خاص دنيا الوطن – هيثم نبهان /انتهت “ورشة المنامة” الاقتصادية، التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة البحرينية، ولكن الحديث عما عرضه جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب من خطة اقتصادية، لن ينتهي بعد.
الورشة التي استمرت على مدار يومين، وتحديداً في 25،26 من حزيران/ يونيو الجاري، شاركت بها دول عربية، أبرزها مصر والأردن والإمارات والسعودية، وعرض فيها كوشنر خطة اقتصادية، سيتم من خلالها إنفاق نحو 50 مليار دولار، نصفهم سيُنفق في الأراضي الفلسطينية على مدى عشر سنوات، في حين سيتم تقسيم المبلغ المتبقي بين مصر ولبنان والأردن.
ومن ضمن بنود الخطة التي كشف عنها كوشنر، إقامة بعض المشروعات في شبه جزيرة سيناء المصرية، التي يمكن أن تفيد الاستثمارات فيها الفلسطينيين، الذين يعيشون في قطاع غزة.
ويرفض الفلسطينيون قيادة وفصائل ومجتمع مدني وقطاع خاص، التعاطي مع هذه الخطة الاقتصادية، ومع خطة السلام الأمريكية المعروفة إعلامياً (صفقة القرن) لأنها تركز على الشق الاقتصادي، دون الحديث عن السياسي.
ومنذ أكثر من عام ونصف، أعلنت السلطة الفلسطينية مقاطعة الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، بعدما اتخذ قرارات أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بالإضافة إلى وقف المساعدات التي كانت الولايات المتحدة تقدمها للفلسطينيين، من خلال وكالة (أونروا) أو مؤسسات أخرى.
وفي ظل هذا الرفض الفلسطيني القاطع من جميع شرائح الشعب الفلسطيني، يبقى السؤال حول مدى إمكانية أن تتمكن الإدارة الأمريكية من تنفيذ هذه المشاريع على أرض الواقع.
المحلل والخبير الاقتصادي، عمر شعبان، تحدّث لـ”دنيا الوطن” عن إمكانية تنفيذ هذه الخطة دون موافقة الفلسطينيين، ويقول: “إنه لا يمكن لهذه الخطة أن يتم تنفيذها، دون موافقة القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بمؤسساته”.
وتابع: “هذه المشاريع التي يتم الحديث عن أنها ستنفذ في فلسطين، ولكن كيف لها أن تنفذ دون موافقة الطرف الفلسطيني، ومع من سيتم التنسيق، ما هي الآليات؟ هذه مشاريع ضخمة، وأموال كثيرة، فدون موافقة النظام الفلسطيني لن تنفذ”.
وحول وضع قطاع غزة، وهل يمكن أن يُستغل الوضع الاقتصادي له لتمرير أجزاء من الصفقة مع الحديث عن إقامة مشاريع في سيناء، أكد شعبان أنه في ظل الانقسام الفلسطيني وعدم الاستقرار والتصعيد العسكري المتكرر، سيمنع تمرير وتنفيذ أية مشاريع اقتصادية في سيناء لصالح العمال الفلسطينيين في القطاع، بالإضافة إلى أن موقف مصر واضح في هذه النقطة وأنها ترفضها، وهذا الكلام ليس من السهل تنفيذه كما يتصور البعض.
ويستبعد د. حسن خريشة، السياسي الفلسطيني، النائب في المجلس التشريعي المنحل، إمكانية أن يستطيع الأمريكيون تنفيذ هذه الخطوة، خاصة ما دام هناك رفض فلسطيني جدّي وحقيقي من فصائل وأحزاب وقيادة.
وأضاف في تصريحات لــ “دنيا الوطن”: نحن في الحقيقة رفضنا ونظمنا تظاهرات، ولكن الطرف الآخر وهو الجانب الأمريكي والاحتلال الإسرائيلي، لن يكتفيا بهذه الخطوة، وإنما سيحاولان إيجاد بدائل أخرى جديدة، لذلك يجب تعزيز وحدة شعبنا وإتمام المصالحة.
وشدّد على أنه يجب سحب الاعتراف بالاحتلال ووقف التنسيق الأمني، ويجب أن نلتزم بذلك، خاصة في “ظل النغمة الجديدة التي نسمعها من بعض المسؤولين العرب في موضوع التطبيع مع إسرائيل”.
