لعل من دواعي الأسى والحسرة والحيرة في أحيان كثيرة جرأة البعض من ساستنا العرب الدعوة صراحة للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت مزاعم المصالح المشتركة او تخفيف حدة التوتر والضغوط التي نواجهها.
وليتها كانت إرادة وطنية خالصة مبنية علي رؤية حكيمة مدروسة لكيفية التطبيع؟ وماهية دواعيه وأسبابه؟ وماهية مخاطره علي أمننا القومي؟ وماهية تأثيراته على حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة؟
وتأتي دواعي الحسرة والأسف من ان من يتبنون مشاريع التطبيع لا يملكون لا الرؤية ولا القدرة علي قراءة الواقع ولا المستقبل وانما تأتي دعواهم استجابة لإرادة الخارج وأجندته ومصالحه في المنطقة فهؤلاء المغرر بهم يتحدثون في أمر التطبيع باسم الحرية والعدالة والإنسانية والانفتاح علي العالم وتجدهم في حقيقة الأمر اما دكتاتوريون شموليون وصلوا الى هرم السلطة في بلدانهم عن طريق الوراثة أو الانقلابات العسكرية فهم مختطفون لإرادة الشعوب الحرة ويسيطرون على الشأن العام وأمر الحكم في دولهم بقوة السلاح والقبضة الأمنية القاهرة يرفعون هذه الشعارات التي يثبت واقع الحال انهم لا يعرفون معانيها ولا يؤمنون بمغازيها وقيمها العميقة.
هؤلاء المصابين بالانبهار بدولة إسرائيل والتطبيع معها لا يعرفون عنها شيء ولا يعرفون تاريخ شعوبهم التي ترى إسرائيل بعين زرقاء يمامة أنها دولة مغتصبة عنصرية توسعية مولعه بالصراع كثيرة الاعتداء على جوارها العربي بغية خلق الفوضى والهلع والفتن وتقوية السيطرة والنفوذ والمحافظة على التفوق العسكري الباطش والاقتصادي المهيمن.
هذه الدولة المغروسة كخنجر مسموم في خاصرتنا المهددة لأمننا القومي وسلامنا الاجتماعي (يا عجبي) تحاول جاهدة تقديم نفسها علي انها جزء مهم في معادلة الصراع العربي الإيراني بالمنطقة لذا مصلحة الدول العربية الاستراتيجية في التطبيع معها وتكوين جبهة عربية إسرائيلية للتصدي للخطر الإيراني واضعاف نفوذه علي بعض الدول العربية المتحالفة معه.
ودعاة التطبيع يؤيدون ذلك بكل بساطة ويزعمون أن في ذلك حفاظ على الأمن القومي العربي وترجيح لكفة ميزان القوة لصالحنا وتحجيم النفوذ الإيراني
واذا سلمنا جدلاً بان الخطر الإيراني ماثل أمامنا بسبب المطامع الإيرانية في المنطقة العربية خصوصا العراق الصامد والخليج العربي وليس من حيلة أو قدرة لنا للتصدي له ومجابهته ومواجهته..!
فإنه بالطبع أقل خطورة بكثير من الخطر الإسرائيلي الجامح في التمدد والاستحواذ على الأرض العربية وتهويدها والذي لم تلجمه كل المعاهدات العربية الإسرائيلية أو الإسرائيلية الفلسطينية واتفاقيات السلام رغم تعددها وتمحورها في إضاعة الحق العربي لصالح الوجود الإسرائيلي في المنطقة (السلام مقابل الأرض – السلام مقابل السلام).
