الناصرة / رأى الباحث الفلسطيني، د. محمود محارب أنّه من المتوقع أن تستمر الأزمة بين تركيا وإسرائيل وأن يستمر التوتر السياسي بينهما ما لم تستجب إسرائيل للمطالب التركية، ولكن من غير المستبعد أن تستجيب إسرائيل للمطالب التركية بعد الانتخابات الإسرائيلية، التي جرت في كانون الثاني (يناير) الماضي، ويزداد احتمال قيام إسرائيل بتقديم الاعتذار والتعويض والتفاوض على مفهوم المطلب التركي بشأن فك الحصار عن قطاع غزة، في حال تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة لا يتولى بها أفيغدور ليبرمان أو مسؤول آخر من حزبه منصب وزير الخارجية في الحكومة الإسرائيلية القادمة، على حد تعبيره.
وأضاف د. محارب في دراسة نشرها في (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) أنّه منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا في عام 2002، شهدت العلاقات التركية ـ الإسرائيلية تآكلا تدريجيا ومستمرا ازداد عاما بعد آخر. وبعد مرور عدة سنوات، ما لبثت أن تغيرت طبيعة هذه العلاقات بين الدولتين من علاقات ود وتحالف، كانت سائدة بين الدولتين لعقد كامل قبل وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، إلى علاقات جفاء وتباعد، لاسيما بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009.
فقد أدخل هذا العدوان العلاقات بين الدولتين في مرحلة جديدة، اتسمت بالتوتر السياسي وبازدياد حدة ووتيرة انتقادات تركيا للسياسة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة، إذ ما انفك قادة تركيا، وخاصة رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، يهاجمون السياسة الإسرائيلية وينتقدونها بشدة على مدار السنة. وشهد عام 2010 مزيدا من التدهور في العلاقات السياسية بين الدولتين بعد اعتداء الجيش الإسرائيلي على أسطول الحرية في المياه الدولية في أيار (مايو) 2010، الذي كان متجها إلى غزة، وقتله تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة التركية. لقد هز هذا الاعتداء العلاقات الإسرائيلية ـ التركية بشدة وأدخلها في طور جديد من التوتر السياسي الشديد والخصومة المكشوفة.
وطالبت تركيا من إسرائيل بعيد الاعتداء الإسرائيلي، بثلاثة مطالب محددة وواضحة: أولا، تقديم اعتذار رسمي إلى تركيا.
ثانيا، دفع تعويضات لعائلات الضحايا الأتراك. ثالثا، فك الحصار عن قطاع غزة. وربطت تركيا بين استجابة إسرائيل لهذه المطالب الثلاثة وبين مستقبل العلاقات بين الدولتين، وأكدت أنه إذا لم تستجب إسرائيل لهذه المطالب فإن تركيا ستتخذ جملة من الخطوات ضد إسرائيل لمعاقبتها على جريمة قتل مواطنيها التسعة واعتدائها على أسطول الحرية في المياه الدولية.
وبحسبه، قد يبدو للوهلة الأولى أن الاعتذار كان المطلب الأسهل على إسرائيل الاستجابة له من بين المطالب الثلاثة التي اشترطتها تركيا لإعادة علاقاتها الطبيعية مع إسرائيل. بيد أنه تبين أن الاعتذار كان الأكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل، إذ اتضح من المفاوضات التي جرت بين تركيا وإسرائيل، أنه في حين كان بالإمكان التوصل إلى تفاهم بشأن مطلبي التعويض وفك الحصار عن قطاع غزة، ظل رفض إسرائيل الاعتذار لتركيا يشكل العقبة الرئيسيّة التي تحول دون التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة بين الدولتين. وفي الوقت الذي تمسكت فيه برفض الاعتذار، أعربت إسرائيل أكثر من مرة، في سياق تمسكها في تبرير الهجوم على سفينة مرمرة، عن أسفها لسقوط ضحايا أتراك، محاولة بذلك الاستعاضة عن الاعتذار عما فعلته، بالإعراب عن أسفها عن النتائج التي أسفرت عنها فعلتها. بيد أنه كان واضحا لكل من إسرائيل وتركيا الفرق الكبير بين الإعراب عن الأسف وتقديم الاعتذار. فالاعتذار، خلافا للإعراب عن الأسف، يشمل الإقرار بالخطأ وتحمل المسؤولية على جميع الأصعدة، لا سيما الأخلاقية والسياسية والقانونية.
