رام الله / يستبعد ساسة كبار أن تلجأ إسرائيل لإلغاء اتفاق أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي مع السلطة الوطنية الفلسطينية، لأن ذلك يهدد استقرار المنطقة والعالم بأسره، وأن الحديث عن تهديد ووعيد لم يعد له أي قيمة لأن قرار الذهاب للأمم المتحدة قد اتخذ.
ويعتقد هؤلاء السياسيون أن الضغوط على السلطة الوطنية ستتجه لمنعها من الذهاب لهيئات ووكالات المم المتحدة للحصول على عضويتها، إضافة للضغوط المالية.
وعن السيناريوهات التي رسمتها الحكومة لمواجهة الضغوط المالية على السلطة والمتمثلة بإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية أو اتفاق أوسلو، قال وزير العمل أحمد مجدلاني إن ‘التهديد بإلغاء اتفاقية أوسلو وباريس الاقتصادي يدخل في إطار التهديدات، والسؤال المركزي هل في نية إسرائيل إلغاء الاتفاقات؟.
ويعتقد مجدلاني أن التهديد بإلغاء أوسلو وباريس الاقتصادي تستخدمه القيادة الإسرائيلية في دعايتها الانتخابية، وإلغاء الاتفاقيات التي تنظم العلاقات المالية والأمنية مع إسرائيل يعني فعليا الاعتراف بالدولة فلسطينية، وعلينا المطالبة بترسيم العلاقات التي تربطنا مع إسرائيل أو يعني إعادة احتلال الضفة من جديد وتقويض السلطة الوطنية.
وأضاف: ‘صحيح أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نصحا إسرائيل بإتباع سياسة واقعية لأن تقويض السلطة يمس بالاستقرار ومصالحهم في المنطقة،ولكن إلى أي مدى يمكن أن تستجيب الحكومة الإسرائيلية هو موضوع شك’.
ويعتقد مجدلاني أن إسرائيل يمكن لها أن تقوم بتنفيذ تهديداتها بوقف بتحويل أموال المقاصة (تصل قيمتها لحوالي 300- 350 شيقل شهريا) لحين الانتهاء من الانتخابات.
وقال ‘هذا سينعكس سلبا علينا، وسيدفع السلطة لتخفيض مستوى التزاماتها تجاه الرواتب وخدماتها الصحية والاجتماعية والتعليمية، موضحا أن السلطة تحتاج لحوالي 200 مليون دولار شهريا كرواتب ومصاريف تشغيلية.
وأضاف مجدلاني ‘نحن نعاني من أزمة مالية حادة منذ سنتين، وفي حال توقف الدعم الخارجي فإن اعتمادنا سيكون على الأموال المحولة لنا من المقاصة والضرائب المباشرة التي تتم جبايتها، وهذا يعني أن موازنتا ستنخفض إلى النصف، وفي حال أوقفت إسرائيل تحويل الأموال وتوقف الدعم الخارجي يصبح الدخل المتوفر لدينا فقط 150 مليون شيقل.
هذه التقديرات جاءت في ردهم على سؤال لوكالة ‘وفا’ ما ذا بعد 29 نوفمبر؟ وكيف سيكون المشهد الفلسطيني بعد هذا اليوم.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث قال ‘الحديث عن تهديدات ووعيد لم يعد له أي قيمة، اتخذنا قرارنا بالذهاب وهو حق لنا ولا يخالف قرارات الشرعية الدولية ولا الاتفاقيات التي وقعناها، والتصويت ضدنا لا أخلاقي وغير مفهوم من دول قبلت باعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل وقبلت بقرارات الشرعية الدولية، ولا يهمنا شيء أيا كانت التهديدات.
وأضاف ‘من له مصلحة بإلغاء أوسلو!! هم يخسرون، هل يريدون أن يتحملوا تكلفة الاحتلال؟ المسألة لا تتعلق بنا فقط بل بمصلحة ما يسمى بالسلام العالمي الذي يمكن أن يهدده إلغاء أوسلو، ولا توجد دولة في العالم تريد أن تذهب السلطة الوطنية ويحل الصراع محلها. لا أحد يريد ذلك، وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أنذرت إسرائيل علنا بعدم شن عملية برية على غزة، من يفعل ذلك هل يسمح ببدء حرب في الضفة؟’.
وأكد شعث أن الضغوط علينا بعدم الذهاب للحصول على عضوية فلسطين في بعض هيئات الأمم المتحدة، لم يعد مجديا، قائلا ‘لم يعد هناك فعالية لاستخدام حق النقض ‘الفيتو’، وعليهم بدل أن يقوموا بتهديدنا أن يعطوا للشعب الفلسطيني حقوقه. هذا الكلام الذي يتصدي للمجني عليه بدلا أن يتصدى لقوة الاحتلال لم يعد مقبولا ولا يخيفنا.
