القدس المحتلة /كتب الصحفي الاسرائيلي تسفي برئيل من “هآرتس” العبرية ، عن ملامح شرق أوسط جديد ، بعد العدوان المتواصل على قطاع غزة ، فقال بمقالة له تحت عنوان ” خطوط لشرق أوسط جديد “:
“يبدو أن المقدمات لوقف النار، على لسان المسؤول الإسرائيلي الكبير أمس، والتسريبات التي وصلت من حماس عن التقدم في المحادثات لم تتحقق. ومع ذلك منذ الان يمكن القول ان حملة «الجرف الصامد» لم تكن فقط اختبارا في ادارة النار المتبادلة بين دولة ومنظمة. فقد كانت هذه مناورة في ادارة السياسة وفي رسم موازين القوى السياسية الجديدة في المنطقة.
خلافا للحملات السابقة، التي تمتعت فيها حماس بدعم مالي وعسكري من جانب مصر، ايران، سوريا، تركيا وقطر – هذه المرة وضع حماس مختلف تماما.
لقد أدارت حماس حربا منعزلة، دون اسناد عربي او جماهيري، مع صندوق فارغ ودون قناة نقليات تحت أرضية يمكنها أن تملأ النقص في مخزون الصواريخ. يبدو أيضا أنه لم يسبق لحماس أن تعرضت للهجوم من ناطقين عرب، رسميين وغير رسميين، مثلما تعرضت هذه المرة. ويمكن أن تقارن مكانتها بمكانة حزب الله بعد حرب لبنان الثانية، حين لم تكن وحدها الحكومة اللبنانية بل والدول العربية ايضا انتقدت بشدة مبادرة حزب الله الخاصة لمهاجمة اسرائيل والحاق دمار بلبنان جراء ذلك.
وحتى اسرائيل حظيت بلحظات من الراحة: «حماس لا يمكنها أن تكون عدو السلطة الفلسطينية، اسرائيل ومصر في الوقت نفسه»، كتب هذا الاسبوع الصحافي المصري المعروف عماد الدين اديب، في مقال نشره في صحيفة «الاهرام». الصحيفة التي بملكية الحكومة، حرصت على التشديد بان بالذات اسرائيل هي التي تبنت الاقتراح المصري بينما رفضته حماس.
ولكن الحوار اللاذع بين مصر وحماس انتقل أيضا الى الجبهة السياسية والى منظومات العلاقات التي بين مصر ودول اخرى. «فجأة ودون أي سبب اشتعل الوضع في العريش وشمال سيناء، ومرة اخرى بدأ اطلاق الصواريخ… متوقع بالطبع ان يكون هناك من يستغل الهجمة الاسرائيلية على غزة، والتي أوقعت 200 قتيلا ومئات الجرحى، لتوجيه الاتهامات لمصر على موقفها من القضية الفلسطينية»، هكذا كتب في افتتاحية «الاهرام». ولكن يبدو حاليا ان الموقف المدافع كان زائدا. فقد وصلت صواريخ حماس حتى قصر الرئاسة في القاهرة وانزلقت عنه حتى الان دون اصابة. والتخوف المصري من ان تثير الهجمات على غزة رد فعل جماهيري حاد فتجبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن يتخذ علنا على الاقل موقفا لم يتحقق. صحيح أن السيسي سارع الى فتح معبر رفح أمام الجرحى الفلسطينيين. ولكنه بنفسه امتنع عن التصريحات. ولم يكلف الحكم المصري نفسه حتى عناء اطلاع حماس على الاتصالات التي اجراها السيسي مع نتنياهو.
كما أن دولا عربية كالسعودية واتحاد الامارات أيدت الموقف المصري حين خرجت السعودية عن طورها كي توضح بان الحل هو في يد مصر فقط. وحاولت قيادة حماس، ولا سيما رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، التي تشعر جيدا بالعزلة السياسية، حاولت فتح قناة موازية لمحادثات الوساطة من خلال قطر وتركيا، ولكن هنا اتضح ايضا خلاف بين حماس والجهاد الاسلامي التي فضلت الوساطة المصرية. قطر، كما هو متوقع، اقترحت خدماتها وخططت بالتعاون مع تركيا ولكن هاتين الدولتين تعيشان علاقات متوترة مع معظم الدول العربية ولا سيما مع مصر والسعودية. فقد علقت تركيا في مكانة عدو «رسمي» لمصر عندما هاجم اردوغان بشدة استثنائية استيلاء السيسي على الحكم قبل سنة وواصل ذلك حتى بعد انتخاب السيسي للرئاسة.
قطر هي خصم قديم لمصر، منذ عهد الرئيس حسني مبارك. وتجند شبكة «الجزيرة» القطرية في صالح الاخوان المسلمين اضاف وزنها الى الشحنة المريرة من أحاسيس مصر تجاه الامارة التي تدوس ايضا على أهداب السعودية. اما السعودية، التي جعلت مصر مرعيتها اقتصاديا فقد بادرت الى مقاطعة من دول الخليج على قطر، والى جانب بعض دول الخليج فرضت على قطر التعهد بعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ولكن قطر نجحت في التدخل في كل نزاع اقليمي. والنتيجة هي أنه في السنوات الثلاثة الماضية تفككت التحالفات القديمة ونشأت مكانها تحالفات مؤقتة غير قادرة على بلورة قرار عربي موحد. وهكذا، اذا كان في الماضي كل هجوم عسكري في غزة شكل نسغا لجمع التجند العربي، هذه المرة وسعت الحرب شبكة الصدوع بين العرب. وبين هذه الصدوع الواسعة علقت حماس تقريبا دون قدرة على المناورة.
ظاهرا، هذا انجاز بالنقاط لمصر، للرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) وحتى لاسرائيل. ولكن لكل حملة يوجد مخرج من الحملة. ووقف النار، عندما يتحقق سيكون قبل كل شيء «وقف نار مصري». وسيوضح اليومان القادمان ايضا كم ستتعزز مكانة عباس الذي سيصل اليوم الى تركيا بعد لقاءات أجراها على مدى يومين في القاهرة.
عباس، كما يجدر بالذكر، ليس وسيطا، فهو طرف معني. هو الرئيس الفلسطيني الذي يتعين عليه أن يخمد النار التي اشتعلت في اقليم من اقاليم فلسطين. وهدفه هو ان يمنع مرة اخرى وضعا تتحدى فيه المنظمة حكمه من خلال الصواريخ وضعضعة مكانة حماس كرديف لحزب الله في لبنان حيث تكون في الحكومة وتهدد الدولة بسلاحها في آن معا.
آماله في النجاح افضل من آمال حكومة لبنان، وذلك أساسا لان حماس محوطة من كل الجوانب، تمويلها معطل وهي ترى في المصالحة مع فتح حبل النجاة الوحيد. وبالنسبة لاسرائيل فان هذه فرصة استثنائية لتعزيز مكانة عباس في الساحة الفلسطينية، دون ان تكون مطالبة بدفع ثمن سياسي داخلي أو خارجي.
ان الاعتراف بحكومة الوحدة، والموافقة على منح حماس السجناء الذين تعهدت بتحريرهم، التعاون معه في ترميم غزة، منح إذن للبنوك الفلسطينية بدفع رواتب موظفي حماس، ليست فقط جزءا من مطالب حماس ترفضها إسرائيل. هذه ايضا روافع سياسية يمكن لاسرائيل من خلالها ان تعظم قوة عباس. والشرط هو بالطبع ان ترى إسرائيل المواجهة في غزة ليس فقط كحرب بينها وبين المنظمة، بل كفرصة لان توقف بوسائل سياسية الجولات التالية”.