لندن / نشرت صحيفة ” ذي ديلي تيليغراف” اليوم تحقيقاً عن دور رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بصفته مبعوثاً للرباعية الدولية للسلام في الشرق الاوسط يقول فيه كاتبه بيتر اوزبورن إن من السهل رؤية ما يحصل عليه بلير من ذلك الدور، ولكن من الاصعب رؤية ما الذي يعطيه في المقابل. وهنا نص التقرير:
“منذ أن إستقال توني بلير كرئيس للوزراء خصص جزءاً كبيراً من وقته لجمع المال. ومع ان حساباته غامضة، فان التقديرات تفيد بأنه يكسب نحو 20 مليون جنية إسترليني سنوياً. ومن الواضح أن رئيس الوزراء البريطاني السابق رجل ثري جداً.
مما يحسب لبلير أنه كرس نفسه بقوة للعمل الخيري. ويتعلق الجزء الابرز من واجباته بدوره كمبعوث الى الشرق الاوسط نيابة عن الرباعية الدولية (الامم المتحدة، الولايات المتحدة، الاتحاد الاوروبي، وروسيا) مكلف بتشجيع المصالحة هناك. وهذا المنصب الذي بدأه في اليوم التالي لإستقالته من رئاسة الوزراء منصب خطير الى حد لا يمكن حسابه. ذلك أنه لا توجد صراعات في أنحاء العالم تنطوي على خطر أعظم يؤدي الى اثارة حرب جديدة.
لقد إنقضت فترة تزيد على خمس سنوات منذ أن قبل بلير المنصب، وهي فترة طويلة بما يكفي للحكم بصورة واضحة على كيفية أدائه. وقد تحدثت على مدى السنتين الماضيتين الى عشرات الشهود عن عمله وعن أداء الرباعية التي يمثلها.
يصر مراقبون كثيرون (مع أنهم ليسوا فلسطينيين) على أن رئيس الوزراء البريطاني السابق جاد في عمله. ويقولون إنه يظهر في القدس بمعدل يزيد قليلاً عن مرة في الشهر (كان سلفه جيمس وولفنسون يتواجد في المنطقة طوال الوقت تقريباً) ويبقى ليومين أو لثلاثة أيام وهو وقت يمكن جداً أن يقابل فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وكذلك كبار المسؤولين الفلسطينيين. أما الاهداف فتميل الى كونها محدودة النطاق – مثل مشاريع البناء، وتأمين سهولة حركة العمال الفلسطينيين – مع أن من المؤكد أن هذا لا يعني أنها غير مهمة. وبعض المنجزات التي تدعيها الرباعية، ومنها على سبيل المثال إزالة حواجز تفتيش اسرائيلية، يقلل المراقبون من أهميتها قائلين إنها كانت ستحدث على أي حال.
غير أن السجل بصورة عامة سجلٌ سيء. إذ لا أحد يستطيع أن يدعي أن بوادر السلام قد أصبحت ورديةً أكثر خلال فترة عمل بلير – فعلى العكس من ذلك كانت فترة السنوات الخمس الماضية أو ما يقاربها حالكة. وقال لي عكيفا إلدار، وهو صحافي إسرائيلي مخضرم يكتب لموقع “آل مونيتور”: “إذا حكمت بناءً على النتائج، فإنها دون الصفر”، مضيفاً أن “الجو بين الاسرائيليين والفلسطينيين يتحول الى الاسوأ”. وقد بلغت خريطة الطريق للسلام، التي أعلنت قبل عقد من الزمن، مرحلة اليأس. وأخذ الموقف يتردى بسرعة الى حد أن وزير الخارجية (البريطاني) وليام هيغ قال لمجلس العموم قبل عيد الميلاد أن تطبيق حل الدولتين تطبيق حل الدولتين (الذي يبقى بفارق كبير أفضل أمل لإسرائيل والشرق الاوسط) قد لا يعود ممكناً في غضون سنة أو سنتين بالمرة.
سيكون من غير المعقول لوم بلير شخصياً على هذا الوضع الحالك الذي يزداد قتاماً، لكن من الإنصاف إلقاء قدر من اللوم عند باب الرباعية التي يخدمها. ومن ناحية نظرية تمثل الرباعية المجتمع الدولي. اما من الناحية العملية، كما قال لي الدبلوماسي الفرنسي أنيس نقرور، الذي كان مستشاراً لبلير والرباعية، ضمن مقابلة لبرنامج “ديسباتشيز” للقناة الرابعة قبل 18 شهراً، فقد شكلت الرباعية كـ”ستارة دخان” لاسرائيل والولايات المتحدة. وقال نقرور إن “وظيفتها الحقيقية كانت شراء وقت للسماح للحكومة الاسرائيلية لعمل أي شيء تريده”.