وعن التهديدات المالية قال شعث ‘عملت السلطة على تجنب الضغط المالي قدر الإمكان من خلال شبكة الأمان المالي، وتلقينا وعودا بذلك، ومن أراد أن يواجه عدوه من أجل حريته عليه أن يتحمل’، مشددا على أهمية وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام الذي سيتم العمل عليه مع القاهرة بعد العودة من الأمم المتحدة لتعزيز وتقوية صمود الشعب الفلسطيني.
من جهتها، قالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي: ‘مستوى صلابتنا وحزمنا ووحدتنا الوطنية في التعامل مع أبعاد الذهاب إلى الأمم المتحدة قد تنقلنا لمرحلة جديدة من العمل السياسي الفلسطيني’، مشيدة بموقف كافة القوى الوطنية والإسلامية في دعمها وتأييدها لخطوة التوجه نحو الأمم المتحدة.
وقدرت عشراوي أن ردود الفعل على هذه الخطوة ستكون في البداية سلبية لأنها صارت نوعا من الالتزام العلني، لكنها لن تخرج عن العمل السياسي المسؤول، لأن الإقدام على خطوات من نوع إلغاء اتفاق أوسلو يشكل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة بأكملها وللعالم بأكمله، وهو ليس في مصلحة أي جهة سياسية.
وأشارت عشراوي إلى تفهم عالمي لوجود حاجة حقيقية لحل القضية الفلسطينية قبل فوات الأوان، وأن استقرار المنطقة يساهم في لاستقرار العالمي المالي والسياسي، وغياب الحلول العادلة للقضية الفلسطينية يغذي العنف عالميا، خاصة في أوروبا التي تضم ملايين المهاجرين العرب.
وقالت عشراوي ‘إسرائيل ستقوم بمنع تحويل أموال المقاصة، وحتى قد تذب لعدم جبايتها، لكنها لن تذهب لإلغاء الاتفاقات لأنها تنفذها حسب مصالحها، ولكن يمكن لها أن تأخذ خطوات أحادية الجانب من نوع أن تحدد حدود الدولة الفلسطينية بدولة ذات حدود مؤقتة على 40% من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتشريع قوانين لضم المستوطنات’.
وأضافت ‘أن الضغوط التي يمكن لأميركا والدول الأوروبية ممارستها على السلطة الفلسطينية سيتم اشتقاقها من مضمون الضغوط الإسرائيلية وهي كثيرة مالية وسياسية، وفعليا جزء منها بدأ منذ الآن وستزيد من نوع: عليكم أن تلتزموا بعدم الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية والعدل الدولية والأطراف السامية لهيئة حقوق الإنسان، وذلك خوفا من مساءلة إسرائيل التي يتم التعامل معها بأنها فوق القانون’.
وبينت عشراوي أن أميركا فيها أصوات مختلفة في التعامل مع الضغوط علينا، فمثلا الكونغرس الذي يقرر المساعدة المالية للسلطة وأعضاؤه من دعوا لإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وهم من سنوا قانون وقف الدعم لأي منظمة دولية تقبل عضوية فلسطين فيها.
وفيما يخص شبكة الأمان المالي التي أعلنت عنها الجامعة العربية بقيمة 100 مليون دولار للسلطة شهريا، قالت عشراوي إن الالتزام هو المحك، كما تحدد ذلك كيفية ومستوى ضغوط الشعوب العربية على حكوماتها.
ويرى الأمين العام للمبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن الأهم في المشهد الفلسطيني بعد 29 نوفمبر تحقيق الوحدة الوطنية، لأنها أهم سلاح يمكن امتلاكه لمواجهة الضغوط.
وقال البرغوثي ‘على الإسرائيليين إجراء حساباتهم لأن التهديدات لن تهز إرادة الشعب الفلسطيني، وسبق لهم وجربوا مثل هذه الضغوط ولم تكلّ إرادتنا’.
وأضاف ‘إن تنفيذهم لتهديداتهم سيزيد من الالتفاف العربي والدولي حول الشعب الفلسطيني بصورة كبيرة، ولن يسمح لهم بتنفيذ هذه التهديدات’.
ورأي البرغوثي أن على الشعب الفلسطيني والسلطة مواصلة معركته والذهاب باتجاه انتزاع عضوية فلسطين في كل وكالات الأمم المتحدة، وأهمها دعوة الموقعين على اتفاقية جنيف الرابعة لحقوق الإنسان، إسرائيل للتوقيع عليها واحترامها، وكذلك دعوة لجنة مكافحة العنصرية لدراسة واقع التمييز والفصل العنصري الذي فرضه الاحتلال، ودراسة إمكانية اللجوء لمحكمة الجنايات الدولية.
وكالة وفا – زلفى شحرور.