وأكد خريشة على أنه يجب وضع خطة حقيقية لمنع أية مشاريع أمريكية، مشيراً إلى أن أي مشاريع يمكن أن تقام في سيناء أو غير ذلك، لن تكون بأي حال من الأحوال تثبيتاً للأمر الواقع.
ويقول عضو المكتب السياسي لحزب (الشعب)، وليد العوض: إننا أمام أسابيع وأشهر قليلة لاختبار مدى إمكانية نجاح هذه الصفقة، و”ورشة المنامة” خاصة وأن الولايات المتحدة ستتجه إلى انتخابات جديدة.
وأضاف العوض: أن ما طرح في ورشة البحرين، يؤكد المخاوف الفلسطينية بأن هذه الورشة تمثل الركيزة الأساسية لـ (صفقة ترامب)، أولاً: من خلال استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة للشعب الفلسطيني، ثانياً: تقوم على إغراء الدول العربية التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين في محاولة من الإدارة الأمريكية وأعوانها؛ لتصفية قضية اللاجئين عبر توطينهم وهذا يعني أن تصفية قضية اللاجئين يفتح الباب أمام تصفية القضية.
وأضاف عضو المكتب السياسي لحزب (الشعب): علينا الحذر من سعى الولايات المتحدة من استغلال بؤس الوضع الاقتصادي في قطاع غزة لتمرير هذه الصفقة بأشكال ومسميات مختلفة، داعياً إلى إعادة مسار التفاهمات التي تقوم على المعادلات الإنسانية والاقتصادية والإصرار على معالجة قطاع غزة، في إطار معالجة كل الوضع الفلسطيني عبر إنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني في استغلال كل موارده.
وتابع: هذا المقترح الذي وَرَدَ في خطة كوشنير فيما يتعلق بمشاريع سيناء، هو مقترح التوطين والانزياح الطوعي لمئات الآلاف من الفلسطينيين تجاه هذه المنطقة، وهذا الانزياح سيؤدي تدريجياً لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، والذهاب بما يفكر به قادة الاحتلال لتوسيع قطاع غزة، وهذا مرفوض فلسطينياً.
بدوه، يؤكد طارق فهمي، الخبير المصري المختص في الشأن الفلسطيني، أنه قولاً واحداً “لن يحدث، ولن تجرؤ الإدارة الأمريكية والقائمون على الخطة الاقتصادية على تنفيذها”.
واستدرك في تصريحات لـ”دنيا الوطن”: لكن إذا حاولت الإدارة الأمريكية الالتفاف على الواقع الفلسطيني، وتقديم بعض الوجوه والشخصيات ومؤسسات المجتمع المدني وأطراف عربية أخرى، قد يؤدي ذلك للبدء في تنفيذ بعض المشروعات.
وشدّد فهمي على أن الأمريكيين سيبدؤون ببعض المشروعات الصغيرة، للتأكيد على حسن نواياهم تجاه الفلسطينيين، وبناءً على ذلك يجب الحذر من أي تحركات أمريكية داخل الضفة والقطاع، لأنهم سيأخذون الساتر بشكل إنساني، موضحاً: “هم لن يبدؤوا بالمشروعات الضخمة، بل بالصغيرة والقادرة على أن تحدث تغييراً في القطاعات الجماهيرية في الضفة والقطاع”.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، وهل يمكن أن تكون نقطة ضعف قد يستغلها الفلسطينيون، قال الخبير المصري: إنه لا أحد ضد أي مشروع يقام في قطاع غزة بهدف تحسين حالة المواطنين ورفع حالة الحصار، ونحن لن نعترض على ذلك، بما يخدم حياة الشعب الفلسطيني، ولكن شرط ألا يتحول هذا الأمر لأن يكون هو الخيار الأساسي.
وقال فهمي: “يجب أن نكون حذرين من أن تكون المشاريع القطرية أداة أمريكية، ويجب تحجيم جهود لجنة قطر لإعمار قطاع غزة، ضمن الجانب الإنساني فقط.
ويشدد المحلل والكاتب السياسي، مصطفى الصواف، على أن أي حل أو مشروع دون موافقة الشعب الفلسطيني عليه، لن يكتب له النجاح، حتى لو استخدمت كل أدوات القوة، لأن الشعب الفلسطيني لديه حقوقه، خاصة الأرض.
وأضاف في تصريحات لـ “دنيا الوطن”: أن الإدارة الأمريكية، تظن أن حالة الانقسام ربما تكون أحد أهم الأسباب التي يمكن أن تمرر من خلاله هذه الصفقة، ولذلك كان الرد الفلسطيني واضحاً من خلال الفعاليات على الأرض، بأن الشعب الفلسطيني في هذه القضية موحد.