وقد عنى ذلك توفير غطاء دبلوماسي فولاذي في سمكه ونحاسي في قاعه للتغطية على برنامج نتانياهو الاستيطاني. ومن غير القانوني في ظل القانون الدولي – بل إنها لجريمة حرب في ظل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية – أن تقدم أي قوة إحتلال على نقل “أجزاء من سكانها المدنيين الى الارض التي تحتلها”. ومع ذلك فقد سمحت الحكومة الاسرائيلية على مدى السنوات القليلة الماضية لموجة جديدة من المستوطنين أن تغير ديموغرافية الضفة الغربية. وقاد هذا مراقبين كثيرين، بما في ذلك الحكومة البريطانية، الى استنتاج ان مجرد وزن الاعداد سيعني قريباً أن التوصل الى تسوية سلمية لم يعد أمراً عملياً. ومع هذا فقد كان بلير حذراً جداً في إنتقاده. ويميل هؤلاء المستوطنون الى توطيد انفسهم على رؤوس التلال التي ينحدرون منها ليحرقوا بساتين زيتون الفلسطينيين ويهاجموا قراهم. ومرة أخرى كان تنديد بلير بهجمات المستوطنين هذه خافتاً.
ان هذا جزءٌ من استراتيجية متعمدة، وربما ليست متهورة أو مهمِلة كما قد تبدو. فقد سعى بلير والرباعية الى تحقيق تحسينات تدريجية بدلاً من تحدي الظلم الاساسي المتمثل في الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية. وإني متأكد من أن بلير يحسب أن الانتقاد القوي من شأنه أن يعيق او يمنع الوصول الى القيادة الاسرائيلية ويجعل عمله من يوم الى يوم عديم الفائدة. ومن الممكن جداً أن يكون مصيباً في الاعتقاد بأن نتانياهو لن يصغي إليه اذا ما أساء التعبير.
لكن هذا الصمت الدبلوماسي يجعله عرضة للتهمة القائلة بأنه كان وما زال جزءا من الاطار الدولي الذي تواطأ، ربما عن دون قصد كامل، مع الاستعمار الاسرائيلي غير القانوني للضفة الغربية. ومن المؤكد أن هذا ما يعتقده الفلسطينييون، وتتهم مفاوِضتهم السابقة ديانا بطو (الرباعية) بالسماح “لاسرائيل بإنتهاك القانون الدولي من دون عقاب بينما تطالب الفلسطينيين أن يجلسوا من دون حراك”. وقد رسم تقرير اصدره معهد بروكنغز، وهو معهد ابحاث أميركي، العام الماضي صورة منظمة استولت عليها الامم المتحدة بأكملها ولم تعد الآن سوى أداة للسياسة الخارجية الاميركية. ومن المؤكد أن هذا التقييم يشمل بلير الذي يدين بدوره في الرباعية لرعاية صديقه جورج دبليو بوش.
ومع ذلك فإن ثمة شعوراً قوياً بأن حقبة تبلغ نهايتها هنا بالقدس. ويعود هذا جزئياً الى أن من شبه المؤكد أن إنتخابات الاسبوع المقبل ستشهد إنهيار أحزاب الوسط – اليسار التي طغت على الساحة السياسية في اسرائيل خلال السنوات الـ40 من وجودها، ومن ناحية اخرى بسبب الفوز المرجح لليمين الديني وحركات الاستيطان المعارضة بعناد لاي نوع من التفاوض الجدي مع الفلسطينيين.
لكن الامر يعود بصورة رئيسية الى ان ثمة شيئاً يتغير في علاقات اسرائيل المشهورة بالدفء مع الولايات المتحدة. ذلك أن ثمة علائم على أن الرئيس اوباما ربما اخذ يظهر في النهاية ميلاً الى الفوز بجائزة نوبل التي تم منحه اياها قبل الاوان بعد اشهر من فوزه بالرئاسة في 2008. وتقول تقارير من واشنطن ان صبره إزاء نتانياهو نفد كلياً، وانه يعتقد ان رئيس الوزراء الاسرائيلي مصمم على أن يقود اسرائيل الى حالة من العزلة الدولية يمكن، مع مرور الوقت، ان تعرض بقاء ذلك البلد ذاته (اسرائيل) للخطر. ويقال إن جورج كيري الذي سيتولى منصب وزير الخارجية يشد اللجام ليرغم اسرائيل على المجيء الى طاولة المفاوضات، ومن المحتمل ان التعاون قد اخذ ينحسر امام المجابهة.
فأين يترك هذا توني بلير؟ إن من السهل جداً رؤية ما الذي حصل عليه من عملية السلام – دور رجل دولة متجول على المسرح الدولي، والوصول الى زعماء العالم، وكونه ذا صلة مستمرة بعد سنواته في داوننغ ستريت. لكن الاقل سهولة هو فهم ما الذي حصلت عليه عملية السلام منه. وان من اجدى الامور التي يمكن ان يفعلها، بعد مرور خمس سنوات على وجوده في المنصب، ان يسقط على سيفه”.
صحيفة القدس.