رام الله : لم تكتف الإدارة الأمريكية بفرض حصار اقتصادي وقطع مساعداتها على السلطة الفلسطينية فقط، بل أنها لجأت أيضاً إلى فرض حصار على الدول العربية، لا سيما الثرية منها، لمنعها عن دعم السلطة، رغم أن قمة بغداد العربية أقرت شبكة أمان بقيمة مائة مليون دولار شهرياً، في حال اتخذت أي اجراءات ضد السلطة بعد توجهها للأمم المتحدة، ولا يزال قرار شبكة الأمان العربية حبراً على ورق، ولم يتم تنفيذ أي شيء منه رغم ما تعاني منه السلطة من أزمة مالية حادة.
فقد اكدت القيادات الفلسطينية أن الدول العربية تخضع لضغوطات تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية، وتعاقب السلطة والشعب الفلسطيني مالياً، كعقاب لها على حصولها على عضوية غير كاملة في الأمم المتحدة.
واكدت ذات القيادات أن الدول العربية التي تعهدت بتوفير شبكة أمان مالية للسلطة الفلسطينية بقيمة مائة مليون دولار شهرياً، في حين نفذت الإدارة الأمريكية تهديداتها بقطع المساعدات عن السلطة، وقامت إسرائيل باحتجاز مستحقات الضرائب والجمارك الفلسطينية، إلا أن أياً من هذه التعهدات لم يتم الالتزام بها، رغم الضائقة المالية للسلطة.
هو قرار سياسي أمريكي قد اتخذ لإجبار العرب على عدم تنفيذ تعهداتهم بتحويل الأموال للسلطة الفلسطينية، كعقاب لها على توجهها إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فيما تملي الإدارة الأمريكية على هذه الدول لدعم تولي حركات الإسلام السياسي مقاليد الحكم في المنطقة، لإحداث تغيير سياسي في المنطقة.
ويبدو أن الضغوط الأمريكية تبدو واضحة لمعاقبة السلطة سياسياً، وهو ما تراه القيادة الفلسطينية محاولة عربية لتقويض عمل السلطة، وشلها عن القيام بمهامها الوطنية، لجعلها تستجدي العرب والمجتمع الدولي، وتجعل حكومة الاحتلال تتصرف سياسياً كما يحلو لها.
وفي هذا السياق، يقول الأمين العام لجبهة النضال الشعبي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطيني، د. أحمد مجدلاني أن النظر إلى قضية عدم إيفاء العرب بالتزاماتهم المالية تجاه السلطة الفلسطينية لا يحتاج إلى فطنة كبيرة لمعرفة أنه قرار سياسي.
ويتابع د. مجدلاني: الأشقاء العرب يسارعوا لإنقاذ اقتصاديات بلدان عربية أخرى تواجه مآزق مالية أقل من المأزق التمويلي الذي تواجهه موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية، وبدون أي ضغوط عليها، وعلى العكس من ذلك فهناك قرارات قمة عربية وقرارات من لجنة المتابعة العربية، ولكن لم يتم تحويل الأموال.
ويرى د. مجدلاني أن الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي زار رام الله والتقى بالرئيس محمود عباس قال بوضوح أنه لم يتم تحقيق أي شيء، رغم أن هذا الأمر هو مسؤوليته الأولى بأن يتابع تنفيذ قرارات القمم العربية، وأن يتابع تنفيذ قرارات اللجان العربية المشتركة.
ويضيف د. مجدلاني: نحن نعتقد أن الموضوع الأساسي هو موضوع سياسي، باستمرار الحصار والضغط على القيادة الفلسطينية كجزء من عملية فرض تغيير الخيارات والمسارات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية السياسية، وهذا الموقف لن يكون لا في مصلحة فلسطين، ولا القضية الفلسطينية ولا في مصلحة الأشقاء العرب.
