واشنطن / في ندوة مثيرة للجدل نظمها معهد (بروكينجز) في واشنطن لبحث تطورات المشهد في العراق وقبيل إعلان الرئيس الأميركي إرسال القوات الأميركية الخاصة إلى العراق (300 عنصر من فرقة القبعات الخضر)، اتفق ثلاثة من كبار الخبراء في الشأن العراقي بواشنطن وهم : كنيث (كين) بولاك، ومايكل أوهانلان وسوزان مالوني “ان العراق تجزأ فعلياً إلى ثلاث دول؛ كردية في الشمال وشيعة في الجنوب، وسنية فقيرة في الغرب وأن هذا التقسيم – رغم أنه لم يعلن رسمياً- بات واقعا ولا عودة عنه”.
وقال بولاك وهو محلل سابق في جهاز المخابرات الاميركي (CIA) وكان نشر كتابا عام 2002 بعنوان “العاصفة المهددة: دوافع غزو العراق” استعرض فيه مبررات وفوائد غزو العراق ، “إن تقسيم العراق بحد ذاته أمر جيد ولكن يجب أن يتفق عليه العراقيون أنفسهم باعتباره الحل الأمثل، كما يجب على تركيا قبول دولة كردية على حدودها وأن تقتنع ان هذه الدولة (الكردية) لن تهدد مصالحها”.
يشار الى ان معهد (بروكينجز) ومن القاعة نفسها التي تحدث فيها الخبراء الثلاث والمسماة (مسرح فولك) كان نظم ولمدة 17 عشر شهراً – من شهر تشرين أول 2001 وإلى يوم 13 آذار 2003- أسبوع قبل شن الحرب على العراق، “ندوات أسبوعية خلال تلك الفترة أطلقوا عليها اسم (إيجاز العراق) وأدارها كين بولاك نفسه، حيث حرض خلال هذه الندوات على غزو العراق والخلاص من صدام “وهيمنة الأقلية السنية” “وتهيئة الظروف لديمقراطية على الطراز الغربي”.
ويرتبط معهد (بروكوينجز) بعلاقات حميمة مع إقليم كردستان وكان خصص قسماً لبحث القضايا الخاصة بالإقليم، لا سيما لجهة بحث سبل تخفيف قلق تركيا من قيام دولة كردية مستقلة بالكامل في الشمال العراقي.
واتفق الخبراء الثلاثة على أن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على مدن وبلدات في شمال العراق هي “دلائل على تنامي تأثير هذا التنظيم الإسلامي المتشدّد، وهي تهدّد بانتشار العنف وعدم الاستقرار على نطاق أوسع”، مشيرين الى ان تراجع سيطرة الحكومة المركزية في بغداد يفتح المجال أمام الأكراد كي يدفعوا بقوة أكبر نحو إقامة دولة كردية مستقلة.
وقد أظهرت حكومة إقليم كردستان نجاحاً أكبر بكثير من الحكومة العراقية في التصدّي لتنظيم (داعش)، خاصة وأن القوات الكردية التي يفوق عددها المائة ألف، “تبدو أفضل تجهيزاً وتدريباً ليس فقط مقارنة بالمجموعات القتالية لتنظيم (داعش) التي تواجهها، بل مقارنة بالقوات النظامية للحكومة الفدرالية العراقية التي انهارت بسرعة في أول مواجهة لها مع المتطرفين في الموصل” حسب قول أوهانلون الذي يعتبر من الخبراء العسكريين القلائل المختصين في هذا المجال.
كما تمكنت القوات الكردية المعروفة بـ (البشمركة) من نشر أعداد كبيرة من عناصرها في العاشر من حزيران الجاري في مناطق لطالما كانت موضع نزاع بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد، وعلى رأسها كركوك التي تشكّل عامل توتّر مستمر في العلاقة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، وهي المنطقة الغنية بالنفط وشكلت حافزاً لاستمرار إقليم كردستان ضمن الدولة المركزية في السابق، وقبلت بتقاسم الأكراد والعرب والتركمان حكم المدينة بموجب اتفاق فرضته القوات الأميركية المحتلة في العراق تطبيقه عام 2003 و لا يزال قيد التنفيذ.
