واشنطن : أصدرت لجنة الأبحاث التابعة للكونغرس الاميركي نهاية الشهر الماضي دراسة بعنوان “مصر: خلفية وعلاقات الولايات المتحدة” تضمنت عرضاً لمواضيع أساسية للكونغرس تتعلق بمصر وفي مقدمتها المساعدات الخارجية الاميركية، التي حظيت بالنصيب الأكبر من الدراسة التي أوردت أن الولايات المتحدة “قدمت لمصر منذ أواخر سبعينات القرن الماضي مساعدات عسكرية واقتصادية جوهرية”.
وتناولت الدراسة رقم (7-7500) RL33003 التي صدرت قبيل زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري الأخيرة القاهرة، الوضع الراهن في مصر سياسياً واقتصادياً، والمحادثات التي تجريها الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بمبلغ 4.8 مليار دولار، وعلاقات مصر مع إسرائيل في ضوء الوضع الجديد بعد التغيير الذي شهدته، مركزة على “الأهمية القصوى التي يحتلها موضوع الحفاظ على استمرار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل”.
كما تناولت الدراسة العلاقات المصرية – الاميركية التي وصفتها بأنها “تواجه سلسلة من التحديات منذ أكثر من سنتين، نتيجة التغيير الدراماتيكي الذي شهدته مصر”.
وفي تقييمها للوضع الراهن أوردت الدراسة أن مصر “بعد سنتين من استقالة الرئيس حسني مبارك (تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية العارمة)، مشحونة بثقافة سياسية مشلولة، وانكماش اقتصادي يمكن أن يؤدي إلى فوضى عامة أكبر إذا لم يتم العمل لإنجاز استقرار اقتصادي في البلاد”.
وأشارت الدراسة إلى أن جماعة الأخوان المسلمين والجيش هما اللاعبان المهيمنان في مصر، حيث يدرك الرئيس المصري أن تعزيز سيطرته على الدولة ومؤسساتها أمر ضروري لاستقرار البلاد، لكنه يواجه معارضة من الطبقة الوسطى في ضواحي القاهرة وفي مدن القناة مثل بورسعيد والإسماعيلية والسويس، ومعارضة من قوى وجماعات وأحزاب سياسية تخشى من هيمنة الأخوان المسلمين على السلطة والاستئثار بها وفرض ديكتاتورية على إرادة الشعب المصري.
وأوضحت الدراسة أن المصريين منقسمون حول دور الدين في الحياة العامة، وحول مدى تدخل الدولة في الاقتصاد، وأشارت إلى القوى السياسية المتناحرة التي تشمل الأخوان المسلمين، والسلفيين، ومؤيدي النظام السابق، واليساريين، والناصريين، والأحزاب العلمانية الليبرالية. ووصفت الدراسة جماعة الأخوان المسلمين بأنها أنجح هذه القوى وأكثرها تنظيماً.
وبالنسبة للانتخابات البرلمانية التي أعلن الرئيس مرسي أنها ستتم في أبريل المقبل جاء في الدراسة أن الأخوان المسلمين وحزبهم المسمى “حزب الحرية والعدالة”، والسلفيين وحزبهم المسمى “حزب النور” أعلنا أنهما “يسعيان إلى الحصول على الغالبية البرلمانية في الانتخابات التي ستجري في نيسان (أبريل) 2013”.
وبالنسبة لقوى المعارضة السياسية قالت الدراسة: “أن المفتاح لنجاح قوى المعارضة هو الحفاظ على وحدتها الداخلية التي أثبتت تجارب الماضي صعوبتها”.
لكن الدراسة أوضحت أنه “مهما تكن نتائج الانتخابات المقبلة، فإن مؤشرات عديدة تدل على أن الصراع السياسي بين الجماعات الإسلامية من جهة ومجموعات المعارضة السياسية من جهة أخرى، سيسهم في تراجع ثقة الرأي العام بالحكومة المصرية”. وأشارت إلى التظاهرات وأحداث الشغب والاضطرابات التي شهدتها عدد من المدن المصرية في أواخر شهري يناير وفبراير 2013. كما أشارت إلى الحوار الذي دعا إليه الرئيس مرسي بين جماعة الاخوان المسلمين وقوى المعارضة السياسية.
وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي أشارت الدراسة إلى أن الاقتصاد المصري يعاني من مشاكل بالغة، وأن عدم استقرار الوضع الاقتصادي بالإضافة إلى عجز الميزانية يهدد بعدم استقرار اجتماعي متزايد.
وفيما يتعلق بالمفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ 4.8 مليار دولار، أوضحت الدراسة أن قبول شروط صندوق النقد ” موضوع متفجر ” في السياسة المصرية. كما أن رفع الضرائب وغيرها من الخطوات غير المرغوبة شعبياً ربما تؤكد الثمن السياسي الذي سيدفعه الأخوان المسلمون. ولذلك “ربما يسعى الرئيس مرسي إلى تأجيل الاتفاق على صفقة مع صندوق النقد الدولي، إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية ” حسبما جاء في الدراسة التي أشارت أيضاً إلى ما قام به الرئيس مرسي وحكومته من إجراءات لمعالجة مشاكل الوضع الاقتصادي.