غير أن مشاريع التطبيع التي تندفع نحوها بعض حكوماتنا الهزيلة العميلة متجاهله للأمن القومي العربي والحق الفلسطيني ومتماهية مع الرغائب الأمريكية وحلفائها كما تفعل حكومتنا الانتقالية الغير مفوضة أصلاً لم تجد قبولاً لدى الشعوب العربية والشعوب الحرة المناصرة للقضية الفلسطينية من منطلقات إنسانية للحق في التحرر والاستقلال، فقد قوبلت بالرفض الصريح فاكثر من٨٥٪ من الشعوب العربية وتساندها معظم الشعوب الحرة في العالم ترفض التطبيع جملة وتفصيلاً، ولا تعترف بالكيان الصهيوني، ناهيك من أن تقيم معه علاقات طبيعية وهي لا ترى أي مصلحة يمكن ان تتحقق من التطبيع غير اضعاف الدول العربية وكسر ارادة الحركة النضالية للقومية العربية كما ترى ان مشروع التطبيع في جوهره إضاعة للحقوق الفلسطينية في التحرر والاستقلال وإهدار لروح الوحدة الشعورية التي جسدتها الروح النضالية للامة العربية والتي تعتبر ان القضية الفلسطينية هي أم القضايا العربية القومية بالدرجة الأولى، وان وهنت الأنظمة العربية الحاكمة وتراجعت عن مشاريع النهضة الهادفة للوحدة العربية وحماية الأمن القومي وتخلت عن مناصرة القضية الفلسطينية من مطلقات الاخوة والتاريخ والمصير المشترك واعتبرتها شأن فلسطيني خالص ويكون الدور العربي محايد فإنها بالطبع لا تعبر عن ارادة شعوبها الحرة وتطلعاتها واشواقها في التوحد والانتصار علي كل مهددات الوجود والسلام وعلي رأسها حسم الصراع العربي مع الكيان الصهيوني المغتصب والطامح في تعزيز وجوده والضاغط للاعتراف به، فالشعوب الحرة لن تتخلي عن معاركها المصيرية وقضاياها الحيوية وتقدم التضحيات تلو التضحيات وهنا تبرز مخاوف حقيقية من ظهور التطرف والإرهاب بسبب ضمور روح المقاومة لدى الأنظمة وقبولها بالتطبيع كأمر واقع لا مناص ولا انفكاك منه فهو ومفتاح لتأسيس علاقات طبيعية مع الدول الكبرى المتزعمة للعالم والراعية للكيان الصهيوني والحامية لوجوده اصالة باعتباره حليف استراتيجي لها وطليع متقدم في حماية ورعاية مصالحها.
وهنا تأتي خطورة انكسار ارادة المقاومة للأنظمة العربية المغيبة لإرادة شعوبها والعابثة بالأمن القومي العربي في انه يفتح الطريق لبدائل أخرى تتصدي لحركة المقاومة والتحرير للأرض العربية وغالبا ما تظهر الجماعات الإسلامية المتطرفة والمناصرة للقضية الفلسطينية من منظور ديني وتنبري للقيادة و ستنصب من نفسها ممثلة للحق العربي الفلسطيني في المنطقة مما يقوي ويعزز نفوذها و منظوماتها ويمنحها بعد اقليمي ودولي يؤجج الصراع العربي الإسرائيلي بصورة اكبر واعمق واعنف ويكون مدعاة للتحيز والتعصب الإيراني وغيره من دول العالم لهؤلاء المخلصون الجدد الملتزمون بروح المقاومة بعقيدة إسلامية متجاوزة الحديث عن الحق الفلسطيني للحديث عن الأمن القومي العربي الذي سيصبح مكشوفا امام مشاريع التطبيع وما يسفر عنها من اختراق لمراكز صناعة القرار في بلداننا ذات الإرادة المسلوبة والمتهافتة نحو التطبيع لنيل جائزة الرضا الأمريكي الراعي لمشاريع التطبيع علي اسس فلسفية وفكرية ودينية جديدة مرفوضة مبدئيا لشعوب المنطقة العربية.
هذه الجماعات الإرهابية المتوقعة تظهر علي السطح ستستغل من ذات القوى الراعية لمشاريع التطبيع في تفتيت أواصر الاخاء والنسيج الاجتماعي وازكاء الصراعات السياسية على أسس طائفية لتمزيق المجتمعات وتقسيم الدول العربية ومحاولة فرض رؤيتها المنحازة دوما ومسبقا للكيان الصهيوني وبذا يكون تهافتنا نحو التطبيع بداية النهاية للصمود والوجود والهزيمة الكبرى.
فعلى حكومتنا التوقف عن المضي قدماً في طريق التطبيع طريق الهزيمة والانكسار والسير القهقري وسنرى فيه عجائب ومواجع تشيب لها النواصيا.
• رئيس تحالف حماة الثورة – والرئيس المكلف لحزب السودان المتحد