القدس / ذكرت دراسة حديثة، نشرتها جمعية حقوق المواطن، اليوم الأربعاء، أن الوضع الاقتصادي لسكان القدس خطير جدا، وقرابة 78% من سكان المدينة، يعيشون دون خط الفقر.
وتناولت الدراسة تأثير سياسة الفقر على الاقتصاد في القدس الشرقية، وتداعيات الممارسات الإسرائيلية على النواحي الاجتماعية المختلفة.
وحسب الدراسة، أغلقت آلاف المحلات التجارية الفلسطينية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة؛ والمنطقة الصناعية الوحيدة في وادي ‘الجوز’ مهددة بالإغلاق، حيث قامت بلديّة القدس مؤخرا بتوزيع أوامر إخلاء لأصحاب المصالح في تلك المنطقة، بحجة النية لتوسيع الشوارع، ولأنّ هذه الورش تقع في قلب حيّ سكنيّ.
وأشارت إلى أن حوالي 85% من النساء، و40% الرجال، هم خارج إطار العمالة في مدينة القدس. وعزت الدراسة ذلك إلى عدم توفر أماكن عمل، ولا تصاريح لإقامة مراكز أعمال جديدة، لاستيعاب المزيد من الطاقات البشرية.
وكشفت الدراسة أن السكّان الفلسطينيين في القدس الشرقيّة (360,882 نسمة) يعانون من الفقر المدقع، ومن أفق تشغيليّ محدود جدا، ومن جهاز تعليم مهمل وضعيف، ومن غياب للبنى التحتيّة المادية والاقتصاديّة.
ولفتت إلى أن الوضع الاقتصادي في القدس الشرقيّة خطير جدا، حيث يقبع 78% من السكّان و84% من الأطفال تحت خطّ الفقر. وعللت ذلك أن معطيات عام 2006 تكشف أن 64% من المقدسيين، قبعوا آنذاك تحت خطّ الفقر، و73% منهم من الأطفال (وهم يشكّلون نصف السكّان الذين يقطنون في القدس الشرقيّة).
ونوهّت جمعية ‘حقوق المواطن’ أن الهدف من وراء إعداد هذه الدراسة، هو التحذير من انزلاق مزيد من العائلات الفلسطينيّة إلى دوائر الفقر بوتيرة متسارعة؛ والوقوف على المعوّقات التي يواجهها الفلسطينيون عند قيامهم بالبحث عن عمل يمكنهم من تحقيق العيش الكريم، علاوة على كشف السياسة الإسرائيلية، التي دفعت نحو تدهور بالغ في الوضع الاجتماعيّ- الاقتصاديّ، والانتهاك المتكرر لحقوق السكان.
وأشارت الدراسة إلى أن الكثير من العائلات الفلسطينيّة التي تعيش في دائرة الفقر، تعاني من البطالة ومن التشغيل الجزئيّ (التشغيل بوظائف جزئيّة). ففي أحيان كثيرة، لا يحصل حتّى من يعمل بوظيفة كاملة على مقابل مادّيّ لائق، ويجد نفسه مجبرًا على الاكتفاء بالحدّ الأدنى من الأجر، بل حتّى أقلّ من ذلك.
ووفقا للبيانات فإن حوالي 40% من الرجال العرب لا يشاركون في القوّة العاملة، أمّا بالنسبة للنساء العربيّات، فالصورة قاتمة جدًّا، حيث لا تشارك 85% منهنّ في قوّة العمل.
وأوضحت الدراسة أنه لا تتوافر بيانات رسميّة حول نسب البطالة في صفوف الفلسطينيّين في القدس الشرقيّة، وذلك لأنّ السلطات المختلفة لا تفصّل في بياناتها بين العرب واليهود في المدينة.
وأشارت الدراسة إلى أن الوضع الاقتصادي الخطير لسكان القدس الشرقية، يشكّل محصلة سياسات متواصلة عبر عقود طويلة، أدّت إلى إضعاف كبير للقدس الشرقيّة في جميع المناحي الحياتيّة. فقد فرض القانون الإسرائيليّ بعيد احتلال المدينة عام 1967، على البلدة القديمة والأحياء الفلسطينيّة المجاورة، وعلى بعض القرى المتاخمة، بتحويل السكّان مكرهين إلى مُقيمين دائمين في إسرائيل، وأصبحوا يحملون بطاقات الهُويّة الزرقاء، ويتحلون بمكانة قانونيّة تختلف عن مكانة سكّان سائر المناطق في الضفّة الغربيّة.