وتابع: وصلت العلاقات العسكرية ـ الأمنية والصفقات العسكرية بين إسرائيل وتركيا إلى الحضيض بعد العدوان الإسرائيلي على سفينة مرمرة. فقد أوقفت تركيا المناورات العسكرية بين الدولتين وأنهت الصفقات العسكرية ووضعت حدا للعلاقات المخابراتية ـ الأمنية التي كانت قد بدأت سريا في عام 1957.
على خلاف قطع العلاقات العسكرية والأمنية وإنهاء الصفقات التجارية العسكرية، شهدت العلاقات الاقتصادية ارتفاعا متزايدا بين تركيا وإسرائيل منذ عام 2010. فقد وصل التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا في عام 2011 أربعة مليارات دولار، إذ بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا 1.8 مليار دولار في عام 2011 مرتفعة بـ 34 بالمئة عما كانت عليه في عام 2010.
وبلغت الواردات الإسرائيلية من تركيا 2.2 مليار دولار في عام 2011 مرتفعة بـ22 بالمئة عما كانت عليه في عام 2010.
وأشار د. محارب إلى أنّ النخبة في إسرائيل باتت تدرك أن تركيا دولة محورية وقوية في الشرق الأوسط تزداد مكانتها ويتعزز دورها ونفوذها في المنطقة عاما بعد آخر. وتدرك أيضا أن تركيا تمتلك عددا هاما من الأوراق، علاوة على تلك التي استعملتها، للضغط على إسرائيل للاستجابة للمطالب التركية، وأهمها: الإسراع في الخطوة التي بدأتها في نهاية أيار (مايو) الماضي، في مقاضاة قادة الجيش الإسرائيلي وملاحقتهم قانونيا بعد إدانتهم بما في ذلك الطلب من الإنتربول تسليمهم إلى تركيا. تجميد العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل التي لم تتأثر سلبا بالأزمة بين الدولتين حتى الآن، بل تعززت إذ وصل التبادل التجاري بين الدولتين في عام 2011 ما يقارب أربعة مليارات دولار.
المبادرة وتنسيق المواقف مع الدول المحورية العربية في الشرق الأوسط ضد السياسة الإسرائيلية العدوانية بحق الشعب الفلسطيني والعمل على إدانة ومقاطعة إسرائيل في المؤسسات الإقليمية والدولية. ومن المستبعد جدا أن تتراجع الحكومة التركية عن مطالبها الثلاثة.
ومن المتوقع أن تستمر الأزمة بين الدولتين وأن يستمر التوتر السياسي بينهما ما لم تستجب إسرائيل للمطالب التركية. فعلاوة على مفهوم تركيا تحت قيادة حزب العدالة والتنمية لمكانتها القوية ولدورها المحوري في الشرق الأوسط، والذي يتعارض مع مكانة ودور إسرائيل في المنطقة، هناك جملة من قضايا الخلاف التي قد تقود إلى توتير العلاقات بين الدولتين وتفجير الأزمات بينها، وفي مقدمتها ممارسات إسرائيل العدوانية في المنطقة واعتبار إسرائيل لنفسها أنها فوق القانون وفوق المحاسبة، وسياسة الاستيطان والبطش التي تتبعها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والاختلاف القائم بين الدولتين بشأن حقول الغاز القريبة من قبرص، والدعم الذي تقدمه إسرائيل للأكراد في شمال العراق، وإمكانية انزلاق هذا الدعم إلى حزب العمال الكردستاني.
القدس العربي – زهير اندراوس