وبالنسبة لعلاقات مصر مع إسرائيل أوردت الدراسة تصريحات لمرسي في خطاب عام 2010 شبه فيه اليهود بالقردة والخنازير، مما يعني معاداته للسامية. لكن الدراسة أوضحت أن مصر وإسرائيل تواصلان التعاون للحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. كما أنهما يتعاونان في قضايا استخباراتية وعسكرية، وأعطت الدراسة مثالاً على ذلك بالإشارة إلى لقاء تم منتصف فبراير 2013 بين مدير الاستخبارات المصرية رفعت شحاتة وقادة عسكريين إسرائيليين بحثوا خلاله موضوع “حماس”، والأمن على الحدود المصرية – الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بالمساعدات الخارجية الاميركية لمصر التي استأثرت بالجزء الكبير من الدراسة، تضمنت الدراسة عدة بيانات تستعرض مقدار ما تم تقديمه لمصر من مساعدات خلال العقود الماضية منذ عام 1948 وبالذات منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1969 حتى الآن، وهي مساعدات عسكرية واقتصادية.
وأشارت إلى أهمية تقديم تلك المساعدات، حيث جاء في الدراسة ” أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية واقتصادية أساسية لمصر منذ أواخر سبعينات القرن الماضي. وأن صانعي السياسة الاميركية برروا روتينياً وعلى الدوام المساعدات لمصر على أنها استثمار في الأمن الإقليمي، وبنيت تلك المساعدات أساساً على تعاون عسكري طويل للحفاظ على معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1969. وإن الإدارات الاميركية المتعاقبة نظرت إلى الحكومة المصرية بصفتها مؤثراً عاماً في التطورات في منطقة الشرق الأوسط في خط منسجم مع مصالح الولايات المتحدة “.
وفي عرضها لمجمل المساعدات الاقتصادية العسكرية الاميركية التي تلقتها مصر، أوردت الدراسة أن مجموع ما تلقته خلال الفترة بين عامي 1948 و 2012 بلغ 73,174.0 مليار دولار (31,320.3 مليار مساعدات اقتصادية و 41,809.2 مليار دولار مساعدات عسكرية)، ومن مجموع ما تلقته مصر كان مبلغ 45,669.4 مليار دولار خلال الفترة بين عامة 1948 و 1997 (23,288.6 مليار دولار اقتصادية و 22,353.5 مليار دولار عسكرية).
وبينت الدراسة أن مصر جاءت في الترتيب الخامس بين الدول العشر الأولى التي تلقت مساعدات خارجية أميركية خلال عامي 2012 و 2013 على التوالي: 1,557 و 1,563 مليار دولار. بينما احتلت إسرائيل الترتيب الأول 3,075 مليار عام 2012 و 3,100 مليار عام 2013. وجاء العراق في الترتيب الرابع 1,683 عام 2012 و 2,045 عام 2013. واحتل الأردن الترتيب السادس حيث تلقى 676 مليون دولار عام 2012 ومن المقرر أن يتلق 671 مليون دولار عام 2013.
وأوضحت الدراسة أن الرئيس أوباما طلب تقديم مساعدات لمصر في ميزانية عام 2013 بمبلغ 1.55 مليار دولار (1.3 مليار مساعدات عسكرية و 250 مليون مساعدات اقتصادية) وأن هذا المبلغ لم يطرأ عليه أي تغيير مقارنة بمساعدات العام الماضي وقبله.
وتابعت الدراسة في تناولها للعلاقات بين البلدين ومستقبل تلك العلاقات في المجالين السياسي والاقتصادي موضحة “أن صانعي السياسة الاميركية الآن يصارعون مجموعة من الأسئلة بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، وأن الجدل والأحداث الدائرة في مصر تؤثر في المناقشات الدائرة في الكونغرس حول التشريعات المتعلقة بمخصصات المساعدات الاميركية لمصر، وتؤثر في صياغة تلك التشريعات وإقرارها”.
واستطردت الدراسة قائلة أن لدى الرئيس أوباما والمسؤولين في إدارته وللقادة العسكريين الاميركيين “رغبة واضحة في إشراك حكومة الرئيس محمد مرسي الجديدة في عدد من الموضوعات تشمل الدعم الاقتصادي الفوري، وأمن سيناء. كما أن لدى آخرين (في الكونغرس والإدارة) رغبة في استغلال الفرص المتوفرة لتجديد دبلوماسية تركت ظلالاً عليها التوجهات السياسية المزعجة التي أطلقتها ما يسمى بالانتفاضات العربية، مما سمح بالتعبير عن المشاعر المناهضة للولايات المتحدة والسياسات الإسلامية الراديكالية المناهضة لإسرائيل، والطوائف والأقليات الأخرى”، بحسب الدراسة.
كما أشارت الدراسة إلى أن “الرئيس مرسي سيختار (على الأرجح) التعاون مع الولايات المتحدة في عدد من القضايا الأمنية والاقتصادية، ولكن حكومته قد تحد من التعاون الاستخباراتي في مواضيع تخص الإرهاب”، ولكنها أشارت إلى “احتمال حصول مواجهات وتوتر في العلاقات ين مصر وإسرائيل.
وأشارت الدراسة إلى توقعات خبراء بأن مصر قد لا تتبع الولايات المتحدة في المستقبل، كما كان الوضع عليه في عهد مبارك، ولكن الأمور على ما يرام حتى هذه اللحظة.
القدس دوت كوم –سعيد عريقات .