ونوهّت أنه وحيال هذا الوضع غير الطبيعيّ، يُلزم القانون الإسرائيليّ والقانون الدوليّ كذلك، إسرائيل التدقيق في مسألة منح الحقوق للسكّان المقدسيين، وإيجاد حلول خاصّة على ضوء الوضع السياسيّ. لاسيما خلال 45 السنة الماضية، مارست السلطات الحكومية الإسرائيلية سياسات تميزّت بالإهمال، والانتهاك الخطير لحقوق السكّان الأساسيّة.
وعن جدار الفصل العنصري والعزل عن الضفّة الغربيّة، تحدثت الدراسة عن هذا الجدار الذي يحيط بالقدس على امتداد 142 كلم، بأنه السبب في تحويل القدس الشرقيّة من مركز إقليميّ يوفّر الخدمات والتشغيل لدوائر واسعة من سكّان الضفّة الغربيّة، إلى مدينة هامشيّة يجري فرض قيود بالغة على الدخول إليها.
وأفادت بأن بناء جدار الفصل أثر بشكل حاسم على سكّان عدد من الأحياء، التي تقع ضمن مناطق نفوذ بلديّة القدس، لكنّها عُزلت اليوم عن المدينة بواسطة هذا الجدار. حيث تأثّر المقدسيّون الذين يعملون في الزراعة، والتجارة بالحاجات الغذائيّة، من إقامة جدار الفصل، ويواجهون صعوبات جمّة في المتاجرة مع الضفّة الغربيّة.
وبيّنت الدراسة أن سوق العمل في القدس الشرقيّة أصبح معزولاً بسبب وضعها الخاصّ، وأصبحت فرص تطويره بالغة الندرة. كما شهدت السنوات الأخيرة إلى تراجع كبير في السياحة الداخليّة والخارجيّة على حدّ سواء. وبحسب تقريرٍ نشرتْه منظّمة ‘المقدسيّ’، تناول حقوق العمّال الفلسطينيّين في سوق العمل الإسرائيليّ والمستعمرات، بأنه جرى منذ عام 1999 إغلاق أكثر من 5,000 مصلحة تجاريّة فلسطينيّة في القدس.
وتحدثت الدراسة عن واقع التعليم، والعوائق التي تقف أمام التحصيل العلميّ والتأهيل المهنيّ في المدينة، حيث أشارت إلى أن جهاز التعليم في القدس الشرقيّة يعاني من إهمال خطير وميزانيّات متدنّية، ومن الاكتظاظ والنقص في الغرف التدريسيّة، ومن مشاكل أخرى كثيرة.
واستندت الدراسة إلى بيانات مديريّة التعليم في بلديّة القدس، بأنه يبدأ تسرّب أعداد كبيرة من الطلاّب الفلسطينيّين في سنّ مبكّرة، و40% من طلاّب الصفوف الثانية عشرة الفلسطينيّين في القدس لا ينهون 12 سنة تعليميّة.
وأشارت إلى أنه لا يحصل على شهادة ‘البجروت’ الإسرائيليّة، سوى جزء بسيط ممّن ينهون المرحلة الثانويّة، بينما تتعلّم الأغلبيّة بحسب منهاج التعليم الفلسطينيّ، وتتقدّم إلى امتحان التوجيهيّ في نهاية مرحلة الصفّ الثاني عشر، أسوة بسائر الطلاّب في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. فيما يتعلّم طلاّب المدارس في القدس الشرقية اللغة العبريّة، كلغةً ثالثة بعد العربيّة والإنجليزيّة، بل رابعةً في بعض الأحيان، بعد الفرنسيّة أو الألمانيّة. ربع التلاميذ يرتادون مدارس خاصّة لا تدرّس العبريّة إلاّ في ما ندر.
ونشرت الدراسة بأن غياب شهادة ‘البجروت’، والدراية الجزئيّة باللغة العبريّة، تؤدّيان بمن ينهون 12 سنة تعليميّة 60%، إلى مواجهة صعوبات في القبول للجامعات الإسرائيليّة. بواقع أن بعض هؤلاء الطلاب يستثمر موارد ماليّة جمّة، ويخصّصون سنة أو أكثر، لدراسة اللغة العبريّة، واستكمال أو تحصيل ‘للبجروت’ من خلال سنة تحضيريّة في الجامعة، أو في معاهد خاصّة في القدس الشرقيّة مُعَدّة لهذا الغرض.
بالإضافة إلى ذلك، يشكّل الامتحان ‘البسيخومتريّ’ عائقًا جِدّيًّا أمام الشبّان العرب خرّيجي جهاز التعليم الإسرائيلي، ّناهيك عن خرّيجي جهاز التعليم في القدس الشرقيّة! فكلّ هذه المسائل تضع العقبات أمام الشبان من القدس الشرقيّة، عند توجُّههم لتَلَقّي الدراسة الأكاديميّة في المؤسّسات الإسرائيليّة.