ويتابع د. مجدلاني: إذا كان البعض يعتقد أن مناخات الربيع العربي ودعم الإسلام السياسي على حساب القوى الوطنية والديمقراطية، من الممكن أن يحدث تغييراً في المنطقة لصالح اتجاه معين، أو يضمن الاستقرار والأمن في المنطقة، فنحن نعتقد أن هذا أمر يجانبه الصواب، كما أن الفلسطينيين دائماً في المواجهة، وكانوا دوماً يتحملون المسؤولية، وشعبنا مستعد بأن يقدم المزيد من التضحيات والصبر، ويتحمل المسؤولية أكثر وأكثر، ولكن في أجندة البعض الذي يحاصر القضية الفلسطينية، وينفذ العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني على أجندة الاستقلال السياسي للدولة الفلسطينية.
ومن ناحيته ،أكد عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عبد الرحيم ملوح، أن هناك ضغوطاً أمريكية تمارس على الدول العربية لتقوم بحصار السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني مالياً.
ويتابع ملوح: لا يمكن النظر إلى تقاعس الدول العربية في تحويل أموال الدعم المالي إلى السلطة الفلسطينية بنظرة إيجابية، بل يتم النظر إلى هذا التقاعس نظرة سلبية، لأن الدول العربية منذ فترة وهي تحاول الابتعاد عن الإيفاء بالتزاماتها المالية.
ويبين عبد الرحيم أن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الذي زار فلسطين يوم أمس السبت، قال بشكل واضح وصريح أنه حتى هذه اللحظة فإنه لم يتسلم أي قرش للسلطة الفلسطينية، وأوضح أنه يعمل على تشكيل وفد لزيارة الدول العربية من أجل حثها على الإيفاء بالتازماتها المالية التي قطعتها على نفسها.
ويضيف عبد الرحيم: هذا الموضوع لا يمكن النظر له ببراءة، بل يجب النظر له بتشكك، لأن بعض الدول العربية تريد من الشعب الفلسطيني أن يرضخ، لأن هذه الدول ترضح للإملاءات الأمريكية.
من قبله، يقول الناطق الإعلامي باسم حركة “فتح”، أحمد عساف إن هذا تراجع عن الوعودات العربية
السابقة، التي أقرت في قمة بغداد الأخيرة، وفي ثلاثة اجتماعات لوزراء الخارجية العرب للجنة المتابعة العربية، والتي أكدت أن العرب جاهزون لتوفير شبكة أمان عربية في حال فرضت عقوبات على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، على إثر التوجه إلى الأمم المتحدة.
ويرى عساف أن إسرائيل تقوم بمحاولة ابتزاز الشعب الفلسطيني من خلال هذا الحصار، لمحاولة تركيع الشعب الفلسطيني وقيادته، لانتزاع مواقف لها علاقة بالثوابت الفلسطينية، والتراجع عن السير في هذا الطريق الذي يحقق المصالح العليا للشعب الفلسطينية.
ويشدد عساف على أن الولايات المتحدة الأمريكية أوقفت المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني من خلال قرار في الكونغرس الأمريكي نص على أنه إذا توجهت القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة ستوقف مساعداتها، لكن الفلسطينيون لم يفهموا أوقف العرب مساعداتهم للسلطة الفلسطينية، ويتساءل عساف: هل أصبح العرب جزءاً من الحصار الممارس على الشعب الفلسطيني وعلى القيادة الفلسطينية هذا سؤال يستحق الإجابة عليه من أشقائنا العرب أنفسهم.
ويتابع عساف: لغاية الآن لم نتسلم أي شيء، ولم تطبق شبكة الأمان العربية، استمعنا أنه كانت هناك نوايا لوزراء الخارجية العرب لزيارة الأراضي الفلسطينية والالتقاء بالرئيس أبو مازن ليعبروا له عن دعمهم وعن توفير وتطبيق شبكة الأمان العربية، ولكن فجأة اكتشفنا أنهم تراجعوا عن هذه الزيارة، وقيل بأن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً عليهم، وبالتالي فإن العرب مطالبين بتوضيح موقفهم فيما يتعلق بالدعم السياسي الحقيقي والدعم المالي.
