حتى كتابة هذا المقال، مضى 17 يوماً من الشهر من دون حصول موظفي قطاع غزة، العاملين في السلطة الفلسطينية، على رواتبهم، (والحديث هنا ليس عن الموظفين الذين عينتهم حركة “حماس”)، ورغم الحديث عن “خلل فني” يؤخر الصرف، فإنّ هذا قد لا يؤخر الأثر الأمني والاقتصادي والسياسي. على أنه في الوقت ذاته عاد إلى الحديث عن احتمالات دخول “حماس” في اتفاقيات سريعة لتبادل الأسرى، تتضمن رزمة متكاملة من هدنة وتسهيلات في القطاع.
ربما يجدر التذكر أنه قبل “انفراجة” المصالحة العام الفائت، بتراجع “حماس” عن لجنتها الإدارية لقطاع غزة، كانت تقارير قد نقلت عن الجناح العسكري لحركة “حماس” خطة تدعو لانسحاب الحركة من أي أعباء مدنية، في الحكم، حتى لو سبب هذا فراغاً وظيفياً.
لا يبدو أن “حماس” لديها قرار بترك الحكم في غزة، مقابل المصالحة، أو على الأقل تريد التفاوض قدر الإمكان على ذلك، خصوصاً في مواضيع الجباية، والموظفين، والأنفاق، والمعابر. ولا تتفق قيادات الحركة جميعها على المصالحة. وقد تراجع ظهور يحيى السنوار، رئيس الحركة في القطاع، من المشهد، فيما يبدو عدم قدرة على مواجهة المعارضة في الحركة للمصالحة، و/أو إحباطاً، من عدم حماسة، وتعاون القيادة الفلسطينية مع خطواته نحو المصالحة.
بغض النظر عن موقف “حماس” من تفاصيل المصالحة، فإنّ احتمالات انسحاب الحركة من الشارع ومن أي أعباء ومسؤوليات في المؤسسات، بما في ذلك إدارة هذه المؤسسات، أمر ممكن. وسيناريو انهيارها، وانهيار الأوضاع في قطاع غزة، ممكنان. ما سيوجد فراغا، من غير المستبعد أن تشغله السلفية الجهادية الساعية للارتباط بتنظيمات “داعش” و”القاعدة”، أو جزء من كتائب القسّام، بشكل مستقل، لكن مع بقاء وتفاقم، حالة فراغ ومعاناة، تؤدي لفوضى في القطاع، وتفتح الباب لسيناريوهات داخلية عديدة مأساوية. وستكون المعاناة الأساسية شعبياً، مع تعقد المشهد الأمني أكثر، لأنه بدل “ازدواجية” السلاح مع “حماس” سيكون هناك مشكلة فوضى السلاح والتنظيمات.
إذا كان “مؤمّلاً” من قبل القيادة الفلسطينية أن يؤدي الضغط لقبول “حماس” بالتسليم التام للحكم والسلطة، فلا يمكن استبعاد خيار الفراغ الذي تملؤه قوى أخرى، منها أيضاً العصابات والإجرام.
وفي المقابل، تُسرّب وتنشر “حماس” أخبارا عن أنها تقدم مساعدات للفقراء والمحتاجين، في القطاع منذ بداية العام، بمبالغ تزيد على ثلاثة ملايين دولار، ورغم الضآلة النسبية للرقم، إلا أنه ربما إشارة إلى أنّ الحركة قادرة على تحمل الضغط، أو أن جناحا فيها لديه موارد للنشاط، حتى بما يزيد على حاجة أعضائه. وبالمثل تتسرب باستمرار أخبار عن صفقات دولية قد تجريها “حماس” قريباً. ونشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، تقريراً، عن مفاوضات وصلت إلى مرحلة متقدمة بوساطة مصرية، مع الإسرائيليين، لتبادل الأسرى.
وهذه الصفقة لو حدثت ستعطي “حماس” نصرا معنويا مهما، ولكن الأهم أن ما نشرته الأخبار، يتضمن أن مصر تسعى لأن يكون ضمن الصفقة “رزمة واحدة تشمل هدنة طويلة الأمد، وتعهد من حماس بوقف الإنفاق والإعداد والتصنيع، وتحصل الحركة على مكتسبات من مثيل رفع الحصار وفتح المعابر وحرية تنقل قيادات الحركة إلى الخارج، وأهمهم إسماعيل هنية، الذي مُنع مراراً من إجراء جولة كهذه”، إضافة إلى فتح مجال الدعم المالي بشكل مؤسساتي، وهو ما طالبت مصر مقابله بـتقليص العلاقة مع إيران، وفي السياق ذاته، ستساعد مصر على إجراء حوار مغلق بين حماس وكل من السعودية والإمارات.
رغم أن دقة أنباء “الأخبار” ما تزال تحتاج للمزيد من التأكيد، إلا أنّ أطرافا مختلفة؛ من ضمنها الطرف الإسرائيلي، ومصر، حذرت من تبعات انهيار “حماس” في غزة، أو انفجار الأوضاع هناك.
تبدو غزة مرشحة لسيناريوهات عدة، ولكن حتى أنباء كالتي تتسرب عن احتمالية إجراء صفقة بين “حماس” و”إسرائيل”، لا يجب أن تدعو لتوقع حالة يرتفع فيها الضغط الإسرائيلي حقاً عن غزة، بما يقوي “حماس” كثيراً، بل سيكون هناك تغير محدود، وتصبح المصالحة أبعد. التغير الحقيقي في غزة لن يحدث من دون توافق فلسطيني، وترتيبات جديدة للنظام السياسي، ولا يبدو هذا مرتقباً فعلاً.