واشنطن : في الوقت الذي تستعد فيه العاصمة الأميركية واشنطن لاحتضان الاحتفالات الخاصة بتولي الرئيس الأميركي باراك أوباما مقاليد ولايته الثانية على مدى يومين متتالين، حيث يؤدي اوباما القسم الدستوري داخل البيت ألأبيض في تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الاحد الموافق 20 كانون الثاني (يناير) الجاري، على ان يشهد اليوم التالي (الاثنين 21\1) إطلاق الاحتفالات الشعبية وحفلات الرقص التي دعي للمشاركة فيها حشد من النخبة الاجتماعية ممن قدموا تبرعات سخية لحملة أوباما الانتخابية، تنشغل واشنطن أيضاً بمجموعة من النشاطات التي تخص الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري على بعد آلاف لأميال من الشواطئ الأميركية.
وكان معهد (بروكينغز) المعروف بقربه من الحزب الديمقراطي ، نظم مجموعة من اللقاءات البحثية ونقاشات “الطاولة المستديرة” بمشاركة شخصيات اعلامية وسياسية بارزة في مقدمتهم مارتن إنديك، نائب رئيس المعهد وسفير واشنطن الاسبق في تل أبيب ، وذلك في محاولة لقراءة مستقبل العلاقة الأميركية الإسرائيلية في سياق التوتر العلني القائم بين أوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومناقشة التداعيات المترتبة إزاء حتمية صعود اليمين وسيطرته على مستقبل السياسة الإسرائيلية في المدى المنظور.
كما نظم معهد (وودرو ويلسون) سلسله لقاءات مماثلة بمشاركة خبرائه المخضرمين الذين انخرطوا بشكل مباشر عبر عقدين من الزمن في خضم المفاوضات وعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 من أمثال آرون ميلر، عضو الوفد الأميركي المفاوض عبر “ملحمة التفاوض” في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، وسفير واشنطن السابق لدى تل أبيب دانيال كيرتزر وكلاهما يعملان في المعهد ويترأسان أولوياته البحثية بكل ما يخص قضايا الشرق الأوسط.
كذلك فعل “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” المعروف بدعمه الأعمى لكل الحكومات الإسرائيلية منذ أن أنشأته منظمة (أيباك) عام 1985، بقيادة مستشار الرئيس الأميركي السابق دينس روس، وزميله روبرت ساتلوف، حيث ينفق هذا المعهد موارد هائلة من اجل الترويج لوجهة النظر الإسرائيلية، فلا يكاد يمر أسبوع واحد في العاصمة الأميركية دون أن ينظم هذا المعهد ندوة تخص إسرائيل والصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو عملية السلام والتي يشارك فيها عادة مجموعة من الشخصيات النخبوية في العاصمة من ذوي الشأن والسمعة والتأثير.
كذلك تتجمع تكتلات من الكتاب والصحافيين من اليهود الأميركيين البارزين مثل بيتر باينارت، ونورمان فينكلستاين وآخرين من الذين يحذرون من اتجاه المجتمع الإسرائيلي برمته نحو اليمين وخطورة ذلك على “مستقبل الدولة اليهودية” بسبب الاستيطان وسياسة الآبارتهايد الإسرائيلية وانعكاسات ذلك سلبياً على اليهود الأميركيين “الذين يجب أن يرفعوا أصواتهم للضغط على إسرائيل من أجل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وتسريع تنفيذ حل الدولتين كونه الحل الوحيد حسب قول باينارت الذي ألف كتاب (أزمة الصهيونية) والذي يندد باتهام “الناس بمعاداة السامية كلما انتقدوا سياسات إسرائيل التعسفية ضد الفلسطينيين”.
في المقابل هناك غلاة اليمين المتطرف مثل إليوت آبرامز الذي عمل مستشاراً ومسؤولا عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، والذي يعمل حالياً في مجلس العلاقات الخارجية ، ودنيال بليتكا، اليمينية الليكودية العتيدة من معهد “أميركان إنتربرايز” والذي يعتبر مركز “المحافظين الجدد” بزعامة بول ولفويتز، نائب وزير الدفاع السابق (عهد بوش الإبن)، وريتشارد بيرل والذي كان المحرك الأكبر وراء غزو واحتلال العراق ، وجميعهم يتفقون على إدانة الرئيس الأميركي باراك أوباما “بسبب عدائه لبنيامين نتنياهو وإصراره على أن الاستيطان يعرقل السلام، وايضا بسبب وقوفه متفرجاً على إيران وهي تتقدم بشكل حثيث نحو امتلاك القنبلة النووية، وبسبب ترشيح شخص معاد للسامية مثل تشاك هيجل لمنصب وزير الدفاع موجهاً بذلك رسالة خاطئة لأعداء إسرائيل تشجعهم على العدوان عليها” حسب قول إليوت آبرامز.
