في المحور الذي بين المخابرات، شعبة الاستخبارات في الجيش والوحدات الخاصة، وتتركز بقدر ما هو معروف في منطقة الخليل».
وفي الوقت الذي اتهم فيه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إسرائيل بالمبالغة في ردها على قضية اختفاء المستوطنين، مشيراً إلى انه لم تثبت بعد مسؤولية «حماس» عن اختفائهم، استشهد الفتى محمد دودين (14 سنة) برصاص جنود الاحتلال، وجرح اثنان، في بلدة دورا جنوب الخليل.
وفي كل حال فإن المعركة، وفق كل المعطيات، تتحول إلى «حرب أدمغة» ينتظر فيها جهاز «الشاباك»، المسؤول الإسرائيلي الأول في هذه المعركة، الخطأ الأول من منفذي الاختطاف. وكتب المعلق الأمني لموقع «والا» أمير بوحبوط أن فرضية العمل تفيد بأن المنفذين لم يخرجوا بغنيمتهم من منطقة الخليل إلى غزة أو الأردن أو سيناء كما افترضوا سابقاً، ولذلك فإن الخيبة عميقة في صفوف «الشاباك» جراء شعوره بالهزيمة، على الأقل حتى الآن، على ملعبه وبين جمهوره من المستوطنين. ونقل عن مصدر أمني رفيع المستوى قوله إنه «يمكن أن تقع أخطاء في كل ما لبني البشر شأن به. ونحن بانتظار خطأ صغير واحد، أو أن يفتح أحد ما فمه، من أجل إنهاء المسألة. وهذا سيحدث آجلاً أم عاجلاً».
ونظراً لأن الخطوات القمعية الإسرائيلية في الضفة تتكرر في دورات زمنية مختلفة، فإن البعض يؤمن أن القيادة السياسية والعسكرية لم تستفد من عبر الماضي، وأنها تكرر الأخطاء ذاتها. وربما، وبرغم ما يقرب الإجماع في إسرائيل، هناك من يدعو القيادة السياسية إلى التعقل وعدم إشاعة أوهام بإمكانية تحقيق انتصارات سريعة أو أهداف كبيرة. وطالب كثر بقصر الجهد الأساسي على البحث عن المفقودين حتى لا يضيع هؤلاء في حمى السعي لتحقيق أهداف بعيدة المدى قد لا تتحقق.
وفي هذا السياق، أشار عدد من المعلقين، بينهم مقربون لحكومة نتنياهو، في صحيفة «إسرائيل اليوم»، إلى وجوب التعامل بعقلانية والحيلولة دون تدهور الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويشير هؤلاء إلى أنه ينبغي على إسرائيل، في حمى معركتها في الضفة، ألا تنسى أن الصدام مع غزة يعني صواريخ على تل أبيب. ويعتقد هؤلاء أن مثل هذه الصواريخ على تل أبيب قد تفاقم الانقسام بين «الدولتين في إسرائيل»: دولة المستوطنات ودولة تل أبيب. وكانت تحليلات أكدت أن غالبية الإسرائيليين في تل أبيب لا يهتمون بما يجري في الضفة الغربية، خصوصاً مع المستوطنين، بل إن كثيرين منهم يعتقدون أن كل ما يجري ضد المستوطنين، مبرر.
ورغم الحملة التي شنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس على مختطفي «الشبان» من دون أن يتهم «حماس»، فإن مياهاً عكرة كثيرة جرت في اتفاق المصالحة، الذي تحول إلى تبادل اتهامات. وتشعر «حماس» أن التنسيق الأمني القائم في الضفة الغربية مع إسرائيل حالياً منح الفرصة لمعارضي المصالحة من حركة فتح وسواها لتوسيع الشرخ معها. ولكن نتنياهو لا يريد أن يبقى الشرخ شرخاً، بل يريد توسيعه، لتمر إسرائيل من خلاله، وهذا معنى تأكيده أن المطلوب من عباس إبعاد «حماس» (نفوذها) عن الحكومة الجديدة.
لكن لا يبدو أن حماس في وارد البقاء مكتوفة الأيدي، لا في الضفة ولا في القطاع. وقد أطلق أكثر من مسؤول في الحركة، ليس آخرهم المتحدث باسمها سامي أبو زهري، تحذيرات بهذا الشأن، متوعداً الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو.
وفي نظر البعض، حتى في إسرائيل، فإن هذا التحذير يستند إلى أساس. فنجاح عملية الاختطاف، والتأييد الشعبي الفلسطيني لها، تثير مخاوف لدى الإسرائيليين مما يسمونه بـ«خطر القدوة» وهو خطر قيام شبان على عاتقهم باستسهال تنفيذ عمليات اختطاف في الضفة وهو ما يكفل تعميق الأزمة الراهنة. كما أن لا شيء تقريباً يمنع «حماس» من اللجوء إلى الرد على ما يجري في الضفة بعملية غزاوية، أساسها إطلاق صواريخ ليس على سديروت وعسقلان وإنما أساساً على تل أبيب، وهذا يشكل تحدياً لحكومة نتنياهو التي تعجز عن بلورة موقف واضح من التصعيد، الأمر الذي دعا معلقين إسرائيليين إلى القول بأن نتنياهو، ورغم تصريحاته الحماسية والكبيرة، إلا أنه يتجنب تصعيداً عسكرياً مع قطاع غزة.
وبديهي أن تخوف نتنياهو من التصعيد في القطاع لا يكمن أساساً في عدم توفر القدرات العسكرية لديه لكنه يكمن في السؤال الجوهري: وماذا بعد. إن حرباً في غزة يمكن أن تعيد تصويب الأنظار إلى جرائم إسرائيل واحتلالها للأرض الفلسطينية ورفضها حتى لمحاولات عباس والسلطة الفلسطينية التوصل إلى اتفاق سلام معها. كما أنها قد تفجر وضعاً يطيح أساساً بالسلطة الفلسطينية، ويضع إسرائيل وجهاً لوجه أمام خيار الدولة ثنائية القومية.
السفير