وبذلك يكون الأكراد وبعد بسط سيطرتهم على المدينة (كركرك) وطرد (داعش) منها، قد حققوا الفرصة التاريخية من أجل استعادة التحكّم بالوصول إلى موارد نفطية مهمة، ووضع حد للخلاف المستمر منذ سنوات مع الحكومة المركزية حول تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على تطبيع الأوضاع في كركوك.
كما ان من شأن ضم هذه المنطقة الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان الغني أصلاً بموارده أن يجعل كردستان من أقوى الدول وأكثرها قابلية للحياة والازدهار في المنطقة “وهو ما قد يعطي تركيا محفزات للقبول بهذا الوقع إلى جانب طمأنتها (تركيا) على أن استقلال كردستان لا يشكل خطراً عليها (تركيا) بل استخدام حكومة كردستان لتأثيرها مع أكراد تركيا لثنيهم عن ممارساتهم الانفصالية”، وذلك حسب خبراء (بروكينجز).
من جهته، يقر سيروان كاجو، وهو محلل مستقل للشؤون الكردية بأن “الجانب المشرق بالنسبة للأكراد هو أن حلم إقامة الدولة الكردية بات فجأة أقرب إلى التحقّق، لاسيما وأن تركيا لم تعد تعارض الفكرة في الظاهر”.
ويفسر كاجو في مقال كتبه لمعهد (كارنجي) في واشنطن قائلاً “عندما توقّفت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي عن إرسال مخصّصات الموازنة لإقليم كردستان في شباط 2014 الماضي، أدّى ذلك إلى تفاقم الخلاف حول موضوع الموازنة، لاسيما توزيع الموارد النفطية بين حكومة إقليم كردستان وبغداد، وتوقُّف المفاوضات، كما أدى ذلك إلى فقدان حكومة إقليم كردستان أي أمل بإمكانية إجراء مباحثات مثمرة مع بغداد، وردّ الأكراد بإرسال شحنة نفط إلى تركيا، وتوقيع اتفاق لمدّة 50 عاماً مع أنقرة ينصّ على استخدام خطوط الأنابيب التركية لتصدير النفط الكردي”.
ويضيف “فضلاً عن ذلك، يعتبر الأكراد الآن أنه لا علاقة لهم بالنزاع السنّي-الشيعي الدائر حالياً في البلاد، حيث شكّل صعود (داعش) القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ لم يعد للأكراد حوافز تدفعهم للحفاظ على ارتباطهم ببغداد، خصوصا بعدما فقدت الحكومة المركزية سيطرتها على الأمن في الداخل، وبعد أن سيطر البشمركة على كركوك”.
وهناك العشرات في واشنطن من الذين دعوا باستمرار إلى تجزئة العراق، ومن ابرز هؤلاء نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الذي طالما دفع باتجاه استقلال كردستان، حيث تبنى هذا الموقف منذ ثمانينات القرن الماضي.
ويعتبر هؤلاء أن الحل الأمثل يكمن في قيام دولتين في الشمال الكردي والجنوب الشيعي، على ان يمنح السنة أجزاء كبيرة من المناطق الغربية و”لكن بدون أي نفط، حيث ستكون هذه الدولة (السنية) فقيرة رغم مساعدات المملكة العربية السعودية ودول الخليج وهي دول كلها سنية، ما يستوجب أن يتفق العراقيون السنة مع دولة كردستان ودولة الشيعة في الجنوب على الحصول على نسبة معينة من ريع النفط لإسكات مشايخ العشائر السنية وعندها أعتقد بأن الانفصال سيكون من مصلحة الجميع” حسب قول لزلي غيلب، رئيس مجلس العلاقات الخارجية المرموق في واشنطن.
ويعارض أغلبية الأميركيين التدخل في العراق، حيث أشار استطلاع نظمته مؤسستي (رويترز) و(إبسوس) [الخميس 19 حزيران الجاري] بعد إلقاء الرئيس أوباما بيانه الذي وعد فيه إرسال قوات استخبارية للعراق، إلى أن 55% من الأميركيين يعارضون أي تدخل أميركي من أي نوع في العراق، بينما أيد ذلك 20% فقط.
ولم يكن هناك اختلاف يذكر في الاتجاه العام للردود بين الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، حسب الاستطلاع.
القدس دوت كوم – سعيد عريقات