غزة الحياة الثقافية – سامي أبو عون- موهبة متفردة فهو يطوف في بساتين الابداع ليعود بأشهى الافكار ثم يعجن مفرداته سواء في الشعر أو الرواية ، فهو يمتلك القدرة على صياغة الفكرة ولملمة أحداث المادة أي كانت
ناصر رباح واحد من أعمدة المشهد في غزة كونه جمع بين الشعر والرواية بإتقان ثم لملم حروف المضمون من ظل المسافة ورجاء القدرة على تطريز لوحة جميلة مأخوذة من واقع الخيال والحقيقة والوقت النازف وجع زائد تلك الموهبة المعلنة كالراية في سماء الابداع
سبب تعرجك من الشعر الى الرواية ؟
الشعر تجربة كتابية معقدة ومتجددة ويحاول الشاعر دوما البحث عن أساليب وطرق جديدة للتعبير والابداع ، خلال خمس دواوين شعرية تصاعدت بها اللغة وانزاح الشك والأسلوب إلى انزياحات متشعبة فكان الوصول إلى كتابة الرواية أحد تجليات البحث عن شكل جديد للكتابة ثم إن طريقة عمل الدماغ لدى الشاعر تقتضي منه التكثيف والتصوير والاختزال مما يصل به بعد فترة طويلة إلى نوع من الكبت الفكري فيحتاج إلى مساحة أوسع للبحث والاستطراد والتعبير مما تتيحه الرواية له بشكل كبير .
ما رأيك في اللغة الحاصلة في سطور الإبداع هل هي لغة تجديد أم مفرغة من محتواها؟
اللغة تعبير وانعكاس لواقع الحياة مهما اختلفنا أو اتفقنا مع ذلك ، واقع الوطن العربي بشكل عام وواقع غزة بشكل خاص هو في أسوء حالاته الاجتماعية والمعيشية مما ينعكس بالضرورة على عدم تفرغ الكُتاب لجودة الكتابة وانتقالهم إلى الكتابة السريعة السهلة الصحفية الى حد كبير تغلب كتابات الأنا والذات والشكوى على معظم الكتابات الحالية كما وقد ساهمت منصات التواصل على دخول ملايين من الكتاب إلى الساحة الادبية دون امتلاكهم أي جوازات سفر أدبية وكما قيل أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة فهنا ينزوي الكتاب الجيدون في زاويا الاتهام ليدافعوا بشكل دائم عن المحتوى الذي يقدمونه وحيث أن الكثرة تغلب الشجاعة وحيث أننا لا نملك منظومة نقدية فاعلة ولا توجد لدينا مختبرات لفحص الجودة فيختلط الحابل بالنابل وتعم الفوضى الأدبية
الفكرة أٌم الابداع ما الفرق بين الإبداع العالمي والمحلي إن وجدت الادوات لكلاهما ؟
لدى الوطن العربي كل المقومات الذاتية لكتابة محتوى إنساني عالمي يناقش قضايا يمكن أن تصل إلى جميع أماكن العالم لدينا عبد الرحمن منيف ( مدن الملهى ) لدينا نجيب محفوظ ( الثلاثية ) لدينا سليم بركات و إبراهيم الكوني و طاهر بن جلون وآلاف آخرون وتبقى مشكلة الترجمة الغربية والتي هي من صميم عمل وزارات الثقافة العربية والتي للأسف لا تزيد ميزانية الواحدة منها عن رقم عشري من ميزانية الدولة ، على العكس تهتم دور النشر بترجمة الاعمال الغربية وتقديمها بكفاءة الى العربي لتحظي بالإبهار وتترسخ لدينا عقدة الاجنبي في حالة من الدونية البغيضة التي يشعر بها المواطن تجاه نفسه حين يقارن بين سياسات دولته وسياسات الغرب في كل المجالات