ويلمس المراقب تباينا في المواقف بين هؤلاء، خصوصا من أمثال دانيال كيرتزر الذي يعتبر من “الموضوعيين العقلانيين الذي يدفعون باتجاه تنفيذ حل الدولتين وضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 مع اتفاق لتبادل الأراضي بما يخدم الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”.
وقد انتهج كيرتزر الذي كان حرر كتاب “الطريق إلى السلام” في الخريف الماضي نهجاً جديداً هجيناً خلال الأيام الأخيرة، حيث تنقل بين مجموعة من المنابر الفكرية والبحثية في واشنطن من اجل الترويج لأفكار تتناقض مع موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة بخصوص “معنى الدولة الفلسطينية الحيوية المستقلة والمتواصلة جغرافياً”.
ويركز كيرتزر على بضعة قضايا بخصوص حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهو يحث الرئيس أوباما على أخذها بعين الاعتبار من اجل تفعيل وصقل سياسته الخارجية خلال فترة ولايته الثانية “حيث يجب أن تكون أولويته العودة الى المفاوضات المباشرة غير المشروطة بين الفلسطينيين وإسرائيل”.
ويقول كيرتزر انه لم يتم حتى هذه اللحظة تحديد أو تبيان حدود للدولة الفلسطينية وإسرائيل والمسؤوليات الأمنية التي يجب أن يتحملها الطرفان تجاه الحفاظ على الأمن والسلام، ، فيما يقترح مناقشة قضايا الوضع النهائي وفق التسلسل التالي: الحدود، والأمن، واللاجئين، والقدس، والمستوطنات.
وينصح كيرتزر “بضمان أن تكون الدولة الفلسطينية قابلة للحياة، ولكن على واشنطن أن تصرح بأن الاستيطان حتى في منطقة (E1) لا يعيق حيوية الدولة الفلسطينية”، مشيرا الى “انه يتوجب على الفلسطينيين أن يواجهوا الحقيقة بالنسبة لقضية اللاجئين، وأن يتفهموا أن اللاجئين الفلسطينيين لن يعودا، وعليهم أن يتخلوا عن حق العودة صراحة وعلناً “، وأن حل قضية اللاجئين يتم عبر التعاون الإقليمي الدولي.
وفيما يخص المستوطنات والمستوطنين ، يقول كيرتزر “إن المستوطنين ليسوا مجرمين ومن الخطأ تجريم الاستيطان بأي قسط”.
ولا يقصر كيرتزر نصائحه على الرئيس الأميركي والفلسطينيين وإسرائيل، بل يخاطب الدول العربية قائلا “نحن نثمن المبادرة العربية (مبادرة الملك فهد عام 2002) ولكن على العرب أن يدركوا أن هذه مبادرة عربية، وليست أميركية أو إسرائيلية؛ ومع أنها مبادرة إيجابية، إلا أنها ليست كافية، هناك الكثير الذي يجب أن يقوم به العرب لبناء الثقة مع الشعب الإسرائيلي”.
وبينما لا يعتقد أحد بحدوث اي تغييرفي موقف الأميركيين اليهود ودعمهم التاريخي للحكومات الإسرائيلية ، يمينية كانت أم وسطية، ألا أن هناك شعوراً عاماً لدى ذوي الاهتمام بالشأن الإسرائيلي في واشنطن على اختلاف توجهاتهم أن “الرئيس الأميركي باراك أوباما ورغم إحباطه بسبب عدم التقدم على جبهة السلام الإسرائيلي الفلسطيني ، لن يتمكن من تفادي مواجهة المتغيرات التي تفرضها تطورات المنطقة سواء كانت الانتخابات الإسرائيلية أو التطورات السياسية المتسارعة في الدول العربية” حسب قول أرون ميلير، الباحث في معهد واشنطن مع العلم أنه لا يتوقع اختراقات واضحة في عملية السلام في السنوات الأربع المقبلة.
القدس – سعيد عريقات .