يُنظر على نطاق واسع إلى نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد الإسرائيلي، وزعيم حزب البيت اليهودي – أحد المكونات الرئيسية للحكومة الإسرائيلية الحالية – على أنه السّياسي الصّاعد في إسرائيل، والخليفة المحتمل لبنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة .
في 6 تشرين الثاني، نشر “بينيت” في صحيفة “انترناشيونال نيويورك تايمز”، مقالة رأي في غاية الأهمية، بعنوان “بالنسبة إلى إسرائيل، الدولتان ليس حلاً” . وفي هذه المقالة يُحاجج بينيت قائلاً “من أجل أمنها، لا يُمكن لإسرائيل أن تنسحب من مزيد من الأراضي، ولا يمكن أن تسمح بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية”، ثم يمضي ليقترح “خطته للسلام المكونة من أربع خطوات”.
ومن أبرز ما تشتمل عليه “خطته للسلام”، قيام إسرائيل من جانب واحد، بضم المنطقة ج، التي تعادل زهاء 61% من الضفة الغربية، من أجل “تقليص نطاق الأراضي المتنازع عليها، ممّا يُيسِّر التوصل إلى اتفاق طويل الأمد في المستقبل” . وفي تصوُّره للسلام، فإن أيّ “كيان فلسطيني” على بقع الحبر المتبقية من المنطقة أ، والمنطقة ب في الضفة الغربية “سيكون أقلّ من دولة” . ولن يسيطر على حدوده ولن يُسمح له بامتلاك جيش خاصٍّ به . وبالنسبة إلى غزة، “لا يمكن أن تكون طرفاً في أي اتفاق” .
ويَخلص بينيت إلى القول: “أعرف أن العالم لن يقبل هذا الاقتراح على الفور . فهو يبدو معاكساً لكل ما عملت إسرائيل، والفلسطينيون والمجتمع الدولي في اتجاهه على مدى السنوات العشرين الماضية . ولكني سأعمل على جعل هذه الخطة سياسة حكومية لأن ثمة واقعاً جديداً في الشرق الأوسط، قضى على إمكانية استمرار عملية اوسلو للسلام” .
إن المرء ربما يأمل في أن يقضي انفجار صراحة بينيت على أيّ أوهام متبقية لدى الحكومات الغربية التي ظلت تعترض سبيل قيام دولة فلسطينية على الأرض، بالاحتجاج بأن دولة فلسطينية لا يمكن أن تخرج إلى الوجود، حتى على مستوىً قانوني محض، إلاّ نتيجة لمفاوضات مع إسرائيل – أي بعد زهاء نصف قرن من الاحتلال مع الموافقة المسبقة من قِبل سلطة الاحتلال .
كما قد يأمل المرء في أن تساعد صراحة بينيت الحكومات الغربية على إدراك الحاجة الملحة إلى إنقاذ حل الدولتين بأحَدِ، أو كِلا المسارين المعقولين الوحيدين لفعل ذلك – عدم استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو)، على طلب دولة فلسطين الحصول على وضع العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وبالتالي، تمكين ذلك من الحدوث، وبناءً على مثال السويد القيِّم، إحداثُ تسونامي من الاعترافات الدبلوماسية بدولة فلسطين من قبِل دول الاتحاد الأوروبي التسع عشرة، التي لم تفعل ذلك بعد، واتْباع ذلك ببرنامج واضح ومتماسك لتشديد عقوبات الاتحاد الأوروبي حتى ترضخ إسرائيل للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بالانسحاب التام من دولة فلسطين المحتلة .
وفي عالمٍ ما زال يُكنّ الاحترام الرسمي للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لا يجوز السماح بأن يستمرّ احتلال دولة عضو في الأمم المتحدة لدولة مجاورة، إلى أجل غير مسمّى، وأوروبا هي الشريك الرئيسي التجاري والوطن الثقافي لإسرائيل، حيث تتمتع إسرائيل بامتيازات خاصة تمنحها كثيراً من مزايا العضوية الفعلية في الاتحاد الأوروبي .
وسوف يُمثل كل من مساريْ العمل، اختباراً ناجعاً لواقعية المجتمع الإسرائيلي، ويجعل إنهاء الاحتلال، مجرّد مسألة تتعلق بوقت حدوثه، لا بما إذا كان سيحدث أم لا .
ويبدو أن المجلسين التشريعيين في فرنسا وإسبانيا يتجهان نحو التصويت على الاعتراف بدولة فلسطين قبل نهاية العام، مع أن أيّاً من التصويتين، لن يكون مُلزماً للحكومتين، كما هي حال التصويت بنسبة ساحقة بالتأييد في مجلس العموم البريطاني، وبالإجماع في مجلس الشيوخ الإيرلندي .
ولو سمحت الحكومة الأمريكية لدولة فلسطين بأن تصبح عضواً في الأمم المتحدة، لكان ثمة سببٌ وجيهٌ للاعتقاد بأن موجة من الاعترافات الدبلوماسية من قبل دول الاتحاد الأوروبي، التي اعتادت أن تخضع للولايات المتحدة في كل المسائل المتعلقة بإسرائيل، وفلسطين وما يسمّى “عملية السلام”، سوف تعقُب ذلك سريعاً .
وثمة أيضاً سبب للأمل في أن تلفت السيطرة التامة الحديثة للحزب الجمهوري على الكونغرس الأمريكي، الذي يَستبعد أي إنجاز دبلوماسي للرئيس أوباما في سنتيْه الأخيرتين، انتباه (الرئيس) الحائز جائزة نوبل للسلام، إلى ترك إرثٍ تاريخي من إنجازات السياسة الخارجية، التي تظل ضمن نطاق سلطته وقدرته على التحقيق .
ولكن، إذا لم يَحدُث أيٌّ من مساريْ العمل هذين بحلول منتصف عام 2015 فينبغي على الشعب الفلسطيني وقيادته، وعلى جميع الشرفاء الذين يَنشُدون السلام بصدق وإخلاص بقدْرٍ من العدالة في إسرائيل/ فلسطين، أن ينسوا “حلّ الدولتين” و”ميراث الدولتين” الحالي، ويقبلوا “واقع الدولة الواحدة” الحالي ويشرعوا في كفاح مناوئ للفصل العنصري، قائم على المبادئ وطويل الأمد، في سبيل المساواة في الحقوق والكرامة الإنسانية، ضِمْن دولة موحَّدة لكلِّ مَن يعيش في فلسطين التي كانت سابقاً تحت الانتداب.