ويؤكد عساف على أن الشعب الفلسطيني وللشهر الثاني على التوالي لم يتلق أي مساعدات دولية أو عربية، فيما تقوم إسرائيل بحجز أموال الجمارك والضرائب، وهو ما أدى إلى أن عشرات آلاف أسر الشهداء والأسرى والجرحى التي لا مصدر دخل لها إلا ما تأخذه من السلطة الفلسطينية، فإنها لم تتلقى شيء لغاية الآن من الأموال، رغم وجود مليارات الدولارات من فوائض الميزانيات لدى بعض الدول العربية، ولا يرى الشعب الفلسطيني منه أي شيء.
من ناحيته، يطالب رئيس لجنة القضايا الاجتماعية في المجلس التشريعي، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قيس عبد الكريم الدول العربية بالوفاء بالتزاماتها تجاه السلطة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والإسراع في تطبيق ما أقرته من شبكة أمان لفلسطين بقيمة 100 مليون دولار شهرياً، في حال فرضت أي عقوبات اقتصادية جراء التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة والحصول على عضوية مراقبة فيها.
ويقول أبو ليلى: الدول العربية مطالبة بترجمة الدعم العربي على أرض الواقع لتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من مجابهة كافة التحديات التي تواجهها في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها بعد القرصنة الإسرائيلية على مستحقات الضرائب التي هي حق من الحقوق الفلسطينية التي تتنكر له حكومة الاحتلال.
ويضيف أبو ليلى: لقد تم اقرار شبكة الأمان العربية التي قيمتها 100 مليون دولار شهرياً في حال اتخذت أي إجراءات ضد السلطة الفلسطينية بعد توجهها إلى الأمم المتحدة، وحجزت حكومة الاحتلال على مستحقات الضرائب الفلسطينية لا زال قرار شبكة الأمان العربية حبراً على ورق، ولم يتم تنفيذ أي شيء منه رغم ما تعانيه السلطة من ازمة مالية حادة لم تمكنها من دفع رواتب موظفيها.
ويوضح أبو ليلى: المطلوب الآن ترجمة الدعم العربي على أرض الواقع، لتمكين السلطة من مجابهه كافة التحديات التي تواجهها، ليس فقط فيما يتعلق بالشق المالي فقط، وإنما لمواجهه عمليات تهويد للمدينة المقدسة وكذلك الهجمة الاستيطانية الشرسة التي تستهدف كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من ناحيته، يؤكد الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور واصل أبو يوسف أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تفرضان حصاراً اقتصادياً على الدولة الفلسطينية، ويمنعان الدول العربية والدول المانحة من دعم الفلسطينيين مالياً، بعد التوجه إلى الأمم المتحدة، مؤكداً أن تلك الدول رضخت للضغوط الأمريكية، مما فاقم الأزمة المالية الفلسطينية وأثر بشكل كبير على سير الحياة الفلسطينية من دفع فاتورة الرواتب أو الإيفاء بالتزامات الحكومة الشهرية.
ويرى د. أبو يوسف أن الولايات المتحدة تشارك إسرائيل في حربها ضد الدولة الفلسطينية، وأن الضغوط الأمريكية تحول دون وصول الأموال العربية للسلطة، كما أن الاستيطان يأتي في محاولة للحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية من خلال بناء الآف الوحدات الإستيطانية وخاصة في مدينة القدس.
يبدو أن الولايات المتحدة نفذت تهديداتها التي قطعتها على نفسها بمعاقبة السلطة سياسياً، ولكن السلطة لم تكن تتوقع أن العقاب سيصل أيضاً ذوي القربى، الذين قبلوا بتجويع شعب لما يزل يعاني الاحتلال والقتل والتدمير وحتى الجوع، ولكن لم يتخلى عن كرامته وعزته.
وكالة معا الاخبارية .