وتناولت الدراسة صعوبة انخراط النساء في سوق العمل، حيث تعد المرأة الفلسطينيّة في القدس، هي أوّل المتضرّرين من المكانة الاجتماعيّة- الاقتصاديّة المتدنّية، ومن النقص في أُطُر التعليم لها ولأبنائها، ومن النقص في أماكن عمل ملائمة. حيث لا تتعدّى نسبة النساء الفلسطينيّات من القدس الشرقيّة اللواتي ينخرطن في سوق العمل 15%، و نحو 70.9% من النساء اللواتي لا يخرجن للعمل، يَعْزُن الأمر إلى التوقّعات الاجتماعيّة التي تتطلّب أن يقمن برعاية الأبناء والاهتمام بالأعمال المنزليّة أو رعاية أفراد العائلة.
وكشفت الدراسة أن أمهات الأطفال الصغار اللواتي يرغبن في الخروج للعمل، يواجهن غيابًا شبه تامّ لأطر تربويّة بلديّة لأطفالهنّ. ففي العام الدراسي 2011-2012، انخرط 433 طفلاً في سنّ 3-4 في الروضات البلديّة، من أصل 15,000 طفل فلسطينيّ في هذه الفئة العمْريّة. وعلى الرغم من وجود عشرات الروضات الإضافيّة الخاصّة، لا تستطيع غالبيّة العائلات تسجيل أطفالها هناك، بسبب رسوم التعليم الباهظة. قرار الحكومة
وحول تشغيل الفلسطينيّين في القدس الغربيّة، نشرت الدراسة أن المتانة الاقتصاديّة النسبيّة للقدس الغربيّة، تدفع الفلسطينيّين سكّانَ القدس الشرقيّة للبحث عن عمل هناك. وبجانب صعوبات اللغة والتحصيل العلميّ التي ذُكرت سابقًا، والتي تَحُول دون الانخراط في العديد من المجالات، يواجه سكّان القدس الشرقيّة عوائق أخرى تنبع من الوضع السياسيّ، وظروف القدس الشرقيّة الخاصّة. فالتوتّرات الاجتماعيّة والثقافيّة بين اليهود والعرب في المدينة، تؤثّر على الحياة اليوميّة، ويتفاقم هذا التوتّر عند نشوب الأزمات، ويشمل في الحالات المتطرّفة مضايقات جسديّة، وتوجُّهًا لأصحاب المصالح التجاريّة اليهوديّة بعدم تشغيل العرب.
وتحدثت عن التدني في خدمات شبكة المواصلات العامّة، والتي تشكّل أيضا عائقًا آخر أمام من يريد الخروج للعمل في القدس الغربيّة. حيث تعمل في القدس الشرقيّة شبكة مواصلات منفصلة، عن تلك التي تعمل في المدينة الغربيّة، وتربط ما بين الأحياء الفلسطينيّة والمركز التجاريّ في البلدة القديمة.
وفيما يتعلق بسحب الإقامة الدائمة ومنح مكانة مؤقّتة، أشارت الدراسة إلى أن جميع إجراءات لَمّ شمل سكّان الأراضي المحتلة، على ضوء قرار الحكومة الإسرائيليّة في عام 2002 تجمدت، وتكريس هذا القرار، من خلال مرسوم طارئ في قانون المواطَنة، والدخول إلى إسرائيل في عام 2003.
وحول سكان الضفة وغزة المتزوّجين من مواطني وسكّان إسرائيل، ممّن صودق على طلبهم للَمّ الشمل، قالت الدراسة إنه يمكنهم المكوث في إسرائيل، بواسطة تأشيرات يجري تجديدها في فترات محدّدة، بعد إجراء فحوص أمنيّة، واختبارات فحص مركز الحياة، حيث تَمنح هذه التأشيراتُ حامليها، حقَّ المكوث والسكن، لكن غالبيّتها لا تمنحهم حقّ العمل في إسرائيل، أو استصدار رخصة لقيادة سيّارة، أو الحصول على التأمين الصحّيّ والتأمين الوطنيّ، وما إلى ذلك.
وعلى هذا النحو يسكن في القدس الشرقيّة الكثير من الفلسطينيّين، الذين صادق وزير الداخليّة الاسرائيلي على طلبهم للَمّ الشمل، وتشكّل القدس بالنسبة إليهم مركز الحياة، ويلدون أبناءهم فيها مع أزواجهم، ويحملون بطاقات مكوث فيها، لكنّهم لا يستطيعون العمل وإعالة عائلاتهم. حيث يُطلب من حَمَلَة التأشيرة الذين يريدون العمل بصورة قانونيّة في إسرائيل، وفي القدس الشرقيّة كذلك، أن يخضعوا لإجراءات معقّدة بغية استصدار تصريح دخول لإسرائيل لغرض العمل (وذلك على غرار الفلسطينيّين من الضفّة الغربيّة الذين لا يحملون تصاريح قانونيّة للمكوث في إسرائيل).
