سيتم تذكر العام 2012 على أنه شكل مرحلة مهمة فارقة من مراحل تطور العالم العربي الحديث، لأنه آذن بالكشف عن القوى الكامنة، وإنما التي طال أمد إخفائها لدى المجتمعات والدول العربية. وفيما يلي القائمة التي أعددتها لتضم الأشياء العشرة الأكثر أهمية، التي تعلمناها من التطورات التي جرت في العالم العربي والشرق الأوسط الأوسع في العام 2012.
أولاً: ظهر الآن أكثر من أي وقت مضى أنه لا وجود “لعالم عربي” متماسك مفرد فيما ينتهج كل بلد عربي مساراً مختلفاً في طريقه إلى إعادة تأطير نفسه سياسياً. ولأول مرة في التاريخ، نشاهد الرجال والنساء العرب على حد سواء، وهم يقودون التغييرات السياسية الجارية على قدم وساق، والتي تكشف اختلاف الهويات والمشاعر والشرعيات والظروف في البلدان العربية المختلفة بشخصياتها وفوارقها الدقيقة والقوة التي لديها.
ثانياً، ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يعكس هؤلاء الـ 350 مليون رجل وامرأة من العرب العاديين في طول المنطقة وعرضها بعض أوجه المعاناة والمواقف والتطلعات المشتركة. ولعل أبرز المشاعر التي أعربوا عنها في العام 2012 كانت الرغبة في عيش حياة تتسم بالسيادة والعزة والكرامة -لا أن يعاملوا معاملة عبيد الأرض من جانب حكوماتهم، وإنما التمتع بمجموعة أساسية من الحقوق الإنسانية والمدنية. وكان تشكيل أنظمة قومية تضمن حقوق أولئك المواطنين من خلال وضع دساتير معقولة هو العلامة الفارقة للعام 2012 والتي شملت المنطقة العربية بأنماط مختلفة وبسرعات مختلفة أيضاً.
ثالثاً، وكجزء من العملية، علّمنا العام 2012 عدم تضخيم القوة والحكمة أو الفعالية السياسية للإسلاميين العرب مثل الإخوان المسلمين، الذي كان أداؤهم بائساً في ترجمة شعاراتهم إلى سياسات. ولذلك نراهم يواجهون التحدي بازدياد من جانب مواطنيهم -بمن فيهم بعض الذين صوتوا لصالحهم أو دعموهم- والذين خاب أملهم من الأداء الخاطئ للإسلاميين عند توليهم المسؤولية.
رابعاً: تحلق السياسات الخارجية في خلفية إحساس المواطنين العرب القوي بعزتهم وكرامتهم، في شكل مواطنين لن يقبلوا بالإهانة المزمنة بالتعرض لسياسات عدائية على غرار السياسات الكولونيالية للقوى الأخرى. ومن الممكن أن تكون هذه سياسات إسرائيل والولايات المتحدة (وخاصة إزاء فلسطين)، وروسيا (في سورية)، أو إيران (في لبنان والعراق وسورية). وثمة بعض الناس ممن يشتكون راهناً من الأعمال العدوانية لبلدان عربية أخرى، مثل تدخل دول الخليج الأخرى في البحرين. وهكذا، مات “العالم العربي” أخيراً في العام 2012، في الوقت الذي ولد فيه المواطن العربي، والدولة.
خامساً: ليس هناك “قائد” مفرد، وإنما هناك عدة دول تقوم بريادة استكشاف ملامح مختلفة من التطور السياسي. وسيكون لوضع سورية أعمق التداعيات على المدى القصير، لأن التغيير الوشيك والتحول في نظامها سيؤثران بشكل واسع في كل غرب آسيا. أما تونس ومصر، فسيكون لهما أعظم التأثير على بقية العرب على المدى الطويل، لأنهما تقعان في وسط أول عملية على الإطلاق يعول خلالها الرجال والنساء من العرب العاديين على قيمهم القومية لتشكيل وإضفاء الشرعية على دساتيرهم وهياكل دولهم الخاصة.
سادساً: لم تمس الانتفاضات العربية بشكل جدي منطقة الخليج، باستثناء البحرين، لكن ثمة أمارات مبكرة على النشاط في عدة دول خليجية -تغريدة تويتر هنا وصفحة فيسبوك هناك، والتماسات لحقوق الإنسان واهتمام بمشاركة المواطن في كل مكان- وهو ما يمثل التطور الأكثر عمقاً في العالم العربي في العام 2012 من وجهة نظري. ولعل الكويت هو البلد الأكثر إدهاشاً والذي تنبغي متابعته في العام 2013. فعندما ينزل المواطنون الأثرياء والمدللون إلى الشوارع ويطالبون صراحة بتعريف أكثر وضوحاً وتحديداً لصلاحيات رؤساء دولهم، يكون الوقت قد حان لملاحظة المواطنين العرب الذي يطالبون بحقوقهم السياسية في خضم الوفرة المادية.
سابعاً: بدأت الدولة العربية في العام 2012 في مواجهة أقسى اختباراتها الحديثة فيما يخص الشرعية والاستدامة. وثمة بعض البلدان العربية من التي تفتقر إلى السيادة والتماسك -اليمن والعراق- قد تتشظى على الطريق، تماماً مثلما انفصل جنوب السودان عن السودان في العام 2011. وقد تجد دول أخرى، مثل سورية واليمن وليبيا ولبنان، نفسها وهي تخوض تجربة تفكك عميق في المركزية التي تموه الروابط الخاطئة للقومية، والتي تتعرى راهناً بشكل أكثر وضوحاً تحت ضوء النهار.
ثامناً: تنهار سياسة تركيا الإقليمية -التي كانت ذات مرة تنطوي على رغبة قوية في أن يكون لها علاقات جيدة مع كل جيرانها- راهناً لتأخذ شكل مواجهات متوترة مع سورية وإسرائيل والعراق وإيران. ولذلك، فقد تكون هذه لحظة جيدة لتذكر بأن الدول العربية وحسب، وليست الدول المجاورة غير العربية، هي التي تستطيع لعب دور قيادي معقول في العالم العربي.
تاسعاً: تستمر القوى الكونية في التواؤم مع الظروف المتغيرة في المنطقة، وتستجيب أكثر فأكثر للوقائع الجديدة التي يشكلها التفاعل والنشاط الشعبوي العربي. وتخوض الولايات المتحدة وروسيا والصين معارك بالإنابة في العالم العربي، لكنها تلعب في العادة أدوار دعم أكثر من كونها أدوار قيادة.
عاشراً: تم خفض وتيرة القضيتين الإقليميتين السياسيتين الكبيرتين، فلسطين وإيران، في هذا العام، بينما حازت الانتفاضات العربية والنزعة الدستورية قصب السبق. وسوف تنهض هاتان القضيتان ثانية في العام 2013، لأنهما تعكسان علاقات قوة فعلية تؤثر على حياة ورفاه عشرات الملايين من الناس.
(ديلي ستار) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني- الغد الاردنية.
*محرر في صحيفة “الديلي ستار” وهو مدير معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت- لبنان.
*نشرت هذه القراءة بعنوان: Arab World Lessons from 2012