هل اتحاد الكتاب يلبي احتياجات المبدع من طباعة ونشر وما المعيقات إن وجدت ؟
باعتقادي إن عملية الإبداع سواء الشعر أو الرواية هي عمل ذاتي فردي ولا يجب أن تحمل أي جهة مؤسساتية سواء وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب أي مسؤولية في تطوير أدوات الكتابة لدى المبدعين ويكفي أن تتيح لهم تلك المؤسسات منصات للتعريف و الاشهار وهذا الدور في غزة تحديدا وبسبب ظروف الانقسام فد تقلص إلى الحد الادنى مما أتاح لجمعيات أهلية ومنصات خاصة لسرقة هذا الدور من اتحاد الكتاب ومن وزارة الثقافة ، تبقى عملية النشر وهي عملية تجارية بحتة رغم أن الفكرة لدى المبدع أنها عملية ذات طابع أدبي وأخلاقي وهذا يصنع الفارق بين الطرفين
أعمالك هل ترجمت إلى لغات اخرى وكيف كان صدى ذلك عليك؟
الترجمة بشكل عام تختزل كثيرا من المعاني وأما في الترجمة الشعرية فتختزل غالبية المعاني وتختزل الروح وبالتالي لم أكن مهتما بترجمة اشعاري إلى لغات أخرى ومع ذلك فقد حظيت بترجمات مختلفة لعدد كبير من أشعاري للغات الفرنسية والألمانية والإسبانية الإنجليزية كما صدرت لي قراءات مترجمة في عدد من المجلات الفرنسية الأدبية المشهورة واختيرت إحدى قصائدي ضمن مئة قصيدة عالمية تضمنها كتاب خاص عن الشعراء الذين كتبوا أشعارا ضد الحرب ، و أتمنى ان تتاح الترجمة لروايتي القادمة .
كيف تفرغ الكبت الفكري ؟
للأسف لا يستطيع الكاتب أن ينفصل عن واقع المكان والمكان هنا كثيف بالتناقضات ومليء بالوجع الانساني والضغوطات السياسية ، هذا الإحباط لا يمكن للكاتب الحقيقي أن ينعزل عنه كما أنه لا يمكنه أن يتماهى مع هذا الخراب المجتمعي وأن ينساق إلى اليات الكتابة الهتافية وهنا يقع الكاتب بين المطرقة والسندان يتراوح بينهما في حيرة أدبية ونفسية عميقة ويبقى متعلقا بأمل التغيير
كناصر رباح راض عن المشهد في غزة؟
غزة تعوم على بحر من الكفاءات الأدبية في مختلف المجالات ولكنها لا تمتلك الأدوات التي تحسن وتجود من أعمال المبدعين والتي تحتاج إلى وقت وصقل واحتكاك للمنتج العربي والعالمي الإنساني حتى تخرج من محليتها ولهاثها خلف القضايا المحلية والذاتية والتي تأخذ حيزاً كبيراً من المحتوى المطروح في المشهد الغزي
طموحك إلى أي حد؟
أتمنى أن تصدر روايتي الثانية قريبا وأتوقع أن يكون لها صدى جيد وأن أستطيع إصدار كتاب أو كتب نقدية في المستقبل القريب ، طموح الكاتب أن يجد الصفاء النفسي والرضا عن ذاته وعن أعماله وهذا يعتبر من الأشياء الصعبة لدى
الشعراء الذين تركوا بصمة في رحلة الكلام لدى المبدع ناصر رباح؟
باكراً تأثرت بأمل دنقل وشعراء مدرسة التفعيلة في مصر ثم انتبهت إلى شعراء الشام والعراق وأخيرا شعراء فلسطين من زكريا محمد وغسان زقطان وكنت طوال الوقت أتحاشى التلامس مع شعر محمود درويش والذي تلتصق بنا كلماته كغراء صعب ازالته كما لا أنسى تأثري بالشاعر اليوناني يانيس ريتسوس