ولفتت الدراسة إلى أنه في بعض الحالات، يُضطرّ هؤلاء إلى العودة إلى الضفّة الغربيّة، للبحث عن لقمة العيش لعائلاتهم، ممّا يؤثّر على إجراءات لَمّ الشمل، التي تتطلّب منهم إثبات أنّ القدس تشكّل مركز حياتهم، وإذا لم يحصل ذلك يتوقّف الإجراء وتُسحب المكانة.
وأشارت الدراسة إلى أنه ثمّة صعوبة أخرى يواجهها سكّان المدينة، الذين سُحبت إقامتهم الدائمة من قِبَل داخلية الاحتلال، في العقود الأربعة الماضية، حيث قامت هذه الوزارة بسحب الإقامة الدائمة من 14,084 فلسطينيًّا، ولم يُسمح لهم بعدها بالسكن والعمل في مدينتهم. وحصل ارتفاعا كبيرا في عدد الإقامات الثابتة، التي جرى سحبها في السنوات الأخيرة، حيث بلغ هذا العدد منذ عام 2006 حتّى اليوم، نحو نصف المجموع الكلّيّ للإقامات التي سُحبت منذ عام 1976 حتّى اليوم. ووصل هذا الإجراء ذروته في عام 2008 عندما قامت الداخليّة الإسرائيليّة بسحب الإقامة الدائمة من 4,577 شخصًا، خلال عام واحد.
وتحدثت الدراسة أن بعض من سُحبت إقامتهم الدائمة لا يغادرون القدس، بل يتحوّلون إلى ‘غائبين حاضرين’ بالنسبة للسلطات وأصحاب العمل. قانونيًّا، ولا يمكن تشغيل مَن سُحبت إقامته الدائمة، حيث لا يملك رقم هُويّة ولا يستطيع فتح حساب بنكيّ، ولا تتوافر له ضمانات اجتماعيّة (التأمين الوطنيّ، والتأمين الصحّيّ، والراتب التقاعديّ)، ولا يحصل على حقوق الحماية التي يحصل عليها العمّال القانونيّون.
وأشارت إلى أنه يُضطرّ ممن سحبت إقامته، ويريد توفير لقمة العيش لعائلته، إلى اللجوء إلى سوق العمل السوداء، التي تشكّل أرضيّة خصبة للاستغلال وهضم الحقوق.
وأجمّلت الدراسة السياسات التي جرى استعراضها، بأنها دفعت إلى عزل سوق العمل في القدس الشرقيّة، وإضعاف الجمهور الفلسطينيّ، وانتهاك حقوقه بصورة متواصلة.
واقترحت الدراسة جملة حلول لتحسين الوضع الاقتصاديّ والتشغيليّ لسكان القدس الشرقية، تتضمن مكافآت خاصّة ومساعَدة أصحاب المصالح التجاريّة الذين تضرّروا جرّاء بناء جدار الفصل الذي عزَلَهم عن جزء كبير من زبائنهم؛ وإيجاد سبل منح التسهيلات للمبادرين من قطاع الأعمال والتجارة، الذين يرغبون في الاستثمار في القدس الشرقيّة وتشجيعهم.
واقترحت الدراسة ضرورة العمل على توسيع أُطُر التأهيل المهنيّ، وابتكار برامج للخروج إلى العمل، على نحوٍ يُفْضي إلى الانخراط في وظائف عديدة ومتنوّعة، لا سيّما في المجالات التي تعرض أجرًا مرتفعًا وشروطَ عمل جيّدةً. وحلا آخر يقضي بصرف استثمارات أكبر في جهاز التربية والتعليم في القدس الشرقيّة، بما في ذلك وضع مخطّطات لمنع التسرّب، وبناء أُطُر لاستكمال شهادة البجروت، ولتعليم اللغة العبريّة للراغبين في ذلك.
وآخر لبناء مسارات خاصّة بشروط مريحة، لمن يريدون الحصول على اعتراف إسرائيليّ، من أصحاب الألقاب الأكاديميّة، والشهادات المهنيّة من جامعة القدس الفلسطينيّة، والمعاهد والكلّـيّات الفلسطينيّة في القدس الشرقيّة، والجامعات في الضفّة الغربيّة.
وطالبت جمعية ‘حقوق المواطن’ السلطات الإسرائيلية بالتوقف عن ممارسة الإجراءات، التي تنتهك حقوق السكّان الأساسيّة، لا سيّما سياسة مصادَرة وسحب الإقامة الدائمة، وسياسة التخطيط والأراضي التي تخنق التطوّر العمرانيّ في جميع المناطق الفلسطينيّة في القدس، وغيرها من إجراءات تعسفية.