وتابع: رغم الحالة التي عليها قطاع غزة، إلا أنه هو الأقوى في هذه المعادلة، وليس لوحده فقط، مشيراً إلى أن التعويل على ضعف ووضع غزة غير مقبول وغير منطقي، لأنها تتمتع بقوة قد لا يتخيلها أحد، وهي قوة الإرادة وقوة التصميم على العودة وحق تقرير المصير.
بدوره، أكد غسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، أن من الصعب أن تنفذ خطة كوشنر دون موافقة السلطة الفلسطينية، وخصوصاً وأنها ليس لوحدها ترفض وتعارض الخطة، وإنما الشعب الفلسطيني كله يرفضها، بمعنى أن القطاع الخاص ومعارضي السلطة أيضاً كحماس والجهاد الإسلامي، فهناك إجماع فلسطيني على رفض الخطة، وبالتالي من الصعب أن تُنفذ.
ولكن الخطيب استدرك في تصريحاته لـ”دنيا الوطن” بقوله: أتفق مع التحليل أن قطاع غزة نقطة ضعف فيما يتعلق بـ (صفقة القرن)، وذلك لأسباب عديدة بغض النظر عن الوضع الاقتصادي.
وأوضح: حركة حماس أقل حساسية في موضوع حل الدولتين، لأنها ليست متحمسة كثيراً لمبدأ إقامة دولة فلسطينية بحكم أيديولوجي، وهي تشعر وأنها أمام مأزق وجودي بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها في قطاع غزة.
وأضاف: “قد ترى حماس في المساعدات مخرجاً، ولكن النقطة الأهم أن الرؤية الإسرائيلية لا يوجد لديها مشكلة بأن يكون هناك كيان فلسطيني في قطاع غزة، قد يكون بديلاً عن الدولة الفلسطينية، ولا يوجد لدى استراتيجية إسرائيل مشكلة، أن يكون هناك دعم لكيانية فلسطينية، قد تكون نواة الدولة الفلسطينية.
وختم الخطيب: إن ذلك قد يكون مطامع بعض المسؤولين في قطاع غزة، ولذلك أنا اتفق أن نقطة الضعف في قطاع غزة، وهذا شيء خطير ومقلق.
بدوره، يعتقد المحلل والكاتب السياسي، طلال عوكل، أن الإدارة الأمريكية قادرة على تنفيذ خطتها الاقتصادية دون موافقة الفلسطينيين.
ويقول في تصريحات لـ”دنيا الوطن”: إنها ستتحرك وفق آليات قد لا تتطلب موافقات رسمية من الفلسطينيين، بمعنى أن هناك مؤسسات دولية ودور لدول عربية، تريد تنفيذ مشاريع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فماذا يمكن أن يكون موقف الفلسطينيين.
وتابع: أمامنا نموذج قطر، الكل يعرف أنها لا تتصرف بصورة مستقلة، ولا من موقف حب للقضية الفلسطينية، المال القطري مال سياسي، والكل يعرف ذلك، ومع هذا عندما تقوم قطر بإقامة مشاريع في غزة، نرد “شكراً قطر”، مشيراً إلى أن المساعدات والمشاريع، ستكون على نفس الوتيرة.
وقال عوكل: “الولايات المتحدة تريد تأسيس آلية أحادية الجانب تفرض الوقائع على الأرض حتى لو لم يكن هناك مردود سياسي مباشر، مثل ما فرضته في موضوع القدس و(أونروا)، وهي لا تريد موافقة فلسطينية أو غير ذلك” لأن منطق القوة هو الذي يفرض نفسه على الأرض إن كان سياسياً أو اقتصادياً”.
وتابع المحلل والكاتب السياسي: بما يتعلق بمشاريع سيناء هو جزء من الرؤية الاقتصادية لـ (صفقة القرن) وهي ستخدم مصر وستخدم قطاع غزة، وتستوعب الكثير من الأيدي العاملة.
وأضاف: غزة لن تكون قادرة على الرفض، وليس من مصلحتها رفض مثل هذه المشاريع، خاصة، وأن هناك تفاهمات حالياً برعاية مصرية لتحفيف الحصار، ولذلك الوضع الفلسطيني القائم على الانقسام، يساهم في تنفيذ (صفقة القرن).