رام الله: قبل 15 عاماً، فكر مثقفون وناشطون فلسطينيون في القيام بحملة لتسجيل جميع الفلسطينيين حول العالم للمشاركة في انتخابات عامة لبرلمان الشعب الفلسطيني (المجلس الوطني الفلسطيني). وبعد نقاشات وجهود واسعة شارك فيها مئات الناشطين من الجاليات الفلسطينية من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، تحوّلت الفكرة الى حقيقة ملموسة، وأقيمت البنى والأسس الفنية اللازمة للشروع في التسجيل في غضون الشهرين المقبلين.
وانطلق أصحاب الفكرة من حاجة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات إلى إجراء انتخابات للبرلمان الذي يمثلهم ويرسم لهم خياراتهم المستقبلية، خصوصاً بعد إقامة السلطة الفلسطينية في الداخل، والتي تجري انتخابات دورية يستثنى منها الشتات الفلسطيني.
وحظيت الفكرة بترحيب من ألوان الطيف السياسي والشعبي والسكاني الفلسطيني، من حركة «فتح» الى «حماس»، ومن فلسطينيي أميركا الشمالية الى فلسطينيي أميركا الجنوبية وأوروبا ومخيمات البؤس في لبنان والأردن وسورية والعراق. وتضم الحملة مثقفين وخبراء وناشطين من الأعمار المختلفة، بعضهم لا يتقن العربية، أو يتقن القليل منها، مثل بعض مواليد أميركا الجنوبية وغيرها من أماكن الشتات، لكن يجمعهم هدف واحد هو إجراء انتخابات للبرلمان الوطني الفلسطيني.
وتطوّع عدد من خبراء الحاسوب لتصميم نظام انتخابي دقيق للتسجيل والانتخاب حظي بمصادقة وتقدير لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية. وجرى توزيع النظام على شبكة من الناشطين في أماكن التجمعات الفلسطينية، كما تقام مراكز لتسجيل الناخبين في التجمعات الفلسطينية الكبيرة حول العالم، وأقيم أكثر من مركز تسجيل في عدد من الدول الكبيرة مثل الولايات المتحدة حيث أقيمت ثلاثة مراكز.
وتبدي سفارات فلسطين حول العالم تعاوناً واسعاً مع الحملة بعد تلقيها تعليمات رسمية من الرئيس محمود عباس. وقال ناشطون إن عمليات التسجيل ستجري في كثير من المناطق في مقار السفارات والبعثات الفلسطينية.
وأوضحت البروفيسورة كرمة النابلسي، المحاضرة في جامعة «أوكسفورد» في بريطانيا وإحدى ابرز الناشطين في الحملة: «عملية التسجيل سهلة وبسيطة، وهي مهمة تؤديها المؤسسات المدنية الفلسطينية حول العالم لتسجيل أصحاب حق الاقتراع الفلسطينيين غير المسجلين، وهي خطوة عملية ضرورية لإطلاق الانتخابات». وأضافت: «التسجيل الأساسي يؤدي الى تجاوز الكثير من العقبات الفنية والسياسية، ويضع الأرضية لضمان مشاركة الفلسطيني أينما كان في الانتخابات».
وقال الناشط في الحملة حافظ عمر: «الحملة قائمة على جهود الكثير من الفلسطينيين من مهندسين وفنانين وكوادر التنظيمات وناشطين وخبراء تقنيين وأبناء الجاليات الفلسطينية ورؤساء اللجان في المخيمات، والذين يعملون بشكل جماعي من أماكن وجودهم حول العالم، ويوظفون خبراتهم ومهاراتهم بشكل تطوعي في سبيل العمل على إحياء الحركة الوطنية الفلسطينية وإحياء مؤسساتها».
ويبدي الناشطون في الحملة تفاؤلاً بقرب إجراء الانتخابات العامة على ضوء التطور الجاري في المصالحة الوطنية. ويشكل ملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية واحداًَ من أبرز ملفات المصالحة، ويتضمن الملف إجراء انتخابات عامة للمجلس الوطني الفلسطيني حول العالم. ويقول مسؤولون فلسطينيون إن الحملة الشعبية وفرت عليهم الكثير من الجهد لتوليها عملية التسجيل للجاليات والمخيمات الفلسطينية حول العالم وفق أسس مهنية عالية.
ويحتل ملف إصلاح منظمة التحرير قلب النقاش السياسي الفلسطيني. ويصب الكثير من الكتاب والناشطين والسياسيين انتقاداتهم على عدم حدوث تغيير حقيقي في المجلس الوطني الفلسطيني منذ تأسيسه عام 1964. وكتب الكاتب نبيل عمرو أمس على صفحته على موقع «فايسبوك» مقالاً شكك فيه بصدق نيات بعض السياسيين الفلسطينيين تجاه إصلاح منظمة التحرير، وقال إنه مضى على بعض أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير أكثر من 50 عاماً في هذا الموقع من دون تغيير.
وقال الناشط البارز في القدس صلاح الحموري: «إن الخروج من الأزمة الحالية يتطلب من جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني إرادةً خلاقة ومواقف جادة للنهوض بالمشروع الوطني». وأضاف: «أمام هذا المشهد السياسي المأزوم من الناحية الداخلية واستهداف الاحتلال لكل ما هو فلسطيني، اعتقد أن الحل الوحيد هو العودة مرة أخرى لشعبنا وإعادة بناء منظمة التحرير بمجلسيها الوطني والمركزي، ليشكل المجلس الوطني الجديد نواة الوحدة الفلسطينية، وليمهد الطريق أمام الوصول إلى اتفاقٍ على برنامج سياسي موحد».
ويبلغ عدد الفلسطينيين في الخارج نحو سبعة ملايين، بينهم خمسة ملايين لاجئ. واعتمدت الحملة سجل لجنة الانتخابات المركزية في الضفة الغربية، ويتوقع أن تكمل التسجيل في غضون أسابيع.
ويشكل الانقسام العقبة الأخيرة أمام إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، إذ يرى الكثيرون صعوبة إجراء انتخابات في الوطن أو للجاليات والمخيمات في الخارج في ظل استمرار الانقسام. لكن في حال إنهاء الانقسام، فإن الانتخابات ستكون الفيصل لكل الأطراف. وتطالب «حماس» بإجراء الانتخابات للمجلس الوطني في الخارج في المرحلة الأولى، ثم إجرائها للمجلس التشريعي في الوطن بعد استقرار الأوضاع الأمنية. أما حركة «فتح»، فتطالب بإجراء انتخابات للمجلس الوطني في الخارج والداخل في وقت واحد، خصوصاً أن المجلس التشريعي يشكل جزءاً من المجلس الوطني. وسيبحث لقاء لجنة تفعيل منظمة التحرير في القاهرة الجمعة المقبل النظام الانتخابي للمجلس الوطني وآلية إجراء الانتخابات وموعدها.
ويتطلع الناشطون في الحملة إلى أن يقر الاجتماع نظاماً انتخابياً للمجلس الوطني والتشريعي معاً، وأن يجري تحديد موعد لإجراء انتخابات عامة للبرلمان الذي يشمل المجلسين. وقال الناشط في الحملة في مخيم قلنديا شمال القدس أكرم سلهب: «انتخابات المجلس الوطني هي الطريق الوحيدة لإعادة توحيد التمثيل اللفلسطيني، لأنها تكرس السيادة لدى كل واحد من الفلسطينيين المشتتين في العالم».
عن الحياة اللندنية