مخطئ من يظن أنّ معركة الخليل هي غير معركة الموصل بالجوهر، ومخطئ اكثر من يظن انّ أيّ معركة أخرى حصلت منذ ما يُسمّى بـ«الربيع العربي» الزفت، او ستحصل في القادم من الأيام على وقع تداعيات اكتشاف جثث المقتولين الثلاثة لا علاقة لها بما حصل ويحصل في العراق وبلاد الشام.
كنت ولا أزال من القائلين بترابط حوادث المنطقة على قاعدة نظرية «المؤامرة». بلى، نظرية المؤامرة، لسبب بسيط وبسيط جداً، هو أنني لا أعتقد، وأرفض رفضاً قاطعاً، مقولة ان يحصل شيء في الحياة بمحض المصادفة.
اولاً لأن لا شيء في الكون يحصل من دون تخطيط، ما هو خير يكون من عند الله، وما هو شرير على يد البشر، وكله مرتبط بمنظومة كونية تتحرك باذن الله وعلمه و«استخباراته».
وثانياً لأن ما يجري على يد البشر ايضاً مثل ما يجري على يد الله، انما يحصل بخطة وتدبير وتخطيط، وهذا يعني التآمر.
مجرد استدراك: هذا لا يعني البتة أن الإنسان لا يقوم إلا بفعل الشر، بل إنما أردنا مما سبق ان ننّزه الخالق منه، وإنْ كان بعلمه وضمن نطاق كينونته.
أزعم أنّ حوادث العراق التي انطلقت من غزوة الموصل إنما حصلت رداً على هزيمة الأميركيين في إفشال الاستحقاق الانتخابي السوري، وكذلك في إشعال الساحة اللبنانية.
وأزعم أنهم بعد نحو ثلاثة أشهر من غزوة الموصل، إذا حققنا إفشال أهدافها نحن في جبهة المقاومة معاً، وهذا ما اتوقعه، إنْ لم يكن أبكر فإنهم سيتوجهون مرة أخرى الى ساحة بلاد الشام، وهذه المرة تحديداً الى المعركة حول إصبع الجليل، أي شمال إقليم فلسطين.
وأزعم أيضاً أنّ التصعيد المتسارع لحركة جنونهم، وإعلانهم الخلافة الصهيونية المهزلة، إنما يحصل بسبب ضعفهم وتخبّطهم وضياعهم وتيههم وليس بسبب قوتهم اأو تماسك مؤامرتهم.
وإلاّ عن أي دولة وأي خلافة وأي أرض وأي شعب وأي جيش يتحدثون؟ وهم العارفون قبل غيرهم بأنهم لا يملكون أياً من مقومات الدولة على الاطلاق!
ولما كانوا يأتمرون بأوامر واشنطن و«تل أبيب» بالمعلومات وليس بالتحليل والزعم والحدس والتخمين هذه المرة، فإنهم يريدون تحقيق نصر لأوباما المتوجّع من ألم كؤوس السمّ التي شربها في السنة الأخيرة في الانتخابات الفرعية في الكونغرس الأميركي في الخريف المقبل.
صدّقوني أنهم مجرّد بنادق للإيجار ومرتزقة، ومشغّلوهم الإقليميون إنما هم من يدفع الأجر مرتين، مرة للمرتزق الصغير ومرة خدمة للسيد الذي يحافظ على عرشه، أي للساكن في ما يُسمّى البيت الابيض.
رحم الله الإمام روح الله الموسوي الخميني في موقفه حول الحرب العراقية – الإيرانية، التي سمّاها صادقاً بالمفروضة على الشعبين الإيراني والعراقي، مبدياً استغرابه يومذاك حيال هؤلاء العابثين بالإقليم قائلاً: «أعرف أجراء كثراً يأخذون أجراً من سيدهم لقاء خدمة يسدونها إليه… لكنني استغرب من أجراء يدفعون هم الأجر لسيّدهم كي يستعبدهم!؟
عود على بدء، مع الموصل والخليل، لأقول إن معركة الموصل حصلت لإنقاذ العدو الصهيوني وإخراجه من دائرة الضعف والهوان والتيه الذي أصابه بعد نجاحات بوابات الشام وأسوار الضاحية.
بلى بالتكتيك والاستراتيجيا… فاقتناص كركوك وتحرك الناقلات النفطية نحو موانئ العدو الصهيوني من كردستان العراق عبر الوسيط التركي الغدار إنما هو جزء من تكتيكات المؤامرة.
فيما إشغال ايران وسورية ولبنان بالعراق بعيداً من القدس والخليل ورام الله وبيت لحم والجليل إنما هو الجزء الاستراتيجي من المؤامرة.
من هنا كانت عملية الخليل، كأنها رد الفعل الطبيعي لجزء من جسم الأمة على استراتجية العدو.
أما الإعداد الذي يجري على قدم وساق من جانب أطراف جبهة المقاومة لتحرير أرض العراق من دنس «الدواعش» وممارساتهم الصهيونية فهو الجزء التكتيكي من معركة المنازلة الكبرى.
هكذا ويعتقد أن ساحة لبنان ستبقى مشدودة أشد ما يكون من الآن حتى نهاية الخريف المقبل، حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ما يعد للمنطقة من قبل الصهاينة والاميركيين على خلفية وجوب ربحهم لمعركة الكونغرس من ناحية، ومنعنا من إكمال الاستعدادات اللازمة لمعركة تحرير الجليل من ناحية ثانية.
ما يهمّه في التكتيك من الآن حتى ذلك الحين أن يربحوا معركة الكونغرس.
ما يهمّنا نحن في التكتيك هو أن نربح معركة تحرير العراق رغم أنفهم.
ما يهمّهم في الاستراتيجيا هو إخراج اليهودي الصهيوني من تيهه وضياعه ليتمكن السيد الأكبر، أيّ الشرّ المطلق ايّ أميركا، من استعادة زمام المبادرة على المسرحين الإقليمي والدولي يعني تصفية القضية الفلسطينية.
ما يهمّنا نحن في الاستراتيجيا هو طرد الوهم الذي يريد لنا تجزئة المعارك وتصغير ما يجري وتسطيحه وتصويره مرة كأنه خلاف مذهبي أو ديني هنا أو هناك، ومرة كأنه حزبي او «فصائلي» هنا او هناك.
إنها المؤامرة بعينها بلى، المؤامرة، أيّ المخطط، بلى المخطط الذي يحاول ان يجرّنا الى معارك مجزأة فيما هو يوجه نيرانه الواقعية إلى الكل من دون استثناء.
لذا يعتقد القائلون بهذا التحليل أنّ الأميركيين والصهاينة أبلغوا مجدداً، أي بعد اكتشاف جثث المستوطنين الثلاثة، وعلى نحو لا يقبل الشك والتردد:
لا تنازل أو تراجع عن عراق مستقل واحد لا يقبل القسمة، لا على اثنين ولا على ثلاثة، يحكم بأهله وهم من يحددون الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان.
ولا تنازل أو تراجع عن لبنان المقاوم وسلاح المقاومة الذي يحمي المقاومة وأهلها وحلفاءها ومرشحها الذي لا يمكن أن يقبل أي طعن بظهر المقاومة او سلاحها ولو بلغ ما بلغ.
وأخيراً وليس آخراً، «الجائزة الكبرى» والتعبير لبوش الابن، أي إيران الثورة والإسلام وحامية المقاومة وان سمّيتموها بـ«بنك الإرهاب» لن تكون إلاّ لأهلها ولحلفائها وأشقائها وأصدقائها في سورية ولبنان واليمن والبحرين وكل أرض عربية، وبخاصة في فلسطين من النهر الى البحر.
هذه الإيران لن يغريها لا جنيف ولا فيينا ولا الذي خلف جنيف أو فيينا. لأنّ معركتها الحقيقية هي أن تظلّ رافعة رأسها دولة مستقلة وحرة وقوية مسلحة بالعيون الأربع العقيدة والعزيمة والعلوم والعقل. وما النووي سوى القسم الناتئ او الظاهر من جسم هذا الفيل، أو الأسد الذي لا يمكن ان تهزموه لا بالتكتيك وقطعاً لا بالاستراتيجيا، لأنّ صبره من صبر أيوب وتجارب أيوب وخبراته، وما أدراك ما أيوب.
ومن لا يعلم فإن في الأفق «أيوب» لو كشف الغطاء عنه لعميَ بصر «إسرائيل» مرة أخرى وهذه المرة ستكون أخطر من الأولى.
في انتظار المزيد من مفاجآت أيوب ولعنات الحاج عماد عليهم وبركاته علينا…!
